تحولت قضية العطش الى معضلة في ارياف ولاية القيروان. هناك العربات المجرورة بدابة الوسيلة الوحيدة لجلب الماء. وهناك المرأة أكثر الكائنات شقاء رغم العيد المخصص لها. وتتعهد كل من مندوبية الفلاحة وشركة الصوناد (وزارة الفلاحة) بتزويد المواطنين بمياه الشرب. وتنفق الملايين من اجل شطب مطالب العطش ومع ذلك تتعالى اصوات الحلوق الجافة، غاضبة ومعتصمة ومستصرخة. وفي المقابل تتوفر القيروان على ينابيع عذبة توجه في صهاريج عملاقة الى ولايات مجاورة. حيث تمر الأنابيب الناقلة للماء الصالح للشرب في اتجاه مدن الساحل ومن المواطنين من تمر على أرضه ولا يتمتع بالماء مثل متساكني منطقة المخصومة والنبش من معتمدية القيروان الجنوبية وغيرهما كثير في المناطق المحاذية للشريشيرة في حفوز ومناطق من معتمدية الشبيكة الذين يتحسرون على المياه المعدنية الزائدة عن طاقة استيعاب احد المصانع للماء المعدنية والتي تجري في الأودية المجاورة وهي محرمة عليهم ونفس الشأن بالنسبة لمناطق السبيخة ومنها عمادة سيسب وعين بومرة رغم قربها من المناطق السقوية.
والغريب في الأمر انه عندما فتحت السماء بالغيث النافع خلال موسم الخريف والشتاء، أكدت مصادر رسمية بوزارة الفلاحة ان الموارد المائية المعبأة تكفي ثلاثة مواسم لتحقيق حاجيات الجهة من الاستهلاك الفلاحي والبشري.
شبكة مياه الري
وتقدر الموارد المائية بولاية القيروان بحوالي 325 مليون متر مكعب قابلة للتعبئة تمت تعبئة 316 مليون متر مكعب عبر 3 سدود و22 سد تلي و69 بحيرة جبلية بالإضافة الى حوالي 12 ألف بئر سطحية و550 بئرا عميقة. هذه المؤشرات قدمها السيد فاروق بن صالح المدير الجهوي للتنمية بالقيروان في ندوة نظمتها الشروق حول التنمية في القيروان. لكن يبدو ان هناك فارقا مؤلما بين الموارد المخزنة في باطن الأرض والخدمات المقدمة على الأرض.
حيث يعاني المشهد المائي الفلاحي من مشاكل وصعوبات. منها تدهور نوعية مياه الري وارتفاع ملوحتها نتيجة الاستغلال المفرط وفق ما تشير إليه تقارير مندوبية التنمية. حيث تقدر نسبة استغلال المائدة السطحية سنة 2009 ب143 ونسبة استغلال المائدة العميقة ب106 بالمائة
تتعرض الموارد المائية اذن الى الاستغلال المفرط مما ادى الى نضوب العديد من الآبار السطحية خاصة بمنطقتي سيسب والعلم (السبيخة) وسهل القيروان والذي دفع بعض الفلاحين الى اللجوء للمائدة العميقة مما ادى الى هبوط مستمر لمستوى المائدة.
وتدعو التقارير الى انه من الضروري والحتمي الضغط على الاستهلاك وترشيده بما يضمن ديمومتها مع العمل على تدعيم الموارد المائية بجلب فوائض مياه الشمال نظرا لحاجة الجهة التي يعتمد اقتصادها بدرجة اولى على القطاع الفلاحي المهدد بندرة مياه الري وربط السدود داخل ولاية القيروان.مع تكثيف عمليات التحسيس لترشيد استغلال وتثمين المياه داخل الولاية. وقد توقفت الحملة الدعائية التي كانت تقوم بها الشركة الوطنية لتوزيع واستغلال المياه.
الماء الصالح للشرب
وتقدر نسبة التزود بمياه الشرب في ولاية القيروان ب96.9 بالمائة. وترتفع هذه النسبة في الوسط الريفي لتصل الى 93.6 بالمائة وتوزع بين 49.7 بالمائة عن طريق الهندسة الريفية و43.9 عن طريق شركة «الصوناد». وتشير مشاريع ميزانية 2012 الى برمجة مشاريع جديدة عن طريق الهندسة الريفية ستشمل نحو 10 آلاف منتفع. وقد خصصت نحو 70 مليون دينار من الاعتمادات لإحداث مشاريع تزويد المناطق المعطشة بمياه الشرب منها 17 مليون دينار عن طريق «الصوناد». ويبرز ضعف مساهمة الشركة في تزويد الريف بالماء الصالح للشرب نتيجة التشتت العمراني وارتفاع كلفة الربط.
ويشكو قطاع المياه الصالحة للشرب من عديد الصعوبات. منها مشاكل الجمعيات المائية التي تعاني من سوء التصرف وضبابية الهيكلة ومنها ما يشكو من أعمال التخريب والربط العشوائي ومنها ما يشكو من المديونية نتيجة عدم خلاص المواطنين لمعاليم الاستهلال علاوة على مشاكل تتعلق بالصيانة علاوة على الفساد المالي صلب الجمعيات والذي تم كشفه ولم يتم تدارك الخلل ولم يتم اعادة هيكلة بعض الجمعيات.
يؤكد رابح المنصوري مدير اقليم «الصوناد» بالقيروان ان سبب انقطاع مياه الشرب عن عديد المناطق مؤخرا يعود اساسا الى تزايد الطلب على الماء وكثرة الاستهلاك في أوقات الذروة وهذا الأمر سجل وسط مدينة العلا لكنه ليس مسوغا ولا عذرا. كما يعود سبب انقطاع الماء الى وجود تعطيلات من قبل المواطنين من خلال عمليات تخريب للشبكة وربط عشوائي الى جانب مسالة اهتراء الشبكة وتزايد الطلبات المستجدة على مياه الشرب.
ويبقى مشكل نقص الماء في الخزازية هو تعطل مشروع تدخل «الصوناد». اما في الشراردة فان المواطنين هم من يعطلون مشروع تزويد اولاد فرج الله بمياه الشرب. بينما تعطل مشروع تزويد منطقتي الفتح والقطيطير من معتمدية بوحجلة بسبب بطء الاجراءات وارتفاع أسعار التكلفة مع كل تأخير.
وما يلاحظ هو بطء التدخل. فوالي الجهة والمعتمدين يسارعون الى زيارة المواطنين اثر الاحتجاج على انقطاعه ولكنهم لا يتدخلون لايجاد الحل. ورغم احداث صندوق للعطش وتخصيص حملة لتزويد المناطق المعطشة بالماء عن طريق الصهاريج الا ان ذلك لم يحل المشكل جذريا. لتتواصل معاناة آلاف المواطنين بشكل لا يطاق وتطول مدة الانتظار اشهرا ثم تنفجر الأوضاع مثلما حصل في بوحجلة وفي السبيخة والعلا وحفوز وغيرها من المناطق التي تعاني العطش وتتكبد متاعب كبيرة من اجل الحصول على حاجتها من ماء الشرب ويشتركون مع الدواب في شرب مياه غير صالحة مثلما يحصل في حاجب العيون ونصر الله والعلا.
معضلة العطش وفوارق الموارد المائية والتزود بالماء يجب ان تدرس لايجاد الحلول لانه لم يعد مقبولا ان يعطش المواطن المستقر في الريف ويدفع ضريبة تعلقه بالأرض. ولان مبدا العدالة الاجتماعية يفرض تحقيق المساواة بين المواطنين في الحصول على مياه الشرب.
ربما يجب على المنظمات الحقوقية ان تهتم بهذا الحق لان المرأة هناك هي اكثر من يضطهد على الميدان مهما كانت قيمة القوانين المدونة في الدستور المثير للجدل. والشعب يريد ماء وليس معارك سياسية.