كتيّب [فضل الكلاب على كثير ممّن لبس الثياب]، لمؤلّفه: محمد بن خلف بن المرزبان بن بسّام، أبو بكر المحولي، المتوفى سنة 309ه، أي منذ أكثر من أربعة عشر قرنا... يحكي عن سلوك النّاس وفساد مودّتهم وخسَّة أخلاقهم ولُؤم طباعهم... يستشهد فيه كاتبه بما أثر عن أبي ذرّ الغفاري رضي الله عنه أنّه قال: كان الناس ورقا لا شوك فيه فصاروا شوكًا لا ورق فيه... كما يورد قول بعضهم: كنا نخاف على الإخوان كثرةَ المواعيد وشدّة الاعتذار أن يخلطوا مواعيدهم بالكذب واعتذارهم بالتزيُّد، فذهب اليوم من يعتذر بالخير ومات من كان يعتذرُ من الذنب... يقرّب رحمه الله الحالة بقوله: ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلف كجلد الأجربِ
يصف معاملاتهم فيبدو كثير الدقّة:
ذهب الذين إذا رأوني مُقبلا ... سُرُّوا وقالوا مرحبًا بالمُقبلِ وبَقِي الذين إذا رأوني مُقبلا ... عبسوا وقالوا ليته لم يُقبِلِ
ثمّ ينطلق في مقارنة بين سكّان عصره وبين الكلاب، معتمدا على الأحداث والوقائع وروايات أهل الخبرة والتجارب، فيرى الكلاب أكثر صدقا وأصدق حبّا وأوفر أمانا وغيرة على أصحابها وأحرص على الأمانة وأحفظ للأعراض!... يستشهد بقول الشعبي: خير خصلةٍ في الكلب أنّه لا ينافقُ في محبَّته
والكتاب في مجمله حوادث خلّدتها حكايات شهدت عليها أشعار بديعة، لعلّ من أجمل ما جاء فيها قول أحدهم:
أيها الشانئ الكلابَ أصِخْ لي ... منك سمعًا ولا تكوننَّ حبسا إنّ في الكلبِ فاعلمنَّ خِصالًا ... من شريف الفِعال يعددن خمسا حِفظُ من كانَ مُحسنًا ووفاءٌ ... للذي يتَّخِذهُ حربًا وحرسا واتباعٌ لرحله وإذا ما ... صار نطقُ الشجاع للخوفِ همسا وهو عونٌ لنابحٍ من بعيدٍ ... مستجيرا بقربه حين أمسا
قلت: إذا كانت المقارنة زمن ابن المرزبان رحمه الله بالكلاب، فبمَ يقارننا ابن المرزبان اليوم لو شاء الله له قياما وإطلالة على دنيانا!... بل وكيف سيرى كلابنا، وقد باتت بعد طول عشرة للأنسان تأتي شذوذه وتقترف أمراضه!!!...
نسأل الله صلاح الحال، وأن يعود الإنسان كما كان قبل المرزبان إنسانا وأن تعود الكلاب كما كانت زمن المرزبان كلابا!...