الدكتور جاسم المطوع من مواليد الكويت عام 1965 شخصيّة إعلاميّة عربيّة تمتاز بالانفتاح ومواكبة كل ما هو حديث ومتطور في ظل الشريعة الإسلامية السمحاء. * حاصل على ليسانس في الحقوق- ماجستير في الأسرار الزوجية من خلال القرآن والسنّة النبوية- دكتوراه في منهج التربية القيادية للطفل. *يشغل عدّة مناصب أهمّها: رئيس قناة إقرأ الفضائية - مؤسس برنامج "كرسي النور" لتأهيل القيادات الإجتماعية في العالم ومشرف عليه- رئيس ومؤسس شركة الريادة للتدريب والاستشارات - المشرف العام على موقع الأسرة السعيدة. *له العديد من البحوث والإصدارات باللغات العربية والفرنسية والصينية والفارسية، كما لديه إصدارات سمعية، مرئية وإلكترونية..
*الحوارنت : بما أنّ شهرة الدكتور جاسم لم تترك مجالاً لأيِّ تقديم تقليدي، خاصّة أنّ الفضائيات وعوالم النت أفصحت عن الكثير.. ماذا لو طلبنا بعض التفاصيل عن محميّة الدكتور ، عن أسرته الكريمة ؟ والمؤثرات التي ساهمت في تكوينه ؟ دكتور جاسم المطوع: نشأتُ في أسرة كريمة عريقة معروفة في بلادي ، وأعتبرُ والدَيَّ مدرسةً كبيرةً استفدت منها الكثير ، فوالدتي تعلمت منها سعة الصدر والحلم وقلة الغضب ، وحبّها لحل المشكلات الاجتماعية وحبّ السعي للإصلاح وروح النكتة والفكاهة ، أما والدي فتعلمتُ منه الصبر والنجاح في العمل والإيقاع السريع والإنجاز ، كما أن هناك مؤثرات أثّرت عليَّ واستفدتُ منها ، ومنها طبيعة الدراسة التي درستها (القانون والشريعة) ، وكذلك نخبة من العلماء المتميزين الذين درستُ على أيديهم واستفدت منهم ، بالإضافة إلى حبّ القراءة وكثرة السفر ، ولا شك أن ذلك ساهم كثيراً في التجربة والخبرة التي لديّ ، والحمد لله رب العالمين
*الحوارنت : تحصّلت على ليسانس حقوق.. ما الذي دفعك للعمل الإعلامي ؟ وكيف هي ممارسة الإعلام المحكوم بضوابط تربوية وسط آخر متخفف متحلّل من كل شيء ، يعتمد الإثارة كوجبة أساسية ؟ دكتور جاسم المطوع: لقد عملتُ قاضياً في المحكمة ، وتخصصتُ في قضايا الأحوال الشخصية ، وعشتُ المشاكل الأسرية من خلال العمل القضائي أو العمل الخيري والاجتماعي ، ثم بدأتُ أفكر في كيفية نشر الوعي الأسري والاجتماعي حتى أُساهم في تقليل المشاكل الاجتماعية ونسب الطلاق ، ففكّرتُ في استثمار الإعلام ووسائل الاتصال ، وبدأتُ أولاً بالمحاضرات والندوات وعمل الدورات التدريبية ، ثم مع بداية الفضائيات خضتُ تجربتها بدايةً مع تلفزيون الكويت ، ثم مع شبكة راديو وتلفزيون العرب ومنها قناة (اقرأ) ، وقد وجدتُ لها أثراً كبيراً في نشر الوعي الاجتماعي ، ثم توسعتُ في ذلك من خلال وسائل الاتصال التكنولوجية المعروفة ، والحمد لله .
*الحوارنت : لمسنا تركيزاً كبيراً منك حول " تربية الأبناء"، هل لك أن توضح لنا السبب الذي جعلك تختار هذا التخصص؟ وبنظرك أيُّ هذه العناصر لها اليد الطولى في بناء شخصيّة الفرد: البيئة ، التنشئة ، المدرسة ، الصحبة.. ؟ دكتور جاسم المطوع: لا يختلف اثنان على أن البيت أهمُّ محضن تربوي يخرج كلّ الفاعلين الذين نراهم في المجتمع ، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين أو إعلاميين أو .غيرهم .... ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى لم يفصل في شيء كما فصل في شؤون الأسرة ، في الزواج والطلاق والميراث والعلاقات الاجتماعية ، بينما في الشأن السياسي والاقتصادي فصَّل القرآن قليلاً ، وترك الباقي للسنة والسيرة ، فأما الشؤون الاجتماعية والأسرية فإنَّ القرآن فصل كثيراً فيها ، وترك مساحةً قليلةً لمشاركة السنة والسيرة النبوية ، وذلك دليل على أهمية الأسرة ، وأنها هي الأساس في المجتمع ، ولهذا نحن نقول: لولا الأسرة لما كان هناك دين ، لأن الأسرة هي التي تنجب الإنسان ، والإنسان حمله الله الأمانة ، فلهذا أهم شيء الأسرة ؛ ولهذا نحن نهتم بها كثيراً ، ونركز عليها ، ونركز على تربية الأبناء ، وهي قضيتنا الأولى . أمّا ما ذكرتم من عناصر وسؤالكم أيها لها اليد الطولى في بناء شخصية الفرد ، فلا شك أنّ البيت له نصيب الأسد والحصة الكبرى بينها ، وقد قدّر علماء الاجتماع والتربية أنّ نسبة 80% من المؤثرات في شخصية الفرد تكون داخل البيت ، ثم المدرسة والصحبة والتنشئة كلها تدخل في 20% ؛ ولهذا وصف الرسول الكريم أنَّ (أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه) فالبيت هو الأساس .
*الحوارنت : من خلال تجوالك في الكثير من الدول ، كيف هو اليوم حال الأسرة العربية والمسلمة، خاصّة في ظل ما تشهده بلادنا من تغييرات على كافة الأصعدة؟ دكتور جاسم المطوع: ألاحظ أن المتغيرات على الأسرة اليوم سريعة جداً ، بينما الأسرة غير مسايرة لهذه المتغيرات بل أن الكثير من الآباء والأمهات غير مدركين لهذه المتغيرات السريعة ، ولهذا نلاحظ أنّ هناك فجوات كبيرة بين جيل الآباء وجيل الأبناء ، وهذا يستلزم من الوالدين أن يستوعبوا طبيعة الزمن الذي يعيشونه ، حتى يحسنوا التعامل مع أبنائهم ، والأمر الآخر الذي ألاحظه أنّ لغة الحوار داخل البيت ضعيفة جداً ، والحوار هو الأساس الذي يحول الأسرة من أسرة مجهولة بين أفرادها إلى أسرة معلومة ، ومن أسرة مفككة إلى أسرة مستقرة وسعيدة ، فالكلام مما ميز الله تعالى به الإنسان على الحيوان ، فإذا حرمت الأسرة من الكلام فإنها محرومة من خيرٍ كثيرٍ ، والأمر الثالث الذي أُلاحظه أننا نصدّر الحب والعواطف خارج البيت ، أما داخل البيت فنتعامل بالرسميات والروتين ، وهذا ما يشجع الجميع على البحث عن الحب خارج مؤسسة الأسرة .
*الحوارنت : ما رأيك بالإعلام الإلكتروني ؟ وهل حقاً زلزلَ عرش الصحف والمطبوعات وفي طريقه لوأد الشاشات التلفزية؟ دكتور جاسم المطوع: في التطورات الحالية لا شك أن التواصل الاجتماعي في المجتمعات الافتراضية عبر النت سحب البساط من وسائل أخرى ، ولكن لا نستطيع القول أن هذه الوسيلة ألغت الوسائل الأخرى ، وإنما جمهور الوسائل التقليدية يقلُّ شيئاً فشيئاً ، مثل الفاكس اليوم: فإلى الآن هناك ناسٌ تستخدم الفاكس ، ولكن استخدامه قلَّ كثيراً بعد انتشار النت والإيميل والكاميرات المحمولة ، ولهذا فنحن علينا أن نتعامل مع الواقع بإيقاعه السريع لو أردنا أن نكون من أهل زماننا ، مع عدم إهمال الوسائل التقليدية ؛ لأن لكل وسيلة جمهورها .
*الحوارنت : أمام القنوات الفضائية الهائلة وأمام اختلاف الدعاة وتباينهم الكبير في كثير من الأحيان: ألا تعتقد أنّ هذا من شأنه أن يربك المشاهد العادي ، ويشتّت استعداده للاستقبال والاستفادة؟ دكتور جاسم المطوع: لا نرى أن في ذلك تشتتاً للمشاهد ، فالمشاهد له حرية الاختيار واتخاذ القرار ، وتنوّع الفضائيات فيها مصلحة تنوّع المحتوى والمنتج ، وهذا جيد لأنه يفتح مدارك المشاهد ، ويساهم في زيادة وعيه واستيعابه ، ويساعده للوصول للحقيقة ، ثم إن هناك أمراً آخر وهو أن الناس مختلفة في طبيعتها ومجتمعاتها وألوانها وأشكالها ، فنحن لا نستطيع أن نقولب الناس كلهم بقالب واحد ، فالتعددية هي سمة المخلوقات ، وفيها جمال الأشياء ، ولهذا قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا مَنْ رَحِمَ ربك ولذلك خَلَقَهم )
*الحوارنت : بعد بروزهم في السنوات الأخيرة عبر الفضائيات ، وأدائهم السلس المتميز ، والتفاف قطاعات هائلة من الشباب حولهم.. هل يطرح الدعاة أنفسهم بديلاً عن محاضن الحركات الإسلامية ؟ وهل هناك ضريبة لشهرة الداعية؟ دكتور جاسم المطوع: نحن نؤمن بتكامل الأدوار وتتابعها ، مثل الطفل الذي يبدأ يتعلم المشي ، ثم يدخل في نادي رياضي يتدرب الجري ، ثم يكون محترفاً في السباقات ، وهكذا تكامل الأدوار ينبغي أن يكون بين الدعاة والعاملين في الحقل الإسلامي من خلال الوسائل المتاحة ، سواء كان عبر الظهور بالبرامج الفضائية ، أو مؤسسات أهلية تعلم وتوجه ، أو شركات تدريبية تدرب ، أو مواقع الكترونية تساعد ، أو حركات إسلامية ترشد ، وفوق هذا كله البيت فهو الأساس في التعليم والتربية ، وكل مولود يولد على الفطرة كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم . أما الشهرة والنجومية فلا شك أن لها ضريبةً بكثرة الطلب ، وزحمة الأعمال ، ومتابعة الإعلام ، ولهذا يضيع فيها النجم الذي يدخل مجال الشهرة وليس لديه أولويات يريد تحقيقها ، أو أهداف يعرفها ، وما أنصح به أن يكون للإنسان مشروع يعمل من أجله ، فإذا صار مشهوراً وظّف شهرته من أجل مشروعه الذي يخدم فيه المسلمين ، وهذا ما أشجعه وأنصح به.
*الحوارنت : هل تؤمن بالاختصاص في فروع الدعوة الإسلامية؟ وهل يقف الدكتور جاسم على جانب من جوانب الدعوة ، أم تراه يقدم رؤى شاملة مجملة؟ دكتور جاسم المطوع: نعم ، أنا أشجّع التخصص والاحترافية في أي مجال من مجالات الدعوة ، ونحن في (معهد كرسي النور) وهو مشروع أسستُه لتأهيل القيادات الاجتماعية ندرّب فيه على الاحترافية والمهنية في العمل الاجتماعي ، ولا أؤيد خلط الأوراق والعمل في كل المجالات الدعوية ، وإنما إذا أردنا الإبداع والتميز فلا بد من التخصص والاحترافية ؛ ولهذا نلاحظ أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أعطى توصيفاً لأصحابه ليتميز كل واحد منهم عن الآخر في المجال السلوكي والأخلاقي ، فمثلاً: أبو بكر هو الصدّيق ، وعمر الفاروق ، وأبو عبيدة أمين الأمة ، وخالد سيف الله المسلول ، وهكذا يكون لكل واحد منهم بصمةٌ بتميزه وتفرده ، وهذا ما نحتاجه في العمل الإسلامي والدعوي .
*الحوارنت : مهما تكن المحاور الدعوية والفكرية التي تناولناها معك دكتور ، فلا يمكن لنا أن نمرَّ على الأحداث المهمة التي تمر بها الأمة في هذه المرحلة دون أن نطلب كلمة وافية عن الثورة التونسية والمصرية. دكتور جاسم المطوع: بداية نقول: إنَّ (دوام الحال من المحال) ، ولهذا وصف الله تعالى نفسه أنه (كل يوم هو في شأن) ، وكذلك الحال في حياتنا الشخصية ، وكذلك على مستوى مجتمعاتنا ودولنا ، وكما قال الشافعي رحمه الله : والشمس لو وقفت في الفلك دائمة *** لَملَّها الناسُ من عربٍ ومن عجمِ فالتغيير سنة الحياة ، وهو مطلوب ، على شريطة أن يكون للأفضل وليس للأسوأ ، وإلا لما كان للتغيير فائدة ، ولكن ما لفت نظري في هذا الحدث هو تحرك الشباب فيه والتنادي فيما بينهم ، والوقوف مع بعضهم البعض ، مستخدمين أحدثَ وسائل الاتصال الحديثة ، وتوظيفها لخدمة مجتمعهم وبلدهم ، ناشدين العدالة والنصرة ، كما لفت نظري أن الحركة السلمية ممكن أن تُحدث تغييراً ، وهذه رسالة لشبابنا أن العنف ليس دائماً فيه الفائدة ، ويُقدّر كل ظرف بظرفه ، فنسأل الله تعالى أن يكتب لهم الخير لبلادهم ، وأن يجمع كلمتهم ويوحدها ، حتى يساهموا في نهضة بلدهم . وقد سعدت كثيراً لما رأيتُ الشباب بعد الانتفاضة تجمعوا مرة أخرى في ميدان التحرير ؛ لتنظيفه وغسله وترتيبه وصبغه ، وهذه أخلاق راقية في خدمة بلدهم .
*الحوارنت : د.جاسم ما هي الكلمة التي تحب أن توجهها في ختام هذا اللقاء. دكتور جاسم المطوع: أود أن أشكركم على هذا اللقاء، وأحبُّ أن أُذكر بقانون (هز النخلة) ، والذي أمر الله بها مريم عليها السلام وهي في أضعف حالٍ عند الوضع ، ومع هذا عندما وضعت يدها على النخلة تساقط الرطب ، ونحن مهما كان وضعنا ضعيفاً بين الأمم ، لا ننسَ درس (هز النخلة) ، وأدعو كل واحد منا يبدأ من الآن يهز نخلته ، والنتائج على الله تعالى ، فهو المتكفل بتساقط الرطب.
دكتور جاسم، باسم شبكة الحوارنت أتقدم لك بجزيل الشكر على الوقت الذي منحته لنا مع كثرة مشاغلك وعلى أمل أن نحظى بلقاء حواري آخر في مقبلات الأيام يكون أوسع وأشمل .