لم تستطع المدينة الصغيرة المزروعة في الرمال في بدايات الصحراء الكبرى=، دوز ان تستوعب ذلك العدد الاستثنائي من الضيوف الذين شدوا الرحال اليها بحثا عن مذاق آخر للحياة. تونس «الشروق»: كتب نورالدين بالطيب ودعت مدينة دوز عشاقها بعد اربعة ايام تحولت خلالها الى عاصمة تجمعت فيها جنسيات لا يمكن ان يجمعها مهرجان آخر غير المهرجان الدولي للصحراء الذي يمثل ظاهرة غريبة لا يمكن تفسيرها الا بحب الناس الفطري للصحراء بما تعنيه من بدء الكون والخلق ربما، فالكون كان قبل البدء صحراء .
الدورة الخامسة والأربعين للمهرجان التي انتظمت من 22 الى 25 ديسمبر كانت دورة استثنائية حتى في صعوباتها بالنسبة لهيئة جديدة ورثت ركاما من مشاكل وعقبات الدورة الماضية وخاصة ملف الديون وبعض المشاكل التقنية والإدارية بسبب عدم وجود مندوب للثقافة في ولاية قبلي ومع ذلك نجحت الهيئة في تنظيم دورة حققت الكثير من النجاح وخاصة في الجوانب الأمنية والتنظيمية اضافة الى البرمجة فرغم التقاء آلاف التونسيين في المدينة الصغيرة ووجود حوالي 100 الف متفرج كل يوم لم يسجل المهرجان اي حادث او تجاوز امني وهو ما يؤكد أريحية سكان الصحراء وعفويتهمً وحبهم العميق للناس فهذا العدد الاستثنائي من الجمهور لو التقى في ملعب كرة قدم خارج دوز في ظروف الانفلات الأمني لترتبت عنه معطيات كارثية ربما ، مهرجان الصحراء الدولي اثبت مرة اخرى انه مهرجان استثنائي لمدينة استثنائية تعيش على حافة الجغرافيا وفي عمق التاريخ وعلى هامش التنمية !
مضاعفة الميزانية
فوجئ وزير الثقافة السيد المهدي مبروك بجمهور المهرجان الذي لا يضاهيه اي مهرجان آخر لا شمالا ولا جنوبا ورغم دوره المركزي في تنمية السياحة الثقافية والصحراوية عاش المهرجان على الفتات وهو السر الوحيد لمشاكله وفي مبادرة حازت إعجاب وتقدير اهل المدينة قرر الوزير في خطوة اولى مضاعفة المنحة المخصصة للمهرجان (حاليا حوالي 60 الف دينار) مع دراسة دقيقة لمشاكل المهرجان الإدارية ( غياب إدارة قارة بعد 45 عاما من تأسيسه) وتجهيزاته التقنية ومستلزمات العمل (هاتف - انترنات - موقع واب) الى جانب تمكينه من موارد قارة على الرحلات السياحية وتمكين هيئته المديرة من استغلال ساحة حنيش خلال العام بالتنسيق مع الوكالة العقارية السياحية حتى يتجاوز الصعوبات التي تهدد استمراره أصلا.
ألوان من الصحراء
على مدى اربعة ايام عاش ضيوف مهرجان الصحراء الدولي على إيقاعات الصحراء مع المسرح «ترياق» لفرقة بلدية دوز للتمثيل والشعر الشعبي ( المسابقة الشعرية ) التي تابعها جمهور غصت به دار الثقافة محمد المرزوقي وقد منحت الجوائز الاولى الثلاث لرمزي بن خليفة من دوز وجابر المطيري من القيروان ومحمد بوكراع من تطاوين الى جانب سهرتين للغناء البدوي مع رضا عبد اللطيف وسهرة «السامور» وهي سهرة للاغاني المنسية في ثنايا ذاكرة البدو الرحل التي يعمل المهرجان على أحيائها وسهرة الشعر العربي التي شارك فيها ابرز شعراء الجهة .
المهرجان اهتم أيضاً بالجوانب العلمية بتخصيص ندوة حول « أمراض النخيل « بالتعاون مع جمعية «نخلة» وندوة حول الواحات القديمة كرافد بيئي وسياحي وفسح المجال للألعاب الشعبية وخاصة ألعاب الصحراء اما الجانب الأهم والأشهر في المهرجان فهو بلا شك عروض ساحة حنيش التي تابعها جمهور من كل مناطق الجمهورية وصل الى حوالي مائة الف وقد كانت عروض حنيش التي أشرفت عليها فنيا وتقنيا فرقة بلدية دوز للتمثيل نموذجا للحياة اليومية في الصحراء عبر اللوحات التقليدية التي وان كانت تتكرر كل عام وكل يوم الا ان الجمهور لا يتعب من الفرجة في وله يشبه الإدمان .وقد كانت إيقاعات الصحراء الجزائرية والليبية والمصرية حاضرة من خلال فرق الفنون الشعبية . ودعت دوز عشاقها ... لكن مهرجانها يعيش في قلب جمهوره ، انه بطاقة السفر التي لا تحتاج الى عنوان !