مدينة " سيدي بوزيد " هي مدينة تحمل اسم ولي من أولياء الله الصالحين ( نحسبه كذلك ) ، وهي عاصمة ولاية تتربع في وسط وقلب البلاد التونسية ، تطل من الشمال على ولاية القيروان التي تأسس فوق أرضها الطاهرة جامع عقبة بن نافع ، ومنها امتد الفتح الإسلامي في ربوع شمال إفريقيا والأندلس . ولاية سيدي بوزيد هي منطقة تنفتح على مناجم فسفاط ولاية قفصة من الجنوب الغربي ، وتطل على واحات نخيل ولاية قابس من الجنوب الشرقي ، وتترابط غابات زيتونها شرقا مع غابات زيتون ولاية صفاقس ، وتعانق حقول حبوبها من الغرب حقول ولايتي سليانة والقصرين . سيدي بوزيد إذن هي ولاية عريقة في إسلامها ، معتزة بأصالتها ، سخية في عطائها سخاء حقولها ومراعيها ، كريمة كرم زيتونها ، شامخة شموخ نخيل جنوبها . مدينة سيدي بوزيد هي مدينة عزيزة غرست بثورتها المباركة شوكة حادة في حلق كل من هادن المافيا السياسية والإقتصادية ، ومن كره سماع صوت الآذان وهمش بيوت الله ودنسها ، ومن ساير رياح الصهيونية . سيدي بوزيد مدينة لقنت باستعصائها على الجائرين درسا للمثقف المستقيل عن هموم شعبه ، و للمثقف الإنتهازي الذي يسخر معرفته لخدمة مصالحه الضيقة من خلال تزيين الباطل وتبرير الظلم وتهميش المعارضة الجادة ، تقول هذه المدينة الأصيلة لهم جميعا : ها قد سفهت انتفاضة أبنائي رأي من لا يراهن على قدرة الشعوب على الفعل والتغيير والتضحية . سيدي بوزيد مدينة بعثت بتمردها على الظلم أملا جديدا في نفس كل " مثقف عضوي " يتقاسم مع شعبه الحلو والمر ، كما وطنت نفس كل مناضل حر يُؤمن بأن إيقاف آلة الرعب التي قتلت الحقوقي سحنون الجوهري ، وهمشت الخبير الجامعي منصف بن سالم ، وأدمت وجه القاضي صالح بن عبد الله ، ونفت الطبيب منصف المرزوقي ، وروعت زوجة المحامي محمد عبو ، وهجرت المفكر راشد الغنوشي ، وانتهكت كرامة الطالب علي بن عون ، وأحرقت جسد المستضعف محمد بوعزيزي هو أمر ممكن . مدينة سيدي بوزيد أكدت بعصيانها المدني إمكانية تغيير الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي المتأزم عن طريق التظاهر في الشوارع أي ما يسمى بالمقاومة السلمية التي تبدأ برفض الظلم وطرده من أعماق النفس ، والسعي العملي للتعبئة الشعبية عن طريق الإعتصامات والإضرابات والمسيرات والإنتفاضات من أجل الضفر بطرد الظلم والإستبداد وإبعاده نهائيا عن مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لتتحقق الحرية والعدالة والكرامة والتنمية الحقيقية في أبعادها المختلفة إذا توحد قادة المعارضة الجادة مع النقابات العمالية على قواسم نضالية مشتركة تقدم المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الحزبية والشخصية الضيقة . في بنقردان (جنوب البلاد ) أشعل فتيل الثورة تاجر بسيط أغلق مصاصو الدماء الحدود في وجهه . وفي سيدي بوزيد ( وسط البلاد ) زاد هذه الثورة لهيبا بائع متجول ضيق أعوان الجور أبواب رزقه وضيعوا قوت إخوانه . فمن ، ومتى سيُشعل ثورة عصيان مدني في شمال البلاد تكون على يدها بإذن الله الضربة القاضية التي ستقسم ظهر هذا النظام المافيوزي البوليسي الجائر ؟ " لله الأمر من قبل ومن بعد ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " (الروم) صدق الله العظيم