بداية لا بد من وضع المسلمة التعريفية المختصرة للتناقض: هو نتيجة حتمية لمحاولة تزيين الباطل ودليل جليّ على الكذب وميزة أساسية للنفاق. الموضوع بكل بساطة يدور حول حدثين جلّلين على الساحة العربية، موضوع "الثورة السورية" وغير بعيد عنها بنفس اللاعبين تقريبا "الأزمة الخليجية". لا يهمنا هنا المواقف السياسية الخاصة لهذه البلدان ولا شؤونها الداخلية، فهذه ليست من اختصاصنا، وإنما سنتناول الجانب "الإنساني" والجانب "المنطقي" المنعكسين عن هذه المستجدات. أولاً التصريح الخطير والفريد من نوعه في التاريخ الإسلامي والعربي، ربما فاق شبيهه في الأندلس، والذي أدلى به لصحيفة العرب اللندنية المعارض السوري عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري السيد / كمال اللبواني، حيث طالب الكيان الصهيوني "بالتدخل" لإقامة حظر جوي في الجنوب السوري ما يُعد تدخلاً عسكرياً مباشراً لدعم "المعارضة" وإسقاط النظام ودمشق معاً.. والنقطة الثانية في تصريحه هي دعوته "لبيع" هضبة الجولان للصهاينة خيرٌ من أن تطول مدة أزمتها وتستولي عليها إسرائيل بالمجان مع الزمن بعد أن تصبح نسياً منسياً!!! المعارضة وجُل من يَكُنُّ عداءً وكُرهاً للنظام السوري، لسبب أو لآخر، يزعم بأنه عميلٌ للكيان الصهيوني وليس بدولة ممانعة ولا مقاومة وبالتالي فهو كذاب أشر يجب إسقاطه وتحرير سوريا منه كخطوة أولى لاسترجاع الجولان وباقي الأراضي العربية المغتصبة من الصهاينة!!! فكيف بمن طلب علناً تدخل هذا العدو والكيان الغاشم المُغتَصِبْ لتحرير الشعب السوري؟؟؟؟ إنه لغزٌ يحتاج إلى أكبر العباقرة في علم الفلسفة والرياضيات وعلم المنطق لحله أو على الأقل توضيحه للسذج من أمثالنا.... النقطة الثانية من التصريح والتي تطالب ببيع الجولان للصهاينة!!!! ألم يزعم القاصي والداني من خصوم النظام السوري بأن حافظ الأسد قد باع الجولان وقبض ثمنها في مدريد نقداً؟؟؟ فكيف يمكن بيع الشيء مرتين وعلى نفس الزبون؟؟!! لو كانت نعجةً أو ناقةً ولوداً لقلنا بأنهم يطالبون بقيمة ذريتها بعد أن أصبحت قطيعاً، ولكنها بحسب معلوماتنا المتواضعة هضبة أرض ثابتة يُمكن أن تنكمش "بظاهر الآية" التي تقول بأن الله يأتي الأرض ينقصها من أطرافها!!! وهذه ربما بحاجة لعالم فذ في الاقتصاد العربي والإسلامي ليعيننا على استيعاب هذه الصفقة.... ******************* ننتقل إلى الحدث الثاني وما سربه مصدر مُقرب من أحد المشاركين في اجتماع وزراء الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض بأن وزير خارجية السعودية سعود الفيصل طلب من قطر تلبية ثلاثة مطالب وهي إغلاق قناة الجزيرة التي تزرع الفتنة، وإغلاق مراكز للأبحاث والدراسات الاستراتيجية في الدوحة، وتسليم كل شخص مطلوب خارج على القانون في أراضيها. المطلب الأول يَعتبر الجزيرة قناة فتنة يجب إغلاقها، ولو سلمنا بذلك فإن لقناة الجزيرة فضل وسبق إعلامي عربي لا يُنكره إلا جاحد أو حاقد أو خائف من انكشاف أمره، والمثل المغاربي يقول "اللي في كرشو التبن يخاف من النار"...... لنسأل أنفسنا بكل صدق وأمانة أي القنوات أشد فتكاً وإفساداً للمجتمع العربي والإسلامي مجموعات الروتانا و"إم بي سي" وأخواتها أم الجزيرة؟ وما بال قناة "العربية" التي لا تقل فتنة عن الجزيرة وهي ملك للمُدَّعي؟؟؟ ثم أليس ذلك نوع من فرض سياسة تكميم الأفواه وكتم الحقائق والقضاء على حرية الإعلام والمعلومات، فكيف لهذا أن يَعِدَ الشعب السوري بدعمه لنيل حريته، والمنطق السليم يقول إن فاقد الشيء لا يُعطيه!!!! ثانياً وهو طامة كبرى بجميع المقاييس طلب إغلاق مراكز الأبحاث والدراسات السياسية والاستراتيجية، كان من المفروض ممّن يدعي احتكار الإسلام الصحيح والمنهج السلفي السليم أن يطالب بإغلاق المطاعم والفنادق والمحلات التي تبيع وتقدم الخمور وتتاجر بالنساء، هذا من باب الدين، ومن الناحية السياسية كان من الأولى المطالبة بإغلاق مكتب الارتباط التجاري الصهيوني في الدوحة، لكي نُصدق بأن بيت المقدس والقضية الفلسطينية هي من أولويات هذه الأنظمة!!! لا أن نطالب بإغلاق مراكز أبحاث ودراسات يفتقد إليها عالمنا العربي، وغيابها سبَبٌ رئيسيٌ في تخلفنا وقبوعنا في ذيل الأمم، ولكن يبدو أن العروش أهم من الأمة والكروش أهم من الدين.. المطلب الثالث هو النقطة التي تكشف عن السياسة الفعلية لهذه الدول والمفهوم الحقيقي للقانون والإنسانية لديها... فمَن المقصود بالخارجين عن القانون؟ هم من فروا من الظلم والطغيان والأحكام الجائرة وتكميم الأفواه في بلدانهم وهرعوا إلى بلد يأويهم، حتى ولو كان ذلك خدمة لمصالح سياسية واستراتيجية للبلد المُضيف، لأن قطر تبقى بلداً عربياً وإسلامياً شأنها في ذلك شأن بقية المنظومة.. فأي قانون هذا الذي خرج عليه هؤلاء؟؟ إنه قانون الظلم والجور والانقلابات العسكرية وقتل البشر في الساحات العمومية، في حين أن الرئيس التونسي الفارّ، والمطلوب من جميع فئات الشعب التونسي رسمياً وشعبياً وقضائياً، يقبع معززاً مكرماً في نفس البلد!!! إذا فالمعروف ما عرفوه والمنكر ما أنكروه، وإن كان مخالفاً لجميع الدساتير الإلهية والبشرية..... وهنا يستوجب علينا أن نصرخ بأعلى صوتنا ونقول لمن لا يزال يعلق أمله من الشعب السوري على معونة ومساعدة هؤلاء: "مالكم كيف تحكمون؟" "أين تذهبون؟" كما يجب فهم معنى "القانون" المقصود قبل التسرع في الانقياد وراء السراب، لأن الذي أوجد لكلمة "مولى" اثنين وعشرين تأويلاً بإمكانه صياغة ضعف ذلك العدد لكلمتي "القانون" و"الحرية".... وللحديث بقية...