تعتبر استقالة أحمد قذاف الدم من أهم الاستقالات في النظام الرسمي الليبي، ليس فقط لكون الرجل يشغل منصبا هاما ومن الأركان الرئيسة في النظام فهو مستشار العقيد معمر القذافى ومبعوثه الخاص ومنسق العلاقات المصرية الليبية، ولكن أيضا لكونها أولى الانشقاقات الواضحة داخل قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها العقيد وابن عمه أحمد قذاف الدم، وهو بمثابة انفراط الحبّة الأولى من سلسلة العائلة الحاكمة في «الجماهيرية»، مما يدل على تحول خطير في موقف الزعيم الليبي من الانتفاضة الشعبية التي قامت ضده منذ 17 فبراير الماضي. يوصف قذاف الدم دائما في أجهزة الإعلام العربية برجل المهمات الصعبة لكثرة إيفاده من قبل القذافي في المهمات ذات الصبغة الخاصة، ويتردد أنه يشرف على حسابات سرية خاصة بالقذافي في مصارف عربية وأوروبية. كما أنه يتنقّل بجواز سفر دبلوماسي بصفته مستشاراً خاصاً، كما يشتهر قذاف الدم بنشاطاته التجارية والاستثمارية التي أقامتها أجهزة القذافي الأمنية.
لجوء سياسي
تحولت الاتهامات التي وجهت لأحمد قذاف الدم، من كونه جاء بمهمة من القذافى للقاهرة للتجنيد مرتزقة ونقلهم للاشتراك في الحرب ضد الشعب الليبي، وكذلك محاولة أقناع قبائل أولاد المنتشرة في مصر بين مرسى مطروح والبحيرة والفيوم للذهاب لإنقاذ القذافى، تحول كل ذلك للنقيض تماما ليعلن قذاف الدم استقالته من أي منصب رسمي ليبي ويعترض على طريقة معالجة النظام الليبي للأزمة، بل ترددت أنباء عن طلبه اللجوء السياسي لمصر وهو ما يوضح الانشقاق الكبير الواقع بين العقيد القذافى وأبن عمه.
وبدا هذا الانشقاق غريبا، خاصة أن قذّاف الدم حظي برعاية الزعيم الليبي منذ الصغر، فالرجل المولود في محافظة البحيرة عام 1952 من أم مصرية وأب ليبي، تدرج في تعليمة المدني في مصر إلى الجامعة قبل أن يأمر القذافى بتحويله لدراسة العلوم العسكرية في الأكاديمية العسكرية الليبية والتي تخرج فيها بداية السبعينيات من القرن الماضي. وبعد تخرجه التحق بسلاح الحرس الجمهوري متجاوزاً أربع رتب عسكرية دفعة واحدة في فترات زمنيّة لا تذكر.
ولعل قرب قذاف الدم الشديد من الزعيم الليبي هو ما جعل ملفه المهني متخما للغاية ولا يتناسب مع سنوات عمره، فقد حاول القذافي توظيفه أكثر من مرة في مهمات ثورية، مثل تعيينه حاكماً عسكرياً لمنطقة طبرق سنة 1984، وأميناً للمكتب الشعبي في السعودية سنة 1985 ومساعداً لشقيقه سيّد قذاف الدم عندما تولّى مهمة الحاكم العسكري للمنطقة الوسطى بعد تصفية إشكال سنة 1986. ولكن سرعان ما كلفه الزعيم الليبي بأعمال أخرى متعلقة بأجهزة الأمن وأعمال الاستخبارات.
كما كُلّف بالعمل ضمن جهاز الاتصال الخارجي وكان بمثابة المبعوث الخاص لمعمّر القذافي، الذي أوكل إليه ملفات سرّيّة، وخصوصاً العلاقة مع الاستخبارات السعودية والأميركية والبريطانية والمصرية والمغربية.
أحمد قذاف الدم قذّاف الدم استطاع أن يجمع الملايين وربما المليارات من وراء علاقته بالزعيم الليبي، وله العديد من المشاريع الاقتصادية والتجارية في ليبيا ومصر ودول عربية وغربية، كما يمتلك حسابات مصرفية عديدة في الخارج (جنيف وباريس ولوزان والقاهرة والرباط). يتحرك في البلاد العربية وفي أوروبا بحذر، وعادة ما يرافقه حرس خاص، وأحياناً يتولّى عناصر استخبارات دول عربية حراسته في بعض العواصم الأوروبية.
أنشأ قذاف الدم عدة مشاريع تجارية واسعة في مصر ولكن لا يوجد معلومات أو تقديرات عن حجم هذه الاستثمارات. علما بان حجم الاستثمارات الليبية في مصر وصلت إلى عشرة مليارات عام 2011م.
ظلت علاقاته بالمسؤولين في نظام القذافي فاترة وتشوبها الحساسية والعداء أحياناً، وخصوصاً تجاه أعضاء بقايا مجلس قيادة الثورة، ويتهمه خصومه بالغرور وبشيء من التكبّر والغطرسة
تصفية المعارضين
اتهم قذاف الدم بالمشاركة بالإشراف على بعض العمليات الإرهابية في الخارج ومنها التخطيط لعمليات التصفية الجسدية لبعض المعارضين الليبيين المقيمين في أوروبا. وعرف عنه علاقاته ببعض الإرهابيين الدوليين من أمثال كارلوس الفنزويللي وويلسون وتربل الأميركيين.
أشرف على عمليات تسليم عناصر من المعارضة الليبية وحاول أكثر من مرة استدراج بعض العناصر القيادية في المعارضة الليبية في الخارج ويبدو أنه نجح في بعض جهوده. وتمكن من تجنيد بعض العناصر المشبوهة التي حسبت على المعارضة في مرحلة ما، ارتبط اسمه بمجموعة مرتزقة في أثينا عام 1985 وكانت تحاول تنفيذ عمليات تصفية بعض المعارضين الليبيين في اليونان.
يحاول منذ أواخر التسعينيات تمديد فترات إقامته خارج البلاد وتفادى الظهور في المناسبات العامة في ليبيا، خاصة بعد العمليات الناجحة التي قام بها بعض الشباب لتصفية عناصر مقربة جدا من القذافي، فيقيم في مصر تقريبا بشكل شبه دائم , وتطاله شائعات كثيرة يمتزج فيها السياسي بالنسائي مثل علاقته مع ملكة جمال الهند سابقا باميلا بوردز، والتي قدمته لوسائل الإعلام وعرف بعدها بشكل واضح حيث أصبح اسما شائعا في الصحف البريطانية في أواخر الثمانينات.