حين تشكلت حكومة مهدي جمعة ، نتيجة التوافق الوطني الحاصل على أن تستكمل المسار الانتقالي حكومة كفاءات وطنية مستقلة يكون أهم دور تقوم به الإعداد للانتخابات بالإضافة لمجموعة من المهام ، تعهد جميع أطراف الحوار الوطني بدعمها ، ومتابعة عملها تقويما وتوجيها ،وارتفعت أصوات متحزبة تدعو لتوفير ضمانات عدم إسقاط هذه الحكومة إلا بتوفي ثلثي أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ، تماما عكس ماكانت تنادي به عقب انتخابات 23 أكتوبر. ودار نقاش آخر ، محوره تخلي مهدي جمعة عن وزير الداخلية لطفي بن جدو ، لم ينقطع إلا بتعيين رضا صفر كاتب دولة مكلفا بالأمن .ولم تنته معاناة هذه الحكومة مع ولادتها القيصرية ، حتى بعد إعلان تركيبتها ، بمالقيته من عنت في سبيل نيل ثقة المجلس الوطني التأسيسي بحجج وجيهة ، وبغيرها . وانتهت مراسم التسليم والتسلم ، والمصادقة على الدستور ، وهرعت الأحزاب إلى مقراتها ومؤسساتها وأعضائها وتنسيقياتها تتعهدها استعدادا للموعد الانتخابي المنتظر نهاية السنة الحالية ، وتركت الحكومة غير المسنودة سياسيا لقدرها ، تستكشف أغوار الحكم ، والإدارة ، والقوانين ، والوضع الاقتصادي الصعب ، والوضع الامني المتأزم ، ولم تلق بعد ذلك ، من الأحزاب التي كانت تملأ الآفاق ضجيجا للمطالبة بتوفير ضمانات النجاح إلا محاصرتها ببعض المهام الملغومة من قبيل مراجعة التعيينات ، وتحييد المساجد ، وحل روابط حماية الثورة . وبعد مضي أقل من شهر ، بدأ قصف الحكومة الضعيفة سياسيا ، بإضرابات قطاعية وتلويح بفتح مفاوضات حول الزيادة في الأجور ، ترنحت على إثرها ، وبدأت تفقد بوصلتها إلى أن جاءت زيارة جمعة لبن قردان والتي شكلت خطأ كبيرا وحرجا لرئيس الحكومة الجديد الذي زار منطقة متأججة ليعود دون تفكيك أي مشكلة من مشاكلها ، ودون النفاذ إلى عمق مطالب أهلها ، فاستعرت وراءه ، ولايزال دخانها يعلو يوما وينخفض آخر. الوزراء الذين لاعهد لهم بالعمل الحكومي ، حاول بعضهم إعطاء إشارات جدية حول النية في القيام ببعض الإصلاحات ، فوجدوا انفسهم في كماشة يتشكل فكاها من بعض النقابيين المتنفذين ، وبعض الإطارات الفاسدة ممن خنسوا خلال عهد حكومتي الترويكا ، وبدأ اللوبي يضغط في اتجاه إعادة من طالتهم العقوبات نتيجة ملفات الفساد ، ومن طالهم الطرد بمفعول قضايا رفعت ضدهم وحكم القضاء فيها ( ولنا في ذلك أمثلة عديدة في وزارات معروفة نتحفظ عن ذكرها ) . وجاءت زيارة مهدي جمعة الباهتة للخليج والتي كان الاستقبال فيها باهتا ، والعلم التونسي في جلها غائبا ، والوعود بالدعم ضعيفة لتزيد الحكومة ضعفا ، ولتضعها في مواجهة وضع امني واقتصادي صعب . وتشير بعض التقارير على اننا سنشهد خلال الفترة القليلة القادمة موجة من الاستقالات التي ستطال بعض الوزارات التي وجد أصحابها انفسهم عاجزين امام ضغط اللوبيات التي تسعى لتكبيل قراراتهم والتحكم فيها ، خاصة من قبل بعض الجهات السياسية المرتبطة بالنظام السابق والتي سمح لها مغادرة الترويكا للحكومة بإعادة الانتشار والتحكم في بعض المفاصل الحيوية للدولة مما يشكل ضغطا مضاعفا تؤججه احتجاجات اجتماعية ، ومداهمات امنية لاتحترم فيها الإجراءات ، ولاالحقوق المنصوص عليها بالدستور . كل ذلك يجعل من حكومة جمعة ، الأضعف على الإطلاق بعد الثورة كالريشة في مهب الريح ، والمطلوب من كل الأطراف الوطنية التي يهمها الاستقرار السياسي بالبلاد ، والوصول إلى الانتخابات المنتظرة ان تخرج من دائرة السلبية ، بإسناد الحكومة الفتية ، ودعمها سياسيا حتى تستكمل أداء مهامها في ظل حد أدنى من الاستقرار الذي يقيها كارثة انفراط عقدها قبل فوات الاوان . لطفي هرماسي