فضل هداية الوحي وحكمته إن من يتبعها ينتفع بها سواء علم وجه المنفعة فيها أم لا وأما حكمة البشر فلا ينتفع بها إلا من فهمها واقتنع بصحتها وهو سبحانه اعلم من كل حكماء خلقه بما ينفع البشر و بما يضرهم والله يعلم و انتم لا تعلمون. ولولا أن المسلمين لبسوا على أنفسهم من القرآن ما يلبسون وحكموا فيه آراء من يقلدون لكان نور بيانه مشرقا عليهم كالشمس ليس دونها سحاب، و لما خفيت عليهم حكمة الله فيما أمر به أو نهى عنه، ولما اتخذوا دينهم لعبا و لهوا و غرتهم الحياة الدنيا و جرفتهم التيارات العاصفة. «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» (سورة هود 117)
يقول الإمام محمد عبده: إن الأمة المؤلفة من مليون نسمة إذا كانت تبذل من فضل مالها في مصالحها العامة كإعداد القوة و تربية النشء على ما يؤهله للعزة و الرقي تكون أعز و أقوى من أمة مؤلفة من مائة مليون لا يبذلون شيئا من فضل أموالهم في مثل ذلك.
فالفرد من الأمة الأولى يعد بأمة لأن أمته عون له تعده جزءا منها ويعدها كلا له. والأمة الثانية كلها لا تعد بفرد واحد لأن كل فرد من أفرادها يخذل الآخر و يرى أن حياته بموته فيكون كل واحد منها في حكم الميت. وفي الحقيقة إن مثل هذا الجمع لا يسمى أمة لأن كل فرد يعيش وحده، ولا يتصل بمن معه ليمدهم و يستمد منهم، ويتعاون الجميع على حفظ الوحدة الجامعة لهم التي تحقق معنى الأمة فيهم.
« إنه لا تنهض أمة ولا ملة إلا بمثل هذا التعاون وهو مساعدة الغني للفقير و إعانة القوي للضعيف و بذل المال و التضامن العملي والعناية في حفظ المصلحة العامة. بهذا ظهر القليل على الكثير وكانت لهم السيادة وبتركه انحلت الأمم الكبيرة وفقدت الملك والسعادة » محمد عبدة تفسير المنار: 2/269
وتلك سنة الله في المجتمعات والأمم ووجود قليل من الصالحين الذين يعملون للحق ويحافظون عليه لا يمنع عنها العقاب الإلهي إذا تفشت فيها المنكرات وانحلت الوحدة، وانفصمت الروابط وتضاءل الخير و المعروف.