اقترن اسم مدينة قابس باسم الصحابي الجليل أبولبابة الأنصاري الذي ذاع صيته كولي صالح وأصبح مقامه يستقطب الزوار من كل مناطق البلاد يأتونه تبركا وتقربا الى الله . سيرته تناولتها الأجيال عبر المدائح والأذكار والأشعار واهتم بها المؤرخون والباحثون وأعدوا حولها دراسات وبحوثا. هوبشير بن عبد المنذر بن رفاعة بن زبير بن مالك بن عوف بن الأوس بن الخزرج الأكبر بن حارثة بن ثعلبة، وهو من القحطانيين من ساكني المدينةالمنورة أمه نسيبة بنت زيد بن ضبيعة وكنّي باسم ابنته لبابة التي تزوجت يزيد بن الخطاب الأخ الأكبر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان أبولبابة من وجهاء المدينة وشجعانها وكبار تجارها أسلم وهوفي عنفوان شبابه ليلة العقبة بمكة المكرمة على يد مصعب بن عمير قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان في استقباله بالمدينة لما جاءها مع المهاجرين وهوأحد النقباء الذين سماهم النبي ليلة وصوله المدينة.
شهد أبولبابة عديد الغزوات والوقائع الشهيرة مع الرسول مثل غزوة أحد وغزوة الفتح الأكبر وكان أبولبابة مقربا من الرسول فأوكل له عديد المهمات الصعبة اذ استخلفه على المدينة في غزوة بدر للسهر على تسيير شؤونها وذلك اقتناعا منه بكفاءته الثابتة ومواصفاته القيادية وقد أعيد منح أبي لبابة شرف هذا التكليف في غزوتي قينقاع والسويق . حادثة يهود بني قريضة ميزت مسيرته بعد أن تفطن أبولبابة أنه قد أتى ذنبا عظيما وبعد أن نزلت في شأنه آية الأنفال الكريمة ندم على ذلك أشد الندم وقرر معاقبة نفسه تكفيرا عما اقترفه وربط جسمه على سارية بزاوية المسجد وأقسم ألا يفك رباطه حتى يغفر الله له وقد فاز أبولبابة بما أراد اذ نزلت فيه آية التوبة وجاء الرسول بنفسه ليؤكد له البشرى ويحل وثاقه وهذه السارية مازالت الى الآن بالمدينة تسمى سارية التوبة.
شارك أبولبابة في نشر الاسلام وتبليغه الى مختلف البلدان والأمصار خارج الجزيرة العربية وانضم الى جيش الزحف الذي كونه خالد بن الوليد وتوجه معه الى العراق والشام وفلسطين ومصر ثم كان مجيئه الى تونس في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوفي في عهد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه سنة 40 هجريا عن سن تناهز الثمانين ، وقد وافته المنية في منطقة تسمى وادي الغيران ثم نقل جثمانه الى مدينة قابس حيث دفن على ربوة بأحواز المدينة سميت باسمه.
يقع مقام سيدي أبي لبابة الأنصاري على مساحة فسيحة تجمع المقام والصحن وفضاء الأذكار والمتحف واستراحة الزوار اضافة الى مسجد جامع يتسع لأكثر من ألفي مصل دون اعتبار الصحن، وقد شهد المقام وكل مكوناته الأخرى تهيئة وتوسعة وعناية خاصة وأصبح على مدار العام عامرا بالزوار الوافدين من كل أنحاء البلاد وحتى من خارجها . لقد أصبح أبولبابة جزءا مهما من تاريخ وحاضر مدينة قابس وحمل اسم مهرجان دولي ينتظم كل رمضان وهو مخصص للمدائح والأذكار والانشاد الصوفي ومسابقات حفظ القرآن وترتيله للأطفال والكهول والشبان.