زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    أبطال أوروبا: دورتموند الأكثر تمثيلا في التشكيلة المثالية لنصف النهائي    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    كأس تونس: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ثمن النهائي    عاجل/ حادثة اعتداء امرأة على طفليها: معطيات جديدة وصادمة..    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    حماية الثروة الفلاحية والغابية من الحرائق في قابس....و هذه الخطة    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    قفصة: المصادقة على بعث موارد رزق لفائدة 22 عائلة    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    الزغواني: تسجيل 25 حالة تقتيل نساء في تونس خلال سنة 2023    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    في وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي.. "تونس لن تكون مصيدة للمهاجرين الأفارقة"    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    العالم الهولندي المثير للجدل ينفجر غضباً..وهذا هو السبب..!!    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    سالفيني عن ماكرون بعد اقتراحه إرسال جنود إلى أوكرانيا: "يحتاج إلى علاج"    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    أعوان الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية يهددون بالإضراب    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    رابطة أبطال أوروبا: بوروسيا دورتموند يتأهل للنهائي على حساب باريس سان جيرمان    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدارس فلسفية غربية ج1 المدرسة التحليلية : رسل
نشر في الحوار نت يوم 04 - 10 - 2011


المدرسة التحليلية :
1.1 برتراند رسل :
أ- حياته:
هو شيخ الفلاسفة فقد عاش ما يناهز القرن من الزمن، عرف بشمولية اهتماماته والقضايا التي أدلى فيها بدلوه
ولد عام 1872 وتوفي عام 1970، من أسرة أرستقراطية ، أبوه في العماد الفيلسوف الانجليزي الكبير "جون ستيوارت مل ".
عاش يتيما وكفلته جدته التي عرف عنها الصرامة في كل ما يتعلق بالأخلاق، تلقى تعليما خاصا.في عام 1890 تلقى منحة لتعلم الرياضيات في كامبريدج عرف بتميزه وما لبث أن تحول إلى من الرياضيات إلى الفلسفة ، وتألق فيها . نشر أول بحث له عام 1896 بعنوان " عن الديمقراطية الاجتماعية الألمانية". عمل زميلا بكلية ترينيتي ثم محاضرا في الفلسفة إلى سنة 1916 ، ورث عن جده اللورد جون رسل إهتمامه بالسياسة فتقدم للأنتخابات الفرعية في ويمبلدون مرشحا عن الأتحاد القومي لجمعيات النساء المطالبات بحق الأنتخاب ولكنه أخفق. لما نشبت الحرب العالمية الأولى كان من دعاة السلام ففصلته كلية ترينتي وقضت المحكمة بتغريمه لأنه أصدر كتابا في هذا الشأن.وحوكم ثانية في 1918 بتهمة التشهير بالحكومة البريطانية وسجن ستة أشهر ألف فيها كتابه : " مدخل إلى الفلسفة الرياضية" وشرع في تأليف كتابه" تحليل العقل"
وعقب سنوات الحرب عمل في بيكين أستاذا زائرا وتأثر بالحضارة الصينية القديمة وزار روسيا وانجابت عن عينيه الغشاوة بالنسبة لنتائج الثورة التي رضي مبادئها بادي الرأي. أستقال في عام 1919 من التدريس بعد دعوة كلية ترينتي وفشل مرتين في الأنتخابات مرشحا عن حزب العمل.
في عام 1924 بدأ رحلاته إلى الولايات المتحدة وألقى في جامعة هارفارد محاضرات.وفي عام 1927أسس مدرسة تقدمية " بيكون هيل" وهناك أوضع نظرياته التربوية الأخلاقية.وفي 1940 ونظرا للتعصب الديني والأجتماعي قضت كلية نيويورك سيتي بفصله فعمل محاضرا بمؤسسة بارنز في فيلادلفيا وفصل منها وعاد في 1944 إلى كلية ترينتي زميلا.حبذ لمدة من الزمن استخدام القنبلة الذرية ردعا للإتحاد السوفياتي ثم صار عدوا لاستخدام السلاح النووي. بل وقضى سنة 1961 وعمره تسعا وثمانين أسبوعا في السجن بتهمة العصيان المدني.
تزوج اربع مرات له أبناء ثلاثة من زيجاته ، منح ألقابا اكاديمية : كنوط الأستحقاق، كما فاز بجائزة نوبل في الأدب عام 1952 عن كتاب : " الزواج والاخلاقيات "
في أعوامه الأخيرة أهتم بالمسائل الاجتماعية وشارك مع جان بول سارتر في محاكمة مجرمي الحرب في الولايات المتحدة.
أعماله الفكرية تربو عن الستين منها " عرض نقدي لفلسفة ليبنيتس " و"مشكلات فلسفية" و"السلطة والفرد " وألف سيرة ذاتية في 1967

ب- المؤثرات الشخصية لرسل :
يقول : تحكمت في حياتي إنفعالات ثلاثة ذكرها في سيرته الذاتية : "الحنين إلى الحب ، والبحث عن المعرفة والأشفاق على الذين يقاسون ..."
فالحب يجلب النشوة ، نشوة ساعات قد يضحي من اجلها الأنسان بحياته حتى يحوزها ولأنه يخفف وحدة الفوعي الراجف الواقف على حافة هوة سحيقة باردة كما قال كما تلمس هذا الحب لدى الربانيين في عشقهم للفردوس
أما المعرفة فأراد استكناه قلوب الناس ومعرفة لم النجوم تضيء والتعرف على القوة التي قال بها فيثاقورس المتحكمة في فيض الكائنات ولكنه يبوح بأنه لم يحقق الكثير
أدت المعرفة والحب به إلى التسامي إلى عنان السماء ولكن عاطفة الأشفاق كانت تعيده إلى الأرض ثانية يشفق على المساكين ويريد ان يخفف عنهم وطاة الشر ولكنه لا يستطيع لانه يعاني هو منه أيضا
ويمكن ان نلمس دافعا رابعا نلمسه في مقاله لم تعلقت بالفلسفة : المعرفة اليقينية واشباع نزعاته الدينية.
ج- المراحل الفلسفية :
وقد مرت بثلاث محطات :المحطة الأولى هي النزعة المثالية تأثرا بماك تاجارت أما المحطة الثانية فالتحول الى الرياضيات والمنطق طلبا لليقين ومن ثمة مر في المرحلة الثالثة إلى محاولة تطبيق المنطق الرياضي على المسائل المستعصية على الفلاسفة

1-2 الفلسفة عند رسل :
هو من اكبر دعاة الفلسفة العلمية وإمام التحليل المنطقي. الفلسفة عند رسل تتجول في منطقة بين العلم والدين تشبه الدين من حيث هي تأملات غير يقينية وتخاطب العقل حين تسعى إلى الإقناع دون الإرغام والإكراه بمستوياته. فكانت عرضة لسهام رجال الدين ورجال العلم على السواء.
والفلسفة لا تنفصل عن المنهج العلمي ومن لم يتدرب على هذا المنهج يخفق في أنجاز عمل كامل.
أن الفلسفة مع ذلك تفسد ان جافت العلم او استغرقت فيه. فعلي كليهما أن يعرف حدوده
فاعتمد التحليلات المنطقية للوصول إلى نتائجه "العلمية" والتي على ضوئها يمكن لمن بعده أن يبني عليها لتصير بذلك الفلسفة صرحا جماعيا لا عملا فرديا.
ومنهجه يقوم على البدء بتحليل جزئية غامضة محيرة متدرجا في التعمق فيها كما يتدرج صاحب التحليل المخبري فينتقل من الرؤية المجردة إلى الرؤية المجهرية فيرى من الجزئيات والدقائق ما كان خافيا في البداية
1-3- فلسفة رسل :
أ‌- المجال الفلسفي الخالص :
كان مهتما في بداية حياته بالرياضيات ، لكنه كان شاكا في يقينيتها فلم يقبل من أخيه الذي كان يعلمه الهندسية الإقليدية آنذاك قوله أن ثمة بديهيات عليه أن يسلم بها. ثم انصرف نهائيا عن الرياضيات التي لم تشف غليله إلى الفلسفة وشبه هذا الأنتقال بالانتقال من النفق إلى الواد المزدهر الفسيح.
ثم ولع رسل بهيجل- تحت تأثير صديقه ماك تاجرت- وفلسفته المثالية ثم عزف عنها لغموضها ونأيها عن الرياضيات لينتقل إلى مثالية أفلاطونية معدلة مشبعة بالتصوف والتي بدورها لم ترقه فانصرف عنها مشيحا بوجهه عن المثالية جملة ليشق طريقه بسرعة إلى المذهب الواقعي مقاوما مع صديقه مور المدرسة المثالية بعد تأمله الطويل في الرياضيات
أن السبب في هذا الانقلاب الفلسفي لدى رسل يعود يعزى إلى تأثره بأعمال الرياضي بيانو فكتب "كتاب الرياضيات" ثم في كتاب " المبادئ الرياضية "
وأراد رسل بعد أعراضه عن المثالية المزاوجة بين المنطق والرياضة فاعتبر المنطق شباب الرياضة والرياضة رجولة أو كهولة المنطق ، وعد المنطق الرياضي هو المقياس الذي به نحدد المشكلات القابلة للحل والمشكلات الوهمية.
ثم انتقل "رسل" متسلحا بمنطقه إلى مجال فلسفي خالص هو نظرية المعرفة فميز في كتابه مشكلات فلسفية بين معرفة بالوصف ومعرفة بالأتصال المباشر.
فالتجربة تتأسس على المعرفة بالأتصال المباشر ووجود هذه الأشياء التي لا يعتريها الشك : كالمعطيات الحسية والصور الذهنية الخاصة بالفرد المدرك وأفكاره ومشاعره الخاصة في كل من الماضي والحاضر. أما المعرفة بالوصف فتتناول وجود الأشياء التي تحتمل الشك. ويبدو تأثر "رسل" جليا بكل من لوك ومل وهيوم
يمكن ان نطلق على منهج رسل منهج الأقتصاد في الفكر ويصد بذلك " الامتناع عن تعديد الكائنات أكثر مما تدعو إليه الضرورة فالقول بالجوهر الشيئي لغو باطل هو وما يتضمنه من حديث عن كيانات : الشيء والجوهر والمادة .
طبق منطق الأقتصاد في الفكر أو الأختزال ترد الأشياء المادية إلى تركيبات منطقية مستمدة من معطيات الحس.
لذا ففي كتابه تحليل العقل إقترب رسل من مذهب الواحدية المحايدة لصاحبه وليم جيمس.
فالعقل والمادة من أصل واحد هو معطيات الحس التي لا هي عقلية ولا مادية، هذه المعطيات حين تترابط تبعا لقوانين الفيزياء تكون الأشياء المادية وحين تترابط تبعا للقوانين علم النفس تساعد على تكوين العقول.
كما تأثر رسل بتجنشين صاحب نظرية : "الذرية المنطقية "
ويمكن تلخيص هذا المذهب كالآتي فالعالم مؤلف في الأخير من وقائع ذرية تقابل قضايا أولية هي بمثابة الصور الفوتوغرافية لها.فالعالم حسب هذه النظرية كثرة من الأشياء معارضة قول المثاليين أنه كل واحد متسق.
لكن هذه الذرية منطقية لأن الذرات تنتهي إلى ذرات عقلية وليست طبيعية مادية.
كما تلعب المنظورات في نظرة رسل المعرفية دورا هاما فكل مدرك يحيى في عالمه الخاص ويدرك العالم من خلال تلك الخصوصية وكل منظور منغلق على نفسه هو كالذرات الروحية عند ليبنيتس بلا نوافذ ولا أبواب تطل على الخارج
يمكن ان نلخص نظرية رسل في المعرفة على أنها محاولة عبور الهوة من عالم الإدراك الحسي إلى عالم الفيزياء والرياضة التي يتجه إليه دائما.
فالأدراكات الحسية مواد يتألف منها العالم الفزيائي أو حوادث متعاقبة في الزمان والمكان. وهو ما يوافق الآراء الحديثة القائلة بأن الاشياء صارت إشعاعات كهربائية أو سلسلة من الحوادث كما يقول هايزنبرج وشريدنجر
وتشابه هذه النظرية نظرية الواحدية المحايدة القائلة بأن العقل والمادة ليسا مختلفين بل مشتقان من هيولى محايدة كما ذكرنا لا هي عقل ولا مادة ولكن اجزاءها حسب ارتباطها إما ان تجنح إلى العقل او إلى المادة. ومن هنا تختفي فكرة الثنائية وما وراء العالم إلا مادة واحدة تشتمل علىالمادة والعقل معا دون أن تنتسب إلى أحدهما. هذه النقطة المركزية في فكر رسل ونقطة تقاطع الخطوط الفكرية لنظريته.
لذا قال : "أن المادة أقل مادية والذهن أقل ذهنية مما يظن عادة "
ويجسد لنا رسل هذا المذهب فيقول : أن تصورنا للذرة على انها كرة خاطئ بل هي اشبه ما تكون بشحنة كهربائية او خلية من النحل لا تستقر أو كأنها نغمة موسيقية مؤلفة من سلسلة نبرات متصلة متعاقبة في الزمن.
فالذرة سلسلة من الحوادث وخيط هذه السلسلة حقيقتها.فإذا كانت الرابطة في نبرات النغم الوحدة الجمالية فالرابطة في حوادث الذرة الوحدة السببية" .
اما نظرة رسل للأنسان فهذا الكائن ينتمي إلى عالم النفس لا العالم الفيزيائي كالذرة
في كتابه تحليل العقل يمزج رسل بين الأتجاه اللامادي في علم الطبيعة والأتجاه المادي السلوكي في الأنسان
ففي الأنسان جانب سلوكي ظاهري يدرك بالملاحظة الخارجية وجانب نفسي لا يدرك إلا بالملاحظة الباطنية.ولكن رسل يعتقد ان حقائق الطبيعة كحقائق النفس تدرك في الواقع بالملاحظة الباطنية فعندما تقول : "أرى الشمس " تتحدث عن عملية أدراكية حدثت في باطن النفس.فالمذهب السلوكي لا يكفي لتفسير ظواهر ذهنية أو عقلية : كاحلام اليقظة وأحلام النوم والخيال والذاكرة والعاطفة والرغبة. فهذه الظواهر تحتاج إلى الملاحظة الباطنية.

ب‌- المجال التربوي والسياسي والأجتماعي :
أ‌- التربية
تعد أسهامات رسل في هذا المجال أقل قيمة من اسهاماته في المجال الأول.لكنه بها أحرز شهرة خارج حدود بلاده لوقوفه في صف المدافعين عن حرية الانسان وكرامته.
إن القضايا المحورية التي تدور حولها آراء رسل هي مشكلات : الحرية والعدل والسلام.
ولشدة مناصرته لهذه القضايا أتهم بالفوضوية ودفع ثمن مقاومته بالطرد من التدريس أو من الترشح إلى البرلمان.
ان النظام الأجتماعي كثيرا ما يكون مؤامرة على الفرد فالمجتمع من اجل السيطرة على الفرد يسعى ألى قولبة الفرد فيما يمكن أن نسميه : المسايرة أو المماثلة comformisme
فيستغل المجتمع الطفولة الفرد العاجزة عن حماية لنفسها لترسيخ نمط معين وفق منهج وبرنامج يهدف على تكوّن " المواطن الصالح" .
فتقتل كل المواهب والأبداعات على مذبح التجانس لصالح الدولة ورجال الدين لأن المواطن الذي ينشأ على الثورة لن يحترم الاوضاع القائمة . والحال ان احترام القوانين غاية التربية.
التاريخ أثبت أن أصلاح البشرية لا يكون إلا على يد مصلحين لم يعترفوا بالأوضاع القائمة.
فالسؤال إذا أنربي الطفل ليكون فردا أم مواطنا ؟ أذا كان لا مناص للفرد من العيش في المجتمع وتحقيق مصلحته تعاد صياغة السؤال كالآتي :
كيف نصنع فردا مواطنا في الآن معا ؟
لابد للأجابة عن هذا السؤال من فلسفة اخلاقية ومن الاعتراف بالخير والشر في النفس الأنسانية
فيرى رسل أن الخير والشر متفرعان عن الرغبات الفطرية
فالخير هو احداث التوازن بين الرغبات المتضاربة والتنسيق بينها عبر الأدراك الفطري فبين أدراك السعادة بتوسيع المعرفة وبين أدراكها بتناول مخدر يسارع الأدراك الفطري بالحكم للسبيل الأولى.
كذلك الخير في المجتمع يقوم على تنسيق الرغبات المتضاربة فالمبدأ الأخلاقي الاسمى هو : أعمل على تنسيق رغبات الأفراد هو أفضل من العمل الذي يؤدي إلى تنافر بينها.
وكي يتحقق هذا المبدأ يحتاج وسيلتين :
الأولى : أنشاء نظم أجتماعية للتنسيق بين رغبات الأفراد كي لا تتنافر وهي مسؤولية السياسة والأقتصاد
الثانية : تربية الأفراد تربية تحملهم في اتجاه وجهة لا ينتج عنها تضارب مع رغبات الآخرين وهي مسؤولية التربويين.
أما القيم التي نضعها نصب أعيننا فهي قيم الخير والجمال التي نختارها من تلقاء أنفسنا دون أن يكون لأحد سلطان علينا في ذلك
إن الأنسان لما كان مؤلفا من وجدان وعقل وإرادة فأن الفارق بين أنسان وأنسان يكمن في الأرادة التي بها نريد التشبه بالله عز وجل الذي إن أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. وبلوغ هذا المقام محال لأن الأنسان لا يعيش وحده . فعلينا التوفيق بين الأرادة المطلقة والأرادة المقيدة ولا تقيد الحرية إلا للضرورة.
ب‌- السلام :
انشأ مؤسسة السلام التي قادت المظاهرات ضد التسلح النووي. ووقوفه القوي ضد مجرمي الحرب الفيتنامية يرسم أنصع صورة لهذا الفيلسوف ولمؤسسته
آمن رسل بوحدة الجنس البشري ويرى أن الشرور تنبع من التفرقة والتعصب ويرى بوجوب الاهتداء بالقيم في مجال السياسة الدولية مقابل ازدياد تحكم العلم ووسائل الأعلام لتجنب حروب لا تبقي ولا تذر. فالعالم يحتاج إلى امل خلاق يقوم على أساس عقلي يحرر الأنسان من الكدح المرهق ومن العواطف البغيضة : الخوف والشك والكراهية واحلال الروح العالمية التي لن تنقض الروح القومية بل ستنضاف إليها. كما تنضاف الروح الوطنية للروح الأسرية.
أن نوع الحب للقومية هو الذي يجب ان نحدث فيه تغييرا فلا يكون تحقيق مصلحة القومية على حساب الآخرين بل يجب ان تكون الاشياء المساهمة في بناء القومية سببا لرخاء العالم.
فلا حياة للعالم تحت ظل الحقد بل حياته بالأمل واعمال الحب.
ولن يتحقق هذا إلا أذا سلمت القوة المسلحة لهيئة واحدة ممثلة في الأمم المتحدة التي يجب أن تتحول إلى حكومة عالمية هي المخولة وحدها لحل النزاعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.