حدّث رجل من جنوب الأرض قال: كنّا نشُدّ الرحال لطلب العُلومْ،، حتّى بلغْنا بلدةَ يُقال لها سدومْ. بها شيخٌ يُدرّس البلاغة،، وحسن النظم والصياغة. فوجدنا محلَّه أشبهَ بالخاوي.. إلاّ من عجوز والرّاوي. سلّمنا فردّ السلامْ،، وسألناهُ عن أبي تمّام. فهزّ عقيرته بصوت شجيّْ،، وعينه تهمي على خدّه النّديّ. يا زهرةَ اللوز في العينين أحفظها، ولا أنام لأنّ الجفن يؤذيها. وشُعلة النّار أخشى اللمسَ يطفؤها، وأخشى أن تُحرِقَ الدنيا وما فيها. فأيقنّا بأمرٍ جلَلْ،، وقلنا مات وارتحلْ. وامتلأت مناّ العيونْ،، وقلنا إنّا إليه راجعونْ. فقال: أرى أنكما ما عرفتما من قبلُ مدينتنا.. ولا علمتم مصيبتنا؟. فأيّدنا مقالهُ بالإشارة،، وانتظرنا تبيان الخبَرِ وإظهارِهْ. فنظر إلى العجوز نظرة من يطلُبُ المعونة،، فنطقت دونه،، " كان علينا ملِكٌ مُستبدّْ،، أهلك الحرْثَ وشرّد الولدْ. فأجمع القومُ على العصيانْ،، وقيل لا خيرَ في أُمّةٍ تُهانْ. فقَتل منّا جمعاً عديداَ،، وسقانا من العذاباتِ شِرْباً صديداَ. وكان أبو تمّام يشحنُ العزائمْ،، ويقول لا فرق بين الأذلّةِ والبهائم. ويُنشدُ: هلاّ انتفضتِ يا سدومْ؟ لتَكْنُسِي هذا الغشومْ. وانتصر السّاعِدُ الأعزلُ على ذي السّيْفْ،، وقُلنا ذهب الطاغيةُ والحيفْ. فما راعنا إلا خلافٌ بين حيٍّ وحيّْ،، كلٌّ يطلبُ القصْرَ والكلأَ والرَّيْ. ونسوا حُلفاءَ الملكِ بهم يتربّصون،، بكلّ سيفٍ مهنّدٍ ورُمحٍ مسْنونْ. وكادوا يُجرّدوا السيوفْ،، ويردوا الحتوفْ. فقال أبو تمّامْ،، على رِسْلكمْ أيُّها الكرامْ. خذوا من كلّ حيٍّ غُلاما فتِيّا،، ويكونُ حُكمُكم جماعيّا. وذاك خيْرٌ من الأمْرِ والطّاعَهْ،، ولا تُجْمِعُ على خطإٍ جمَاعهْ. فقام أبو أُبيّْ،، ودعا أبناء أختِه من كلّ حيّْ. وقام أبو الوليدْ،، وقال ما هذا الرأيُ عنْدي بسديدْ. وبقوا في شقاقْ،، وسيوفُ الأعداءِ على الأعناقْ. لا يسمعون نُصْحاً،، ولا يلتمسون نُجحاً. فأسرج أبو تمّام فرسهُ البلْقاءْ،، وقال ما عاد لي بينكم من بقاءْ. أنا لسْتُ تيْسًا بائسًا حتّى أُقيمَ مع القطيع. فتذكروني يوم بؤسٍ سالبا عِزَّ الجميعِ وفاضت روحه سدى. المصدر جريدة الفجر العدد 7 الجمعة 20 ماي 2011 قريبا جريدة الفجر على الأنترنت !!!