منازل وبيوت عديدة تنتشر بأحياء تتاخم العاصمة تحوّلت بارادة أصحابها الى مبيتات أو بيوت ايواء للفتيات خاصّة العاملات والطالبات ممن جمعهنّ قاسم مشترك واحد متمثل في البعد على العائلة بحثا عن الرزق أو تحصيلا للعلم والمعرفة...أسعار الكراء الملتهبة واستيفاء مدة التمتع بحق السكن الجامعي دفعهن الى أحضان السكن المشترك ضمن بيوت تذكّرنا بالوكايل لكن بصيغة حديثة...«الراس» في هاته البيوت هو محل ثمن الكراء والحجرة الصغيرة تتقاسمها أكثر من فتاة والمرافق تنحسر الى أدنى مستوياتها... ونظرا لاكتساح هذه الظاهرة للعديد من الأحياء الشعبية والتي هي على مقربة خاصّة من المركبات الجامعية ارتأينا تسليط الضوء عليها لمحاولة الإجابة على بعض الاستفهامات على غرار الوضعية القانونية لبيوت الإيواء هذه ومدى استجابتها لشروط المحلاّت المعدّة للكراء من عقد كراء، تأمين وصيانة للمرافق. مرافق مشتركة وفاء، طالبة جامعية في سنتها الأخيرة استوفت حقها في السكن الجامعي بالمبيت الحكومي واضطرت الى السكن في مبيت جامعي خاص الا أن بعده عن الكلية وانعدام المرافق الصحية مع الشطط الملحوظ في أسعاره دفعها للبحث عن سكن بديل يكون قريبا من الكلية التي تدرس فيها احدى الصديقات نعتتها على أحد البيوت التي يكتريها أصحابها ب«الراس» تقول «البيت الذي أتقاسمه مع أخريات ليس مبيتا جامعيا بالمعنى المتعارف عليه... كما أن الكراء لا يدفع صبرة واحدة بل ب«الراس» أي أنني أكتري سريرا، السعر في حدود 55 دينارا شهريا...نحن ثماني فتيات نتقاسم مطبخا وبيت راحة، وبيت استحمام وثلاث غرف بمعدل ثلاث فتيات في غرفة... التجهيزات دون المأمول فجهاز التلفزة دائما معطّل والثلاجة قديمة ولا تفي بالغرض كما أننا خليط من العاملات والطالبات وهو ما لا يوفر جوا مناسبا للمراجعة كما أن مدخل البيت غير مستقل والمالك بالمرصاد لكل حركاتنا وسكناتنا. نحن نساهم في معاليم الماء والكهرباء.. رغم أن أوقات الاستحمام يحدّدها المالك...انها ظروف غير مناسبة بالمرّة لكن ارتفاع أسعار الكراء الفردي تجبرنا عن التأقلم».. أين عقد الكراء؟ استعنا بسمسار ليدلّنا على أحد هذه البيوت المعروفة بهذا النوع من التأجير وبعد استفسارنا لصاحبة المحل عن السعر أخبرتنا أنه في حدود 45 دينارا مع دفع معلوم الضمان والمساهمة في معاليم الماء والكهرباء ذات العدّاد المشترك... والمنزل المعني غير مستقل بمدخل منفرد إذ أن مالكة المحل تقطن الطابق الأول في حين تؤجر الطابق الأرضي «بالراس» وهو عبارة عن غرفتين مع بهو واسع ومطبخ صغير تتراص فيه قوارير الغاز الطبيعي جنبا الى جنب ويناهز عددها الأربع باعتبار أن كل اثنين من الموجودات يشتركان في موقد وقارورة غاز واحدة مع بيت راحة تضم «دوش» وتتميز بصغرها الملحوظ الغرفتان الموجودتان واسعتان بما يكفي لوضع أربعة أسرة مع الاشتراك الثنائي في خزانة وطاولة تستغل للأكل والدراسة...في زاوية البهو تقبع «كنبة» مهترئة طمس لونها لقدمها وطاولة صغيرة وضع فوقها جهاز تلفزة من نوع قديم...الحركة في البيت تبدو على أشدّها خاصّة مع انصراف الساكنات إلى إعداد وجبة العشاء... أكملت جولتي في المحل والمالكة تحاول بكل ما أوتيت من جهد إقناعي بظروف السكن الممتازة وبأن جلّ القاطنات بالمحل يتمتعنا بحسن الإقامة وأنا أغادر سألت المالكة متعمّدة متى نمضى عقد الكراء ؟ أبدت استغرابها وهي تجيبني أن السكن عندها لا يتطلّب عقدا «أنت مثل ابنتي وكل شيء بالثقة بيناتنا... المهم أن لا تتأخري مساء وتحافظي على سمعة المنزل انها عينة من الكثير من مالكي هاته البيوت التي لا يلتزمون فيها بأبسط شروط الكراء القانونية ومنها الصيغة التعاقدية. بلا تأمين... أمام أحد البيوت المذكورة التقينا عواطف،خريجة اقتصاد وتشتغل بشركة خاصّة، عند ما سألناها على ظروف الاقامة في بيوت الايواء هذه أجابتنا «يدفعنا ارتفاع أسعار الكراء الفردي وضعف الراتب والبعد على الأهل ورفض المبيتات الجامعية الخاصّة ايواءنا هذه البيوت التي لا عقد فيها ينظّم عملية الكراء والتي تدر على المالك أموالا مضاعفة اذا سوّغ العقار «بالراس» وليس صبرة واحدة فالمنزل ذو الثلاث غرف لا يتجاوز معين كرائه بمنطقة مثل حي الخضراء 350 دينار شهريا الا ان تأجيره بالسرير لثمانية بنات مثلا يضاعف المبلغ كما أن تجهيزاته بسيطة ولا تكلّف شيئا يذكر... زد على ذلك أن أغلب عقود الكراء شفوية ولا يترتب عنها أي أثر قانوني والملاك لا يتورّع عن طرد من لا تعجبه دون أن يكون لها أي ضامن قانوني...كما أن التأمين غير موجود...ولي صديقة تقطن في منزل مشابه كاد تحدث فيه كارثة عندما اشتعلت النار في أنبوب قارورة الغاز ولو لا ألطاف اللّه لانتقلت سبع فتيات إلى جوار ربّهنّ وهن عدد الموجودات آنذاك بالمنزل...». حل... يتخذ صيغة المشكل قد تكون بيوت الإيواء حلا لمشكلة عويصة ترهق كاهل العاملات والطالبات ممن اضطررنا إلى البحث عن مكان للسكن بأبخس الأثمان مراعاة لظروفهّن المادية المتوسّطة التي لا تتيح لهن فرصة الكراء المستقّل الا أن بيوت الإيواء هذه قد تكون حلا ماديا مناسبا لكن الخدمات المقدمة تبقى بعيدة على مستوى المأمول ويبقى الهاجس المالي هو من يحرّك مالكي هذا النوع من بيوت الكراء فتغيب المرافق والصيغ التعاقدية والتأمين والتراخيص القانونية لايواء عدد هام من المتساكنات.