تمرُّ علينا الذكرى الثالثة والستون لنكبة الأمَّة, بضياع القدس واغتصاب فلسطين؛ فالنكبة وإن كانت جغرافيتها أرض فلسطين, إلا أنها تشكِّل نكبةً لكل عربي ومسلم على هذه الأرض, بما تشكِّله فلسطين من رمزيَّة لعقيدة المسلمين, كأرض وقف إسلامي, سالت دماء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترابها, حتى أصبحت فلسطين مقياسًا لعافية الأمَّة جمعاء, فإذا كانت فلسطين تنعم بالسلام وحكم الإسلام, فإن الأمَّة تكون بعافية وسلامة بل تتقدم الركب في قيادة البشريَّة, وإذا اختطفت فلسطين من حضنها الدافئ الآمن, وسيطر عليها الأشرار, كانت الأمَّة كما هي الآن ومنذ سقوط فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني تعيش أسوأ مراحل الضياع والانكسار, ففلسطين بحاجة لأمتها مجتمعة ومتلاحمة وقويَّة, والأمَّة بحاجة لفلسطين محرَّرة وعزيزة تنعم بالحرية, حتى يتكامل مشهد العزة في أمَّة القرآن والجهاد فلا بدَّ من استرداد فلسطين وتحريرها, لتنطلق الأمَّة للبناء والريادة, نحو قيادة البشريَّة التي تجسَّدَت للنبي صلى الله عليه وسلم, عندما تقدَّم لإمامة الأنبياء عليهم السلام, للصلاة في ساحات المسجد الأقصى, وهذه الأمَّة المسلمة على موعد مع الريادة والقيادة بإقامة الخلافة على منهاج النبوَّة, بعد أن تسقط مرحلة الأنظمة الجبريَّة, وها نحن نرى تهاوي أكبر قلاعها في المنطقة, والتي كانت تطبق على حركة الجماهير وتحارب المجاهدين, بل وتشكِّل حلفًا استراتيجيًّا مع أعداء الأمَّة, من أجل الحفاظ على الكيان اللقيط المقام على أرض فلسطين.
في الذكرى الثالثة والستين للنكبة, تتعالى حناجر الغاضبين من قلب القاهرة, الشعب يريد تحرير فلسطين, فلقد سقط حامي الصهيونيَّة اللامبارك, فتقام صلاة الفجر بالملايين في ميادين مصر العروبة والإسلام, فيهتزُّ عرش صهيون الورقي, ويتسلَّل الشعور لدى يهود بدنوّ أجل اقتلاعهم من أرض بيت المقدس, ويتكامل المشهد في كل بلاد المسلمين والتي تواصل إحياء ذكرى النكبة, للتأكيد على حتميَّة العودة في أقرب فرصة, ولعلَّ الرسالة قويَّة في الحشد الجماهيري الهادر المتوجِّه لحدود فلسطين مع مصر ولبنان والأردن وسوريا, فالعودة إلى فلسطين تحتاج إلى اقتلاع كل الحصون العميلة المحيطة بفلسطين, وإزالة الأسلاك الشائكة المنزرعة حولها لحماية الصهاينة, والتي تحول بين الأمَّة وتحقيق إرادتها بالنصر والتحرير على أرض فلسطين.
فكما قلنا أن نكبة فلسطين هي نكبة لكل مسلم, فإن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتمَّ إلا من خلال وحدة الأمَّة وتضافر جهودها, فالشعب الفلسطيني بمقاومته منذ النكبة كانت مهمته إبقاء جذوة الصراع مشتعلة, بالعمل على ديمومة صورة فلسطينالمحتلة في كل مشهد, حتى تتحرك الأمَّة في موعد يريده الله عز وجل, لتبدأ الملحمة التحريريَّة لطرد الصهاينة من أرض فلسطين. فلقد شكَّلت الأنظمة القمعيَّة العميلة, وعلى رأسها النظام المصري المخلوع, أكبر عائق لمسيرة الجهاد والمقاومة, بل شكَّل عامل هدم وإعاقة, لكل مقومات النهوض للأمة جمعاء نحو تقديم واجبها لفلسطين وأهلها, فلقد بلغ تنسيق النظام المصري المخلوع مع الكيان الصهيوني أن قام بالوكالة عن الصهاينة بضرب المجاهدين واعتقالهم وتعذيبهم في سجونه سيئة الصيت, بل والمشاركة في حصار قطاع غزة, وملاحقة كل مناصر لأهلها, والعمل على ضرب جهود كسر الحصار العربيَّة والدوليَّة, حتى ضاق الشعب المصري نفسه من أفعال النظام العميل, ولعلَّ من أكبر الأسباب للثورة المصريَّة هو عداء النظام المصري المخلوع للقضيَّة الفلسطينيَّة والتآمر والمشاركة في الحرب على قطاع غزة. تأتي الذكرى الثالثة والستون للنكبة مع تصاعد الثورات العربيَّة في كلِّ عواصم الظلم والاستبداد والقمع, والتي تشكِّل إزاحة حاجز كبير نحو إرباك العدو الصهيوني, وزلزلة كيانه في الطريق لإزالته وطرد المحتلين, ولما كانت الثورات تقودها جماهير الأمَّة فإن خطاب الثورة يلتزم بخطاب الأمَّة نحو القيام بالواجب تجاه القضيَّة الفلسطينيَّة, لإزالة أثر النكبة ومساعدة الشعب الفلسطيني على استعادة وطنه وتحرير المقدَّسات. تأتي الذكرى الثالثة والستون لنكبة ضياع فلسطين وقد اشتعلت الثورات العربيَّة, وتحرَّر الشباب العربي من قيد الخوف وسياج البطش, الذي كان يمنع من مجرد إبداء الشعور بالتعاطف مع فلسطين وأهلها, ليسطع الحلم وتتكامل الأطروحة الثوريَّة, هذه الأمَّة تتشكل من جديد على هيئة جيش التحرير, القادم نحو فلسطين, فالشعب يريد -من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والأردن والخليج والمغرب العربي وباكستان وإندونيسيا وفي كل بلاد المسلمين- تحرير فلسطين, كما تأتي ذكرى النكبة وقد انتهى الانقسام وانعقدت المصالحة بين الفلسطينيين فتوحَّدوا وهذا فرض عليهم وهم يواجهون الاحتلال ومخططاته الخبيثة لاستهداف كل ما هو فلسطيني على هذه الأرض المباركة. فهل تشكِّل هذه الذكرى الثالثة والستون للنكبة, بداية المشوار نحو إنهاء الاحتلال وإزالة آثار النكبة على وجه فلسطين النديِّ, فلقد انتفضت الأمَّة وأطاحت بحلفاء الصهاينة, وكما أن اللحمة والوحدة عادت بين الفلسطينيين, لينصهر الحال الفلسطيني مع واقع الأمَّة الذي يتبلور شعاره الاتحاد والوحدة, من أجل تطهير البلاد من الصهاينة, وأرباب السوابق واللصوص, ودعاة الفتنة والفجور, وما ذلك على الله بعزيز.