( النرويج) إن ما تقذف به بعض صفحات شبكات التواصل الاجتماعي من عبارات و أصناف من التعليقات، يُشير إلى درجات مرتفعة من "الحقد" المتبادل بين "تُبّع الساسة". و هذا يعكس تردّي الحالة "الخُلقية" في المجتمع التونسي الحديث. و هذه الظاهرة تنتشر بين جميع أصناف الشعب التونسي و للأسف الشديد هي أكثر انتشارا بين "مُدّعي" الثقافة و الفكر و السياسة. " فالتديّن المغشوش" و "التسيّس المغشوش" هما وجهان لعملة واحدة. فكما أفسدوا علينا مجال السياسة بأن حوّلوه إلى "أوكار" تتتج المؤامرات و الكيد و الحقد، فهم "يجرّون" الدين ليوقعوه في مستنقع "الوحل السياسي النتن". ربما أجد هنا مبررا لمقولة الامام محمد عبده بلعن السياسة و أستعير مقولة ماركس بأن أصبحت "السياسة أفيون الشعوب".و قالوا " لا دين في السياسة و لا سياسة في الدين" و هو قول منكر بتعبير عصمت سيف الدولة "و هو ما يفعله المنافقون الذين يناقضون الإسلام باسم العروبة"(سيف الدولة، عصمت:عن العروبة و الاسلام،تونس:دار البراق، 1988، ص 202). و قد أوضح طه عبدالرحمن أمهات الأفكار حول ظاهرة الاختلاف في كتابه (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي) و أجملها في: 1. أن بنية الكلام أصلا بنية حوارية و أن بنية الحوار أصلا بنية اختلاف، لا بنية اتفاق. 2. أن الاختلاف في الرأي لا يسوّي بالعنف، و إنما يسوّى بالحوار، و لا هو أيضا يؤول إلى الخلاف، و إنما يؤول إلى الوفاق، و لا هو أخيرا يتسبّب في الفرقة، و إنما يتسبّب في الألفة. 3. أن الاختلاف في الرأي يتقيّد في سياق الحواربضوابط منهجية و منطقية محدّدة تَصرِف عنه المهلكات الثلاث:"العنف" و "الخلاف" و "الفرقة". 4. أن وجود الاختلاف في الآراء لا يضر أبدا وجود الجماعة الواحدة، بل يكون خبر مثبِّت لهذا الوجود،و ذلك لقدرته على تحريك سكون الجماعة و تقليب أطوارها و بالتالي تجديد الشعور بالمسؤولية المشتركة عند أفرادها.( عبدالرحمن،طه:الحق العربي في الاختلاف الفلسفي،بيروت:المركز الثقافي العربي،ط2،2009 ) هذه الرؤية العميقة للاختلاف ينقضها الواقع السياسي العربي اليوم. ف"المتخاصمون" السياسيون يرسمون حدود الاختلاف السياسي على أسس أربعة مغايرة : 1. الاختلاف خلاف و حقد أعمى 2. الاختلاف يسوّى ب"أقذر" السِّباب و "أنكر" و "أمكر" الوسائل 3. الاختلاف مطلق العنان لا يتقيد لا بمنطق و لا عقل 4. الاختلاف فرقة و تشرذم
فالاختلاف في عُرف "السياسي المغشوش" اليوم هو بذل الحيل و خرق النُظم و السقوط القيمي من أجل تحقيق هدف "نفي وجود الآخر". و السياسة في تحديده هي " حكم الآنا" و "نفي الآخر". و بالتالي يتحوّل الاختلاف السياسي إلى أبشع صور الصراع الوجودي الذي يتأسس على النفي و التضاد. و عندها يتحوّل الحقد إلى ميكانيزم يتحكّم في السلوك اليومي بين "تُبّع الساسة" و في مختلف مستويات التواصل الاجتماعي. و تصبح السياسة معه كارثية، و يصبح السلم الاجتماعي بعيد المنال، و الوطن على جرف هار لولا تداركه لطف الله بشيوع قيم التعّقل. و نسأل الله اللطف.