للمرة الثانية تكون مسرحية زنقة النساء حاضرة في مدينة سوسة ولكن هذه المرة في إطار مهرجان سوسة الدولي في دورته 54 وهو عمل في فكرته مقتبس عن المسرحية الفرنسية «جماعة المطلقات» أخرج نسختها التونسية سامي منتصر وشارك فيها بالتمثيل محمد الداهش، سوسن معالج ونادية بوستة أما كتابة السناريو أوكلت للأستاذ يوسف البحري وأليل فرادار بمساعدة الممثلين (حسب تصريح المخرج). من قصة امرأة انقليزية تسافر إلى فرنسا بحثا عن علاقة عاطفية قد تكلل بالزواج والاستقرار العائلي بعد انفصالها عن من تحب والذي لم يكن شخصا بقدر ما هو شعور نبيل راسخ فيها استرجعه حنين إليه من جديد فتعجز عن طرده من قلبها إلى قصة ثلاث نساء تونسيات مطلقات ينحدرن من أوساط اجتماعية وثقافية مختلفة يجتمعن في نفس المسكن تحاولن تجديد حياتهن بطريقة تدعو إلى الإضحاك أكثر منها إلى موقف نقدي. من الغرب إلى الشرق!
من النسخة الفرنسية المعنونة ب«جماعة المطلقات» إلى النسخة المُتَوْنَسة تحت عنوان «زنقة النساء» بَوْن شاسع في العمق الدرامي والطرح الهادف للقضية المطروحة لم يبرره مجرّد إعجاب المنتج سامي منتصر بالنص الأصلي والذي تحول إلى اقتباس وإخراج بتصور «تونسي» وفي أحد تصاريحه قبل العرض الأول تنبأ منتصر بأن «المسرحية ستصنع الحدث الفني والاجتماعي»، ولكن من شاهد هذه المسرحية بعد تونستها وخاصة من له فكرة عن نسختها الأصلية يلاحظ بدون شكّ أن عملية التوْنسة وقفت حد إدراج اللغة الدارجة التونسية في مستواها البسيط أحيانا الشعبوي دون التوغل حتى في عمق معانيها ورمزية ابعادها حيث طغت الألفاظ السطحية المسقطة المعبأة في نص متشتت المواقف غاب فيه الخيط الدرامي رغم أن جوهر النص الأصلي هو درامي بعمق كوميدي ولكن زاد في تشرذمه الإسقاطات السياسية بجمل وإن كانت اعتراضية فإنها قوّضت البنية الدراماتوجية وكادت تفقد حتى شكلها الكوميدي والذي بان وكأنه الهدف الأساسي من العمل ككل ولكن ظل في رتبة النكت و لولا وجود ممثل وهو محمد الداهش الذي جسم دورا مركبا وهو إمرأة ريفية رغم بعض الاحترازات اعتبارا لوجوب تنزيه الريفي من الصورة الكاريكاتورية لتعمقت المفارقة في هذه المسرحية في ظل سيطرة الافتعال والتصنع على الشخصيتين الآخرتين وهما نادية بوستة وسوسن معالج .
شخوص بدون شخصيات!
«بية القستلي باش بواب»، «خيرة» و«صوفي» شخوص افقدها التصنع في الأداء والفراغ النصي صبغة الشخصيات، وإن الفكرة توحي بتجسيم أوساط مختلفة : حضري، ريفي ووسط متأثر بالحضارة الغربية فإن ذلك التجسيم كان مجانبا لواقع تلك الأوساط بل شوهها سوى من حيث النص المنطوق أو من حيث أداء الممثلين الذي حملوا صور كاريكاتورية سطحية بعيدة عن الواقع غارقة في محاولة الإضحاك المجاني أكثر من حفرها في الكوميديا الناقدة رغم أن ظاهرة المشار إليها وهي الطلاق معبأة بالعديد رمن المظاهر والوضعيات الممكن تفعيلها بالنقد الساخر ولكن بقيت هذه الظاهرة الاجتماعية بعيدة عن هذا التوظيف من حيث التعمق في أبعادها وتأثيراته الحقيقية على المرأة التونسية التي تختلف تمام الاختلاف عن الفرنسية على الأقل في المستوى الاجتماعي، ولم تعكس هذه المسرحية واقع المرأة التونسية المطلقة بمظاهرها النفسية والاجتماعية بل اقتصرت على وصف سطحي كاريكاتيري عام شوه المرأة المطلقة وهمّش قضاياها نفسية كانت أم اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية وحتى سياسية بحكم دور المرأة المتعدد الأبعاد وزاد في تهميش وتمييع هذه القضايا أداء الممثلتين اللاتي أطنبتا في التحركات المجانية على الركح والتي لا يبررها فراغ النص بقدر ما يفسّرها الحرص على الإضحاك لمجرّد الإضحاك بكليشيهات تجاوزها المسرح والتحولات الاجتماعية الحاصلة مثلها مثل المواقف المعبر عنها.
هل أصبحت نادية بوستة تروّج للعراء؟
اختارت نادية بوستة أن تظهر في عرض سوسة بملابس شبه عارية بدون أي مبرّر فني إضافة إلى تعمدها حركات مثيرة ومستفزة للمتفرج وخاصة العائلات التي تحرجت كثيرة من استفزازات نادية بوستة حتى أن أحدهم قال هل أصبحت نادية متخصصة في العراء خاصة بعد ظهورها شبه عارية الصدر من خلال إحدى المعلقات الإشهارية. إن حاولت بوستة تجسيم دور البنت المدللة المتأثرة بقشور الحضارة الغربية فإن ذلك لا يبرر الظهور بمثل تلك الملابس و ذلك الأداء الباهت والذي امتزج بالتصنع وفقدت فيه بوستة التلقائية المطلوبة فكانت بمثابة النشاز في المسرحية والذي يبدو أنه خرج من سيطرة المخرج وعمّق من ارتجالية هذا العمل المسرحي وإن اجتهد أصحابه فإنه لم يتعد درجة السطحية رغم ما عرف به الأستاذ يوسف البحري من جدية في مختلف كتاباته المسرحية أو الأدبية ونرجو أن لا تكون «زنقة النساء» مغلقة حتى يرجع لإبداعات من قبيل «حقائب» و«التبديلة» و«كيف كيف».