تعلّمت من أستاذة اللغة الدّنماركيّة أن لا نسمّي العنصريّ المتطرّف عنصريّا متطرّفا ولكن أن نصفه بأنّه ذو وطنيّة متعاظمة، وقد قرأت البارحة رسالة مفتوحة لسورين بين (Søren Pind)، فرأيتُه ذا وطنيّة كثيرة التعاظم!...
كتب "سورين بين" رسالته المعنونة ب"العزيزة فاطمة" ووجّهها إلى المرأة المسلمة الوافدة على الدّنمارك، ما جعلني - بوصفي لاجئا مسلما قد عُنيت زوجته أو ابنته بما جاء في الرّسالة – أجد نفسي مضطرّا إلى الردّ عليه... وسوف أحاول – وإن بصعوبة - عدم الرّضوخ أو الاستجابة للحالة التي وضعتني فيها هذه الرّسالة، إذ ما من مسلم يقرؤها إلاّ ويحسّ بأنّه قد طعن في أشرف ما يملك من قيم!... سوف أتخيّر من المفردات ما يحميني من غضبٍ محتملٍ للوزير أو ممّن يسنده من المجتهدين في سياسة التفرقة العنصريّة في الدّنمارك أو لنقل - أخذا بالنّصيحة - ممّن تعاظمت عندهم "الوطنيّة"، فلا أصف ما جاء في الرّسالة مثلا بانعدام الحياء أو بقلّته كما لا أصف بعض ألفاظها بالسوقيّة التي يكثر استعمالها عند أطفال الشوارع المعاقين... ولكنّي سوف أناقش ما جاء فيها من تهجّمات على المرأة المسلمة بل على الجالية المسلمة في الدّنمارك بكلّ هدوء أو بهدوء نسبي!... ف"سورين بين" اختار فاطمة المسلمة ولم يختر غولدا اليهوديّة مثلا أو غيرها من المجموعات الأخرى لاقتناعه ربّما أنّ الذين مُنِعوا الدعم في هذه البلاد وفي غيرها من البلاد إنّما هم المسلمون؛ فركبهم كما ركبهم غيرُه من اللئام...، فردود أفعالهم منعدمة أو هي لا ترقى إلى ردود أفعال الساميين عنده ممّن لا يجرؤ حتّى على المرور بساحاتهم... و"سورين بين" - وهو يحكي عن القيم الدّنماركيّة – يُنسيه كبرياؤه ونفوذُه وسلطتُه أنّ للنّاس أيضا – وإن استجاروا به - قيما ومبادئ يموتون من أجل الدّفاع عنها، وأنّها (القيم) هي التي أخرجتهم من بلدانهم وألجأتهم إليه كي يسمعوا منه قيء أفكاره وسيّئ ألفاظه كما في نصيحته ل"فاطمة" بأن تتسلّح بالعازل (مانع الحمل) لتكون باستمرار على استعداد وأهبة للعلاقات الجنسيّة المتعدّدة بعد أن نصحها بالتخلّي عن طاعة زوجها وعن لباسها الطويل الساتر... وهو إذ يفعل ذلك يغفل حتّى عن احترام أمّه وأخته، فإنّي لا أحسب أنّ المرأة الدّنماركيّة قد بلغت هذا المستوى المنحطّ من التهالك والفوضى التي لا تجلها تتنقل من مكان إلى آخر إلاّ والواقي بحقيبتها، وهي تبحث عمّن يفوق زوجها حسنا كي ترتمي بين يديه تتبضّع منه!... فقد عرفت عائلات دانماركيّة تُعدّ مثالا في الإخلاص والإنسانيّة كهذه الجارة السابقة الطيّبة التي حنت على زوجها الذي شُلّ أكثر من ستّ عشرة سنة، وغيرها من الصور كثير!... وإذ يذكّر "سورين بين" فاطمة بأنّ أهمّ شيء في الدّنمارك هو أن يكون المرء إنسانا فإنّه يتخلّى هو عن هذه الخاصّية فيسمح لنفسه باتّهام غيره من المسلمين بعدم الإنسانيّة، ولو دقّق النّظر في نفسه لعلم عن نفسه أشياء كثيرة كلّها تخرجها من دائرة الإنسان المستقيم!...
قد لا أشكّ أنا في حبّ "سورين بين" للدّنمارك ولكن بالمقابل قد لا يشكّ هو – إن تواضع - في صوابيّة رأيي القائل بأنّ تعبيره عن هذا الحبّ كان مسيئا جدّا للدّنمارك لا سيّما وهو يحتلّ مركزا اجتماعيّا مهمّا قد يجعل كلّ تصرّفاته ومواقفه تُحسب على سيادة الدّنمارك فتبدو للنّاس معتلّة ناقصة القيمة!... "سورن بين" لم يكن كذلك ذكيّا في استهواء فاطمة، فقد ذكّرها في نهاية رسالته أنّه لا ينتظر منها مناقشة ما شرح لها وقدّم، بل عليها فقط أن تقبل بشروطه للعيش في الدّنمارك أو الرّجوع من حيث جاءت إلى بلدها الأصلي، فإنّ بالدّنمارك ثلاثيا لا يخضع للنّقاش: الديمقراطيّة وحرّية التعبير والمساواة بين الجنسين... ثلاثي – لو فقهه – "سورين بين" الوزير المسلّط على "الأجانب الفقراء" أمثالنا، لعلم أنّه قد خالفه بامتياز؛ فما كان ديمقراطيّا مراعيا لحقوق الأقلّيات في الدّنمارك الديمقراطي. وما كان فاهما لحرّية التعبير؛ مرّة بالإسفاف في التعبير ومرّة بمنع فاطمة من التعبير. وما كان وقّافا عند المساواة بين الجنسين؛ إذ لو فعل ذلك لما تهجّم على فاطمة بهذا الشكل البربري ولحاول بدل ذلك الكلام مع رجال فاطمة من المسلمين، فإنّ المسلمين – وكذلك الدنماركيين الأصليين وغيرهم من الشعوب – يشكّكون كثيرا في رجولة الرّجل الذي يتوجّه بالخطاب إلى المرأة يقرّعها في حضرة زوجها أو أقاربها أو خاصّتها!...
أحسب أنّ هذا الردّ على الوزير غير كاف البتّة، فقد كان ينبغي التظلّم لدى المحاكم الدّنماركية للضرر الذي طالني كمسلم جعل من الدّنمارك بلده الثاني، غير أنّي أرغب في أن تكون هذه الصيحة مسموعة من أهل الحلّ والعقد في الدّنمارك (حبّذا لو وجد هذا النصّ مترجما محيطا باللغة بليغا يترجمه إلى الدنماركية). ولعلّ التفكير في مصلحة البلاد يجعل الضرورة ماسّة إلى مراجعة سياسات الحكومة الدّنماركية التي بعثت جيوشها ورجالاتها إلى العراق وأفغانستان تعلّم النّاس الديمقراطيّة والإنسانيّة وتركتنا نحن اللاجئين إليها عرضة لتهديدات هذا الوزير اللآإنسانيّة!...
كتبها عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 25 ماي 2011
مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=18307&t=ردّ على "العزيزة فاطمة" لوزير الدمج&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"