لموسم جني الزيتون بالقلعة الكبرى طعم خاص فمدينة المليون أصل زيتون تعتبر أرض الزيتونة بامتياز تحتفي بها عبر «طقوس» خاصة في الجني وعبر تخصيص مهرجان دولي سنوي للزيتونة. في مثل هذه الأيام يتجنّد الجميع في القلعة الكبرى لملاقاة الأرض وتحمّل البرد القارس لجني المحصول الذي وُصف هذه السنة بالمحترم ليبقى الإشكال أساسا في اليد العاملة.
عرس الزيتونة
في القلعة الكبرى كان موسم جني الزيتون ولا يزال عرسا بأتم معنى الكلمة يتجند له الكبير والصغير والرجال والنساء وتعرف المدينة من خلاله حركة دؤوبة عند الفجر وبعد الغروب وتعرف الغابة أيام الجني زينتها وبهجتها احتفاء بالشجرة المباركة... في تلك الأيام يسعى الفلاح إلى ترغيب أطفاله في خدمة الأرض وغرس حب الفلاحة في تقاليدهم مصدرَ رزق الآباء والاجداد، وكان الاطفال والنساء يبيعون محاصيلهم من الزيتون الذي التقطوه من تحت الشجرة ويشترون بالمقابل الحلوى والفواكه الجافة لتأثيث سهرة شتائية طويلة.
وبما أن الزيتونة بالقلعة الكبرى تحظى بمكانة خاصة منذ العهود القديمة فإن أهاليها أنشأوا لها مهرجانها السنوي الذي يقام في أوج موسم جني الزيتون (ينطلق هذا العام يوم 15 ديسمبر) ويحضره السياح للاطلاع على تقاليد جني الزيتون ويشاركون الفلاحين أجواء الجني... لكن مشروع «متحف الزيتونة» الذي فكر في إنشائه نادي اليونسكو بالقلعة الكبرى منذ سنوات طويلة لم ير النور إلى اليوم.
وتمتاز مدينة القلعة الكبرى عن غيرها بازدهار موسم الأعراس المرتبطة ارتباطا عضويا بصابة الزيتون فالقلعة مدينة فلاحية بالأساس وقد كان الفلاح منذ القدم يربط معاشه بصابة الزيتون التي إن كانت وفيرة انعكس ذلك على مواسم الأعراس التي تقام صيفا وتعم كامل أرجاء المدينة التي لقبت بمدينة الأعراس.
مشكلة اليد العاملة
وفضلا عن ذلك فإن القلعة الكبرى التي عُرفت بأرض المليون زيتونة بدأت تعرف تقلصا في عدد زياتينها إما بسبب الإهمال او بسبب تشتت الملكية بعد غياب شيوخ الفلاحين أو التفويت بالبيع للخواص قصد الربح الخالص المؤقت وكذلك بسبب الزحف العمراني فضلا عن عدم سنّ سياسة فلاحية واضحة المعالم لتشبيب الغابة وتشجيع الشبان على غراسة أشجار الزيتون.
أمّا اليد العاملة سواء في قطاع البناء أو في الفلاحة فقد باتت نادرة إذ أنّ جاني الزيتون في هذه الأيام يضع شروطا شبه تعجيزية على الفلاح إذ يطالب بأجر يومي قد يصل إلى 30 دينارا وهو ما يسبب خسائر مؤكدة للفلاح فالعامل لن يجني في أحسن الأحوال ما يصل ثمنه إلى 30 دينارا في اليوم بما أن سعر الكيلوغرام الواحد يتراوح بين 600 و700 مليم.
ويضطر كثير من الفلاحين إلى بيع الصابة في أغصانها (خضارة) ومثل هذا التوجه ينشط بقوة في القلعة الكبرى كل سنة خصوصا عندما تكون الصابة محترمة، وقد يذهب بعض الفلاحين إلى انتداب اليد العاملة النسائية أو التفويت في الصابة عن طريق المحاصصة والقسمة وقد ينتظر البعض معونة أبنائهم التلاميذ والطلبة أيام عطلة الشتاء.
وقد بدأت المعاصر تفتح أبوابها بصفة محتشمة على أن يتعزز حضورها في قادم الأسابيع لكن المواطنين يأملون ان تنخفض أسعار زيت الزيتون إلى ما دون ال 5 دنانير للتر الواحد حتى تعود المقولة الشعبية «زيت في كل بيت» إلى الوجود فعليا.