هل تحوّلت أزمة «الترويكا» إلى داخل أروقة المجلس التأسيسي؟ وهل ساهمت الغيابات المتكررة لبعض النواب في فسح المجال أمام حركة «النهضة» لتمرير رؤيتها حول النظام البرلماني، الأمر الذي أحدث جدلا حادا واعتراضا كبيرا من جانب حزب المؤتمر خاصة؟ مع تصويت لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقات بينهما على الفصل 45 الذي ينص على كيفية انتخاب الرئيس اندلعت «ازمة حقيقية» اعتبرها البعض «أخلاقية» ورأى فيها البعض الآخر أمرا طبيعيا بما أنّ كل حزب أعلن منذ حملته الانتخابية موقفه من شكل النظام الذي يراه صالحا لتونس في المرحلة القادمة، خاصة أنّ حركة النهضة خلافا لشريكيها في الحكم متمسكة بالنظام البرلماني وتكاد تكون الوحيدة في ذلك.
خطأ منهجي
ويبدو أنّ اللجنة قد وقعت في خطإ منهجي حين أجّلت الحسم في هذه النقطة الخلافية وقطعت أشواطا وصوتت على أكثر من 20 فصلا من اختصاصها دون حسم شكل النظام وطبيعة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والسلطة التشريعية.
وقالت عضو اللجنة النائبة عن حزب المؤتمر سامية عبو إنها نبهت منذ البداية إلى ضرورة البدء بتحديد العلاقة بين السلطتين ثم يتم تحديد السلطة التنفيذية هل تكون برأس ام برأسين ومن ينتخب الرئيس، مؤكّدة أنّ «هذه العلاقة هي روح الدستور، لذلك قلت إن المسألة أخلاقية بالأساس».
واعتبرت عبو أنّ التصويت بمن حضر على الفصل 45 ليس له تأثير على عمل اللجنة ولكن تأثيره كبير وخطير على الرأي العام لأنه يعطي انطباعا بأن هناك أغلبية وهمية تريد النظام البرلماني الذي وصفته بأنه سيكون كارثة على تونس.
وحذّرت عبو من خطورة اللجوء إلى الاستفتاء لتمرير هذه الرؤية كما لوح بذلك بعض النواب في حركة النهضة، موضحة أنّ المصادقة على فصول الدستور فصلا فصلا تكون بالأغلبية المطلقة، اما على الدستور برمته فبأغلبية الثلثين، وهذا يعني أن «النهضة» بإمكانها أن تعطّل المشروع الذي ينص على إقامة نظام مختلط، بما انها تملك اكثر من ثلث الأصوات لوحدها.
في المقابل قلّل نائب رئيس لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقات بينهما، زياد العذاري من شأن «الأزمة» التي تعيشها هذه اللجنة معتبرا أنّ جلسة التصويت المثيرة للجدل سبقها إعلام وإرسال برقيات ورسائل هاتفية قصيرة تحدّد موعد الجلسات وموعد التصويت وأن الأصل أن الجميع على علم بالتصويت خاصة أن عمل اللجنة بلغ مراحله الأخيرة ولم يعد أمامها متسع من الوقت بما أنها مطالبة بتقديم تقرير عملها في منتصف هذا الشهر أو في موفاه على أقصى تقدير.
وأضاف العذاري، النائب عن حركة النهضة أنه «ليست هناك أغلبية غيابية، ومن تغيب لا يمكن أن يلوم من حضر، ثم إن اللجنة ليست لها سلطة تقريرية ولو كان الأمر كذلك لقلنا إنه خطير بل إن اللجنة تهيئ للحوار في الجلسة العامة» مشيرا إلى أن هذا الخلاف منهجي بالأساس لأن هناك بعض الفصول التي مرت بالتوافق ولم تشهد جدلا لأنها ليست على علاقة مباشرة بشكل النظام. إشارات خاطئة
ورأى عضو اللجنة، النائب عن حزب العمال التونسي أحمد السافي أنّ ما يطرح إشكالا أنّ اللجنة تعمل منذ أشهر في إطار التوافق وأن هناك نية مبيّتة في اختيار يوم التصويت.
وأضاف السافي أن «جلسة التصويت لم تكن مطروحة وقد جرى الاتفاق مسبقا على ألا نصوت على هذا الموضوع وعلى تدوين الرأيين على ان تعمل الجلسة العامة على تقريب المساحات» معتبرا أن ما سماه «التصيّد أعطى إشارات خاطئة للرأي العام بأن الاتجاه العام داخل اللجنة مع النظام البرلماني». واعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية سمير الطيب أن الأصل في عمل اللجة «ان نبحث دائما عن التوافق خاصة ان الفصل 57 من النظام الداخلي ينص على أنه إن لم يكن هناك توافق تُضمّن كلّ لجنة رأيين في صلب كل مشروع تتولى الجلسة العامة الحسم فيهما.
وأكد الطيب أنه ليس ضروريا أن يصير التصويت في غياب البعض وكانه فرصة لتمرير رأي ما يوحي بأن التوجه العام داخل اللجنة هو مع النظام البرلماني والحال أن عكس ذلك هو الصحيح.
ورأى الطيب انه لتجاوز هذا الإشكال يجب وضع موقفين أو رأيين في تقرير اللجنة النهائي الذي سيرفع إلى لجنة التنسيق والصياغة ومنها إلى الجلسة العامة للحسم فيهما كما أنّ المطلوب مستقبلا ألّا يقع اللجوء إلى التصويت بل تضمين مختلف المواقف في المشروع الذي سيطرح على الجلسة العامة».