تحولت يوم أمس في الصفحات التونسية بالموقع الاجتماعي قضية الاغتصاب التي تورط فيها أعوان شرطة إلى حملة عامة ضد الحكومة، وخصوصا وزارتي الداخلية والعدل، وترددت أصداء هذه الحملة في وسائل الإعلام الدولية التي تحدثت عن «مغتصبة أصبحت متهمة بالدعارة». في الأصل، تواجه وزارة الداخلية منذ أيام حملة ضارية يشترك فيها أنصار المعارضة مع ناشطي المجتمع المدني بسبب قضية الاغتصاب التي تورط فيها أعوان أمن في الضاحية الشمالية، خصوصا في ظل ما يروج في الموقع الاجتماعي من أن المرأة المتضررة قد تعرضت للتهديد والابتزاز وأنها تنازلت عن شكواها تحت تأثير الخوف، لولا وقوف وجوه من المجتمع المدني معها.
كانت هذه الحملة على أشدها لما ظهرت فجأة تصريحات منسوبة إلى الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية يتحدث فيها عن إمكانية مساءلة المرأة المتضررة أمام القضاء من أجل المجاهرة بما ينافي الحياء بحجة أنه تم ضبطها في وضع مخل بالأخلاق في مكان عام. كما نشر بعض المقربين من حركة النهضة تعاليق تتهم المرأة المتضررة بأنها كانت في وضع مناف للأخلاق، حتى أن بعضهم لم يتردد في اتهامها بأنها تتحمل جزءا من المسؤولية في ما تعرضت له. وهنا، نشط الكثير من الحقوقيين وأنصار المجتمع المدني في الصفحات التونسية للتنديد بهذا الرأي، وبأي رأي يخفف من خطر وبشاعة الجريمة التي أقدم عليها أعوان الشرطة المتهمون، وخصوصا رفض أي تبرير لها. ونشر حقوقيون من المعارضة نص الفصول القانونية التي تعاقب بالإعدام أي شخص يتعمد اغتصاب امرأة باستعمال السلاح أو التهديد به وبالسجن مدى الحياة لما دون ذلك.
وكتبت ناشطة حقوقية من اليسار: «يعني، عندما يرى عون أمن امرأة تلبس القصير مثلا، أو تدخن، أو أي شيء آخر مما يدخل في اختيارات حياتها، يصبح من حقه أن يغتصبها ؟ هذه اسمها فضيحة». ويجدر بنا أن نذكر هنا أننا وجدنا في صفحات بعض المنتمين إلى جهاز الأمن في الموقع الاجتماعي رفضا واضحا لما تورط فيه زملاؤهم مع الدعوة إلى تسليط عقوبات قاسية عليهم حتى يظل جهاز الأمن بريئا من مثل هذه التصرفات.
غير أن الحملة ازدادت ضراوة بعد المعلومات التي راجت حول إمكانية مساءلة المرأة المغتصبة من أجل تهمة المجاهرة بما ينافي الحياء، واختطفت وكالات الأنباء العالمية والعديد من القنوات التلفزية هذا النبأ ونشرته في صدر أخبارها بصيغة تمثل فضيحة: «امرأة اغتصبها أعوان الشرطة تصبح متهمة بالدعارة».
وتحول الخبر إلى كرة ثلج تتضخم مع اللحظات عبر العالم عن المرأة الضحية التي تتحول إلى مجرمة، لمجرد أن المتهمين هم أعوان أمن. استغل ناشطون كثيرون من المعارضة هذه الصورة ليشنوا هجوما عنيفا على الحكومة، وظهرت تسميات مؤسفة مثل «وزارة الاغتصاب» وأشياء أخرى نترفع عن ذكرها. واستغل بعضهم هذه الحادثة للمقارنة بين خطورة جريمة التحرش الجنسي التي أطاحت برئيس الحكومة الإسرائيلي ورئيس صندوق النقد الدولي، وتحويل الاغتصاب إلى دعارة في تونس. ولم تفلح تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية في تخفيف الحملة على وزارة الداخلية، وهي تصريحات ذكر فيها أن أعوان الأمن المتهمين موقوفون ويتعرضون للمساءلة وفق القانون، وأن الملف بيد القضاء وأنه على الجميع احترام استقلال القضاء.
تزداد الحملة شراسة، وهي لا تخلو من التوظيف السياسي في إطار المعارك التي لا تتوقف بين المعارضة والحكومة، خصوصا حين يكتب البعض: «تونس المغتصبة»، لكن الثابت أن الحكومة توفر لخصومها في الموقع الاجتماعي بين الحين والآخر فرصا من ذهب للهجوم عليها.