أثارت قضية تسليم رئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي الى السلطات جدلا في الأوساط السياسية والحقوقية وفي الشارع التونسي، كما أثارت حفيظة السيد رئيس الدولة المؤقت المنصف المرزوقي وهو ما بيّنه بيان وبلاغ رئاسة الحكومة. وقصد توضيح ملابسات تسليم البغدادي المحمودي قام كل من السيد سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية، والسيد نور الدين البحيري وزير العدل بالادلاء بتفسيرات وتصريحات خلال لقاء إعلامي تمّ إجراؤه أمس بقصر رئاسة الحكومة.
اعتبر السيد سمير ديلو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقالية أنه لا وجود لقضية في ما يتعلق بتسليم البغدادي المحمودي وقال إن التسليم تمّ بناء على قرار سابق من المجلس الوزاري كما اتخذت الحكومة السابقة القرار نفسه.
واعتبر أن عملية التسليم جاءت وفق قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية وأنها تمّت بعد أن تمّ استكمال كل ما يمنع تسليمه. وأضاف أن لهذه القضية اعتبارات قضائية ودستورية وانه قد تمّ إرسال لجنة لمعاينة ظروف الاحتجاز كما تمّ التثبّت من مدى توفر المحاكمة العادلة، ولما اتضح توفر هذين الشرطين تمّ القيام بتقرير على ضوء ما عاينته اللجنة يومي 30 و31 جوان على إثره تمّ تحديد قرار التسليم.
رئاسة وجدل
أشار سمير ديلو الى البلاغ الصادر عن رئاسة الجمهورية، وهو البلاغ الذي بيّن فيه الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية انه تجاوز للصلاحيات وغير شرعي، وانه سيتمّ عرض القرار على المجلس التأسيسي، وقال إنه لم يتعود التعاطي مع البلاغات الصادرة عن المستشارين وأنه لا يريد الدخول في مجادلات لكن الأهم هو تغليب المصلحة الوطنية. بدوره بيّن السيد نور الدين البحيري وزير العدل أن السلطات الليبية قد تقدمت بملف قضائي لتسليم البغدادي المحمودي بعد تاريخ اعتقاله في 27 سبتمبر 2011. وقد نظرت الهيئات المختصة في هذا المطلب. وتقدمت السلط الليبية بالحجج والقرائن والشهادات التي تبيّن تورطه في جرائم الاستيلاء على أموال واغتصاب وتعدّ على حقوق الانسان وغيرها من الجرائم.
وأكد وزير العدل غياب الصبغة السياسية لمطلب التسليم، وأشار الى الاتفاقيات الموقعة بين البلدين بتسليم المجرمين وهي اتفاقية تمّ إمضاؤها منذ 1961.أما في ما يتعلق باستنكار رئاسة الجمهورية لتجاوزها في عملية التسليم فبيّن أن الحكومة لها أن تنظر في القرار وهي صاحبة القرار. وانه ليس لرئاسة الجمهورية أن تقبل أو ترفض قرار التسليم، فهو قرار غير قابل للطعن.
وأشار الى أن المجلس السابق في حكومة السبسي اتخذ نفس القرار، وأن الحكومة المؤقتة الحالية أعادت النظر في نفس القرار واتخذت قرار تسليم البغدادي المحمودي الى السلطات الليبية.
وأشار وزير العدل إلى أن القضاء الليبي معروف حسب قوله بتمتعه بالحد الأدنى من النزاهة وأنه لا خوف على الحرمة الجسدية وعلى ظروف الإقامة. كما لاحظ بأنه لا خشية على المسؤولين السابقين المحتجزين من الاعتداء على حرمتهم الجسدية أو من التعذيب وهذا وفقا لشهادات من هناك!
بين البغدادي.. وبن علي
تحدث كل من سيمر ديلو ونور الدين البحيري عن موضوع تسليم البغدادي المحمودي كحق شرعي للسلطات الليبية التي تستوفي شروط التسليم. وأكد أنه لا يمكن للحكومة التونسية أن لا تستجيب لمثل هذا المطلب وتطالب في الآن ذاته بتسليم بلحسن الطرابلسي من كندا وبن علي من السعودية وغيرهم من الاتباع والأصهار من دول أخرى.
وأكد وزير العدل أن قرار التسليم سيخدم ملف تونس في جلب «الفارين» خارج حدود الوطن بعد الثورة. ونفى سمير ديلو أن يكون قرار تسليم البغدادي المحمودي قرارا سيزعزع من «تماسك الترويكا» مؤكدا على استمرار الحوار وعدم وجود أزمة وعلى استقرار التوافق. كما نفى أن تكون هناك صفقة وراء عملية التسليم قائلا «ليست في قضية تسليم البغدادي المحمودي للسلطات الليبية أية صفقة، ولو كانت كذلك لأطلعنا الشعب التونسي على ذلك» وأضاف «لسنا أقل حرصا على سمعتنا». ولاحظ ديلو أن البعض يطالب بتسليم الرئيس السابق وأصهاره وعندما يتعلق الأمر ببلد آخر يقولون لا تسلموا.. وقال «لو كنا نشك للحظة بأن أحد الفارين سيتم المساس بحرمته الجسدية بعد تسليمه لتونس لما طالبنا بذلك».
ولاحظ وزير العدل أن حماية الحرمة الجسدية لمن يطلب اللجوء السياسي والفارين مهما كانوا هو «أمانة في الأعناق». وقال «الحلال بين والحرام بين ولا متشابهات.. هناك دستور وقانون مؤقت يحكم السلطات.. ولكل من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية صلاحيات ولكل طرف ماهو موكول له..» ولاحظ وزير العدل أن صلاحيات رئيس الدولة المؤقت مقيدة في القانون.
أمن.. وحقوق الانسان
ردا على سؤال «الشروق» المتعلق بموقف وزارة حقوق الانسان المتعارض مع موقف الجمعيات والمنظمات الحقوقية حول قضية تسليم البغدادي المحمودي، وتأييدها للحكومة في في كل مواقفها قال سمير ديلو إنه لا وجود لجهة أحرص من جهة أخرى على حقوق الانسان.. وأن وزارة حقوق الانسان ليست أحرص من وزارة العدل أو غيرها من أطراف الحكومة وأشار إلى أن هناك لجنة تمّ تكليفها بالقيام بتقرير في هذه القضية.. وقال «لا نريد ترهات فليسوا أحرص على حقوق الانسان منا». واعتبر أن ما يقال حاليا ليس مقبولا.. وأن موقف وزارة حقوق الانسان واضح وأنه ليس لمنظمات حقوق الانسان معطيات أفضل مما لدينا.. وإنه من مصلحة الوزارة أن يتمّ احترام ظروف حجز الموقوفين والتي ليست ظروف نزل لكنها ظروف محترمة وتحترم الصحة كما اعتبر أن رسالة البغدادي للشعب التونسي أمر غير مقبول. وبين الوزيران السلطات التونسية قادرة على حماية التونسيين والحدود وأن أهالي الجنوب قادرون على حماية بلادهم ولهم حسّ وطني عال ولا خوف من التهديدات الأمنية .