الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    السلطات الاسبانية ترفض رسوّ سفينة تحمل أسلحة إلى الكيان الصهيوني    الديبلوماسي عبد الله العبيدي يعلق على تحفظ تونس خلال القمة العربية    يوميات المقاومة .. هجمات مكثفة كبّدت الاحتلال خسائر فادحة ...عمليات بطولية للمقاومة    فتحت ضدّه 3 أبحاث تحقيقية .. إيداع المحامي المهدي زقروبة... السجن    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    في ملتقى روسي بصالون الفلاحة بصفاقس ...عرض للقدرات الروسية في مجال الصناعات والمعدات الفلاحية    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    جلسة بين وزير الرياضة ورئيس الهيئة التسييرية للنادي الإفريقي    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    سوسة: الحكم بسجن 50 مهاجرا غير نظامي من افريقيا جنوب الصحراء مدة 8 اشهر نافذة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تأمين الامتحانات الوطنية محور جلسة عمل بين وزارتي الداخليّة والتربية    كلمة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار أمام القمة العربية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    صفاقس: هدوء يسود معتمدية العامرة البارحة بعد إشتباكات بين مهاجرين غير نظاميين من دول جنوب الصحراء    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    "فيفا" يقترح فرض عقوبات إلزامية ضد العنصرية تشمل خسارة مباريات    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ محمد الحسنالددو : لا غضاضة لدي من التعامل مع أي حاكم يريد الإصلاح
نشر في الحوار نت يوم 29 - 06 - 2010

يمتح العلامة الشاب محمد الحسن ولد الددو من بحري علم وخلق يمسكان بمجاميع قلب جليسه، لا يحتاج الرجل الذي مص درر علم محاظر موريتانيا في مجلس جده المربي محمد عالي ولد عدود، إلى تكلف وقار طارئ؛ فنكتة الشيخ تغري بتوقيره، وحديثه العذب ينزل الطير من عليائها إلى رؤوس جلاسه.
استوت شمس العلامة الأربعيني في كبد السماء حين بصم باسم التيار الإسلامي أسفل ورقة بجانب توقيع الرئيس الموريتاني الأسبق، مرشح الرئاسيات سنة 2003، باسم تيار لم ينازعه أحد من بعد النطق باسمه. فحمل لقب: المرشد الروحي للتيار الإسلامي. لقب ربما يكون الشيخ الددو آخر من يرغب في حمله.
كانت فتاوى الشاب التي لا تلبث أن يسلمها الشيوخ حول التطبيع والعلاقة مع الصهاينة، ومقاطعة البضائع، قد أشعلت قلب رأس النظام حينها، وألهبت حماس معارضة الشارع الإسلامي للعلاقة التي زالت أخيرا غير مأسوف عليها، فتنقل الشيخ بين السجن والحرية المؤقتة بتهم مختلفة، على مدى سنتين ونيف (بين مايو 2003 وأغسطس 2005) ساءت العلاقة فيهما بين النظام والتيار الإسلامي الذي أصبح سجن الشيخ عنوان استهدافه.
تثير مواقف الشيخ من الجدل بحجم التأثير الذي تتركه في الشارع الموريتاني، نأى بنفسه عن العمل السياسي اليومي، والانتماءات الحزبية الضيقة.
رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا ورئيس جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم المتفرغ للدعوة الإسلامية، وتعليم العلم.هكذا يقدم الشيخ من طرف المقربين منه. رغم عدم إمكان إخفاء الأدوار الكبيرة التي لعبها، من هذا الموقع، في مواقع تغلب عليها السياسة. يحضر هنا ملف رجال الأعمال، والحوار مع المحسوبين على الجماعات المسلحة في السجون الموريتانية.
يقول العارفون بالشيخ إن تأثيره في موريتانيا لا يساوي معشار تأثيره في بلدان العالم الإسلامي الأخرى. استضيف الشيخ محمد الحسن ولد الددو في عشرات البرامج التلفزيونية والإذاعية، أقلها في التلفزة الموريتانية، وأشرف على طباعة وتصحيح مجموعة من الكتب، وطبعت رسالته للماجستير في كتاب، كما صدرت بعض برامجه التلفزيونية في شكل كتب.
يجيب الشيخ في هذه المقابلة على أسئلة الأخبار حول"الحراك الوسطي "الأخير في موريتانيا وعلاقة العالم بالسلطة وإشكالات من واقع السياسة ومتغير الفقه
الأخبار: بعد مؤتمر الوسطية وزيارة الشيخ يوسف القرضاوى رئيس اتحاد علماء المسلمين، كيف تقومون هذه النشاطات؟، وكيف ترون أثرهما في موريتانيا؟
الشيخ الددو:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر لوكالة أنباء الأخبار المستقلة اهتمامها وتغطيتها لهذه الأنشطة الدعوية العلمية التي كانت في الفترة الماضية، ونسأل الله أن يوفقهم ويسددهم ويعينهم أجمعين.
بالنسبة لهذه الأنشطة هي في طبيعتها أنشطة دعوية علمية، وليست موجهة إلى أهداف أخرى، وليس لها أي صلة بالأمور السياسية.
وأرى أنها قد حققت ما كان مطلوبا منها، من التواصل العلمي بين موريتانيا وبين البلدان الإسلامية الأخرى، سواء على مستوى الجيران أو الأفارقة أو العرب، أو غيرهم من المسلمين الآخرين، وقد حصل ما كان مرجوا من المؤتمر حيث حضره سبعون شخصية علمية إسلامية من مختلف بلدان العالم الإسلامي، وكذلك ملتقى الجمعيات الإسلامية العاملة في غرب إفريقيا، حيث حضره عدد كبير من الجمعيات وصل إلى ثلاث عشرة جمعية إسلامية عاملة في غرب إفريقيا، وكونت ملتقى وجعلته مؤسسة، مما يجسد التعاون المطلوب شرعا في المجالات العلمية والدعوية.
وكذلك زيارة فضيلة الشيخ يوسف بن عبد الله القرضاوي لموريتانيا، وقد كان لها تجاوب رسمي وشعبي كبير، وكان لها أثر كبير على الساحة الدعوية بما قدمه الشيخ وبوزنه وحضوره، وبما صاحب مجيئه من أنشطة، ومن عناية به من طرف الدولة ومن الشعب، وعناية مؤسسات المجتمع المدني، وحتى استقبال الأحزاب من مختلف الحساسيات والفعاليات للشيخ وسماعها منه، وأيضا الدروس التي قدمها الشيخ والدروس التي قدمت على هامش حضوره، كانت كلها متميزة وفيها فوائد جمة كبيرة، والجهة التي نظمت مؤتمر الوسطية هي جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، أما الجهة التي دعت الشيخ يوسف القرضاوي فهي مركز تكوين العلماء، والمؤسستان تشتركان فيما يتعلق بالتعليم، وتنفرد جمعية المستقبل فيما يتعلق بالدعوة والثقافة.
الأخبار: يرى بعض المتابعين أنكم ومن خلال دعم بعض رجال الأعمال في إقامة بنوك إسلامية، تدخلون صراعا ماليا ومنافسة بين أطراف في البلد؟.
الشيخ الددو:
بالنسبة للمنافسة المالية هي من الأمور المشروعة والمطلوبة، وأنا لست من المهتمين بها ولا من الفاعلين فيها، ولكن من الواجب علي شرعا أن أساعد كل من سعى لتطبيق شريعة الإسلام، ونحن نطالب بتطبيق شريعة الإسلام، تطبيق أحكام الله على عباده في أرضه، وليست الأحكام مختصة بالسلطان كما يتوهم بعض الناس، فيظنون تطبيق الشريعة مختص بالحكام، ونحن لا نفهمها هذا الفهم، لأننا نفهم الشريعة بشمولها، وأنها تشمل مختلف جوانب الحياة ومجالاتها، والجانب الاقتصادي من الجوانب المهمة، وتطبيق الشريعة فيه أمر ضروري لأنه يترتب عليه ما سواه، فالربا تترتب عليه حرب الله ورسوله، وفي مقابله إذا جاء البديل الإسلامي المانع من الربا والمانع من المخالفات الشرعية الأخرى كاستغلال الناس فإن ذلك يترتب عليه خير كثير، من إصلاح ذات البين وقد قال الله تعالى (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم).
ويترتب عليه كذلك طهارة مأكل الناس من الحرام فيؤدي ذلك إلى استجابة دعائهم، والله سبحانه وتعالى لا يستجيب الدعاء لمن كان معاشه من حرام، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يأيها الرسل كلوا من الطبيات واعملوا صالحا)، وقال تعالى: (يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك"، وكذلك إيجاد البديل الإسلامي في مجال التعامل يشجع أيضا كثيرا من المحجمين عن النشاط ما دامت البنوك كلها ربوية، فيشجع حركة الاقتصاد، ويشجع الناس على التعامل مع القاصدين للبديل الإسلامي وتطبيق الشريعة في مجال المعاملات، فلذلك يجب علي تشجيع كل الأطراف، ولا أشجع طرفا واحدا على حساب طرف آخر، بل المجال مفتوح للمنافسة، وكل من تقدم بمبادرة في هذا الباب فأنا معه، ككل المبادرات الأخرى في تطبيق الشريعة، إذا تقدمت الدولة بتطبيق الشريعة وتنفيذ ما هو معطل منها فأنا معها وأمامها ووراءها في هذا المجال، وإذا تقدم أي طرف بما فيه خدمة لشرع الله فيجب عليها جميعا الوقوف معه والقيام معه.
الأخبار: انزعجت أطراف في القضاء من تصريحكم حول الأحكام الصادرة في حق المعتقلين، ورأى بعض القضاة في الأمر تدخلا في قضية معروضة أمام القضاء، ما هو تعليقكم على هذا الموضوع؟
الشيخ الددو:
الانزعاج ليس في محله، فهم زعموا أن هذا تدخلا في قضية معروضة على القضاء وليس الحال كذلك، فالقضية التي صدر فيها حكم لم تعد معروضة في ذلك الوقت، وأنا تكلمت قبل طلب الاستئناف أصلا، والحكم قد صدر وهذا الحكم قابل لأن يكون صوابا وأن يكون خطأ، ومحكمة الاستئناف أيضا بين يديها الأمر، يمكن أن تبين ما فيه من الخلل والنقص، وكذلك المحكمة العليا بعد ذلك، فإذا ليس الكلام في غير موضعه، فأنا ما تكلمت عن القضايا المعروضة على المحكمة والتي لم يحكم فيها بعد، وإنما تكلمت عن أحكام صدرت ونشرت وتلقاها الإعلام ودخلت حيز التنفيذ على أصحابها، هذه هي التي تكلمت فيها، ومن حقي أن أتكلم فيها، وأستغرب أن بعض القضاة ذكروا أنني لا يجوز لي الإفتاء في مثل هذا، وقد التبس عليهم الأمر، فالمذكور في الفقه الإسلامي أن القاضي هو الذي لا يحل له الإفتاء في القضية الآيلة إلى الخصام، كما قال ابن عاصم في تحفته، وأنا لست قاضيا، بل العكس يجب على القاضي إحضار العلماء ومشورتهم، كما قال خليل رحمه الله "وأحضر العلماء وشاورهم"، وإذا لم يفعل القاضي ذلك فإنه هو المخالف شرعا، ويأثم بذلك، وبالأخص أن هذه الأحكام في ما اتضح منها وما ظهر، لم تعتمد على بينة ولا إقرار، وهذا أساس الحكم، فالحكم على الأشخاص ليس بمجرد الدعوى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم"، فلا يمكن أن يعتمد على مجرد الدعوى بل لا بد من إثبات، والإثبات إما ببينة وإما بإقرار، وهذا ما لم نره ولم نر اعتماد الأحكام التي صدرت عليه نهائيا.
وكذلك من المستغرب في الأمر أن بعض القضاة ذكروا أنني عندما ذكرت القضية ذكرت أنها لم توافق الحكم الشرعي ولا التوجه النظامي، وقصدت بذلك أن المطلوب استقلال القضاء وأن يكون ذلك الاستقلال إيجابيا، لكن معنى هذا أنه إذا مال القضاء إلى جهة الدولة ضد المتهمين فمعناه أنه ليس مستقلا، ولو لم يتدخل له، وحينئذ إذا كانت الدولة أو كان رئيس الدولة لا يرغب في الظلم ويريد إحقاق العدل في هذه المسألة، فلا يمكن أن يتقرب إليه بالظلم في الأحكام، وقد ذكرت أن مثال هذا الذي حصل، هو ما حصل لامرأة جاءت إلى بئر وعنده شبان من بني نمير فأزعجوها بالنظر إليها، فقالت لا أنتم امتثلتم قول الله تبارك وتعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)، ولا قول الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير *** فلا كعبا بلغت ولا كلابا
فهذا المقصود وليس المقصود أنني أطعن في القضاء أو أنني أريد توجيهه، أو أنني أطعن في أي قاض، فأنا أفرق بين الحكم وبين القاضي وهذا ما يلزم، فكل حكم أيا كان هو عرضة للقبول والرد، لأنه أمر اجتهادي ولم ينزل به الروح الأمين من عند الله تعالى، ولذلك سيستأنف عند محكمة الاستئناف، وربما يعقب أيضا عند المحكمة العليا، وربما ينقض لصالح القانون في المرحلة الرابعة.
الأخبار: تثير علاقتكم بالرئيس الموريتاني الكثير من التساؤلات، ما هي الضوابط التي ينبغي أن تحكم علاقة العالم بالسلطان؟.
الشيخ الددو:
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع والتقوى.
بالنسبة لي أنا مواطن موريتاني، وليست عندي غضاضة في التعامل مع أي حاكم يحكم موريتانيا من هذا الشعب، ويريد الإصلاح بأي وجه من الوجوه، وأعلم أنه لا يمكن أن يحكم موريتانيا الآن معصوم، وأن الذي يتولى حكمها دائما عرضة للصواب والخطأ، وأن هذا من الأمور المعقولة، وكل صواب فيه خدمة للدين والوطن وفيه مصلحة راجحة فيجب علي مساندته من أي جهة صدر، ولذلك أنا في مختلف الفترات ومختلف العصور –حتى من داخل السجن- كنت كلما وقع شيء موافق للشرع وفيه خدمة أقتنع بها وأؤيده، وإذا صدر شيء يقابل ذلك أيضا وفيه مخالفة للشرع أنكره، وهذا واجب علي شرعا، فيجب علي تأييد كل ما هو صواب وموافق لشريعة الله، ويحرم علي تأييد المخالف لشريعة الله، ويجب علي إنكاره.
وبالنسبة لضوابط التعامل عموما بين العالم والحاكم، أن العالم ينبغي أن ينطلق من قول سليمان عليه السلام (ما آتاني الله خير مما آتيكم بل أنتم بهديتكم تفرحون)، فلا يطلب عرضا من الدنيا في مقابل نصحه أو فتواه أو بيانه للحق، ويجب عليه أن يكون وقافا مع الحق، إذا استطاع أن ينكر المنكر وأن يأمر بالمعروف وجب عليه ذلك، وإلا فإنه يعتزل إذا عجز عن التغيير ويجب عليه الاعتزال حينئذ.
والعلماء من قديم الزمان كانت لهم وجهات نظر متباينة في ما يتعلق بتوجيه الحكام ونصحهم، ومن المعلوم أن النصيحة مبدأ شرعي مجمع عليه، وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، فكل من ولاه الله أمر المسلمين يجب على العلماء وعلى أهل الرأي أن ينصحوه وأن يبينوا له الحق وأن يعينوه عليه، وأن يدعو له بظهر الغيب، فهذه من الفرائض التي هي من عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن الأمور التي سار عليها سلفنا الصالح، لكن الخلاف بين العلماء هو فيما يتعلق بطرق أبوابهم والإتيان إليهم من غير أن تكون الرغبة من الحاكم، فقد كان بعض أهل العلم يتورع عن ذلك صيانة وتدينا، وكان في مقابله آخرون لا يفعلون ذلك، وأنا أرى التوسط والاقتصاد في هذا الباب، وأن ينظر الإنسان في الأمر، ويزنه بميزان المصالح والمفاسد الشرعية.
الأخبار: كيف ترون واقع ومستقبل العلم الشرعي في موريتانيا، خصوصا بعد رحيل عدد من المشايخ؟
الشيخ الددو:
العلم ليس مرتبطا بشخص، فقد توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وهو الذي جاء بالعلم من عند الله، وحمل أصحابه العلم من بعده، واستمر العلم في أمته، وهذه الأمة فيها خير كثير وهو باق فيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)، فسيبقى فيها العلم حتى ينتزعه الله تعالى بموت العلماء، كما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بموت أهله، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا فاستفتوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"، فلذلك بلادنا من معادن العلم، وما زال ولله الحمد عدد من الساعين لنشر العلم وتعليمه، ومن الشباب الذين يرغبون فيه، وكذلك كثير من المؤهلين له، وإن كان ذلك متفاوتا، وإن كان حملة العلم متفاوتون في درجاته، وفيما يتعلق بالمستوى العلمي، وأيضا في مستوى فهم الواقع وتنزيل النصوص عليه، فهذا من الأمور الضرورية التي لا بد أن تحصل.
وقد بقيت بقية أيضا من العلماء المرموقين المنوعين الموسوعيين، ومنهم الشيخ عبد الله بن بيه والشيخ اباه ولد عبد الله ولد اباه، والشيخ محمد عبد الله ولد الصديق، فهؤلاء الثلاثة من علماء البلد المنوعين الذين يجمعون مختلف العلوم الشرعية وآلاتها، وكذلك بقيت بقية أخرى من العلماء الذين لهم تخصصات مختلفة، فيهم فقهاء وفيهم أصوليون، وفيهم مجتهدون في خدمة القرآن، وفيهم لغويون وهكذا...
الأخبار: على ذكر العلماء وخلافهم، خلال مراسلة بينكم وأسرة الشيخ محمذن فال ولد متالي، ورد ذكر لخلاف العلماء في الاحتجاج بالمرسل، كيف تعلقون على هذا الموضوع؟.
الشيخ الددو:
بالنسبة للموضوع لم يفهم كما أردته، فمالك والشافعي يعملان بمراسيل الكبار أي كبار التابعين بل إن بعض الناس نقلوا عن مالك أن المرسل لا يطلق أصلا إلا على مروي الكبير من التابعين ولذلك قال العراقي في الألفية :
مرفوع تابع على المشهور *** وبعضهم قيد بالكبير
فبعض العلماء يقيد المرسل برواية الكبير، والشافعي يشترط للاستدلال بالمرسل أن يكون الراوي من الكبار وممن لا يروي إلا عن الثقاة ومن أهل الحفظ ولذلك قال العراقي في الألفية:
والشافعي بالكبار قيدا *** ومن روى عن الثقاة أبدا
ومن إذا شارك أهل الحفظ *** وافقهم إلا بضبط لفظ
فأنا أردت التنبيه إلى أن الرواية الأخرى التي لدى مشايخنا هي من طريق العلامة الشيخ اكليكيم ولد محمدو ولد حبيب وهو ممن لا يروي إلا عن الثقاة وهو من الكبار، هذا هو الذي قصدته مبينا أن مرسله ليس كالمراسيل العادية ومن المعلون أن العلماء فيما يتعلق بالاحتجاج بالمرسل بينهم خلاف ذكره العراقي في ألفيته عندما قال:
واحتج مالك كذا النعمان *** وتابعوهما به ودانوا
هذا الذي قصدت به التنويه بشأن اكليكم لكن لم يفهم الكلام على وجهه.
والأمر ليس أكبر من حجمه لذلك لا يحتاج مثل هذا إلى مراجعة ولا إلى رد لأنه من الأمور العادية وقد قال المزني رحمه الله لما عرض على الخليفة العباسي الواثق فأنشد بين يديه قول الراجز:
لا تقلواها وادلواها دلوا *** إن مع اليوم أخاه غدوا
قال فاستبردت فلم يفهم عني ما قلت.
الأخبار: بالنسبة للوفود المشاركة في مؤتمر الوسطية، أثارت صلاة بعض شخصياتها أئمة للجمعة في مساجد بنواكشوط جدلا عند بعض الفقهاء في البلد إلى حد أن منهم من وصف الصلاة خلفهم بالباطلة ما هو سبب هذا؟
الددو: أخرج مالك في الموطأ مرسلا وقد وصله بن ماجه والحاكم في المستدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة امرأة وعبدا ومريضا ومسافرا هؤلاء الأربعة لا تجب عليهم أصلا لكن المريض لا خلاف عند العلماء جميعا أنه إذا صلى الجمعة تصح منه إماما أو مأموما فيمكن عندهم أن يكون إماما بالإجماع.
أما المسافر ففيه خلاف، تفصيله: أن من أهل العلم وهم الجمهور من يرون صحة إمامته مطلقا سواء كان ذلك استئنافا أو استخلافا ويستدل أهل هذا القول لذلك بما ثبت أن عمر بن الخطاب صلى الجمعة ببعض القرى بين مكة والمدينة وهو مسافر فقد ثبت ذلك عن ابن عمر بما لا يدع مجالا للشك عدة مرات.
غير أن المتأخرين من المالكية حملوا ذلك على الإمام الأعظم وحده كما قال خليل " إلا الخليفة يمر بقرية جمعة" فالخليفة ليست له أحكام متخصصة به شرعا فإما أن تكون إمامته صحيحة وإما أن تكون باطلة هو إنسان مخاطب بالصلاة وليست له أحكام خاصة به في هذا الباب في السفر والحضر فهو إما مسافر وإما مقيم فإذا كان مسافرا فلا ينقض ذلك كونه إماما وهكذا.
الأخبار: إذن فلا وجه لبطلان الصلاة؟
الددو: لا !و ليس لبطلانها وجه من الناحية الشرعية وقد قال ابن دقيق العيد لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ترك الجمعة بعد وجوبها ولم يرو عنه أنه اقتدى بغيره فيها والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة بعد الفتح سبعة عشر يوما وفي حجة الوداع ولم يرو أنه صلى به الجمعة أحد ولا أن الناس صلوا الجمعة بإمامهم واعتزلهم هو فلذلك لا يُظن إلا أنه هو الذي صلى بالناس إماما.
وبالنسبة للمذهب المالكي بالخصوص فيه ثلاثة أقول في هذه المسألة: ذكرها الباجي في المنتقى والمازري في شرح التلقين مفصلة والقول الأول منها: أن المسافر لا تصح إمامته استئنافا ولا استخلافا وهذا مروي عن مالك وابن القاسم، أما القول الثاني فهو أنه تصح إمامته مطلقا استئنافا واستخلافا وهذا مذهب بن الماجشون وسحنون، والقول الثالث أنه تصح إمامته استخلافا لا استئنافا وهو مذهب المغيرة ومطرف و لذلك المسألة مسألة خلاف ومسائل الخلاف لا يقع فيها أي إشكال من ناحية الصلاة لأن خليلا قال " وبمخالف في الفروع" فالمخالف في الفروع تصح به الصلاة إجماعا.
إذن الصلاة بعد حصولها لا خلاف في صحتها، إنما الخلاف في حكم الإقدام فقط والإقدام ذكرنا فيه ثلاثة أقوال في المذهب المالكي وأن مذهب الجمهور ذهب إلى الإباحة وأنه الذي يقوم عليه الدليل وأن ما يخالفه ليس له أي دليل.
عموما الأخبار: هناك تداخل للفن مع الفئوية في موريتانيا فالفن أساسا عند فئة واحدة ربما يكون الموقف منه موقفا من هذه الفئة ، وربما اتضح جانب من موقفكم من الفن عبر زيارتكم لدار السينمائيين وثناءكم عليهم.
الددو: بالنسبة للفن هو بمعنى الترفيه مطلقا. وهو محمود في أصله ولكن الشرع وضع له ضوابط فالمحرم منه أقل بكثير من المأذون به.
المحرم منه هو النشيد في آلة فيها معازف أو شيء يضرب، هذا هو الذي جاء النهي عنه في الحديث الذي أخرجه البخاري في الصحيح أن قوما سيمسخون في آخر الزمان قردة وخنازير يستحلون الخمر والحر والحرير والمعازف.
وكذلك لا خلاف في إباحة النشيد من غير معازف ولا خلاف كذلك في إباحة الدف في الأعراس ومشروعية أنه مطلوب في المناسبات السارة. ولا خلاف في إنشاد الرجل وسماع النساء لصوته فالنبي صلى الله عليه وسلم قال رفقا بالقوارير يا أنجشة ولكن صوت المرأة إذا كانت تغني لا ينبغي أن يسمعه إلا من هو زوج لها أو محرم لأنه مدعاة للتلذذ به وليس صوت المرأة عورة في حد ذاته فإذن القضية كلها لا بد أن تضبط بالضوابط الشرعية وارتباط الفن بفئة هو أمر وظيفي من عادات أهل البادية لكن ليس مستمرا حتى الآن.الآن في المدارس يدرس العزف ويدرس التلحين ويمكن أن يتخصص فيه أي إنسان من أي فئة كان.
الأخبار: علاقتكم بالمدارس الإسلامية الأخرى مثل الصوفية و المدرسة الفقهية.
الددو: بالنسبة لهذه المدارس كلها اجتهادات وليس فيها شيء معصوم فلاجتهادات دائما فيها مقبول ومردود فلذلك أنا أزنها بميزان الشرع جميعا ما حكم الشرع بصحته أوعلى الأقل بقبوله فليس عندي عليه أي اعتراض ، وما رده الشرع فهو مردود من أي مدرسة كان ومن أي وجه. ولا أبالي ولا أفصل حينئذ بأي جهة.
ما حكم الشرع برده فهود مردود وما حكم بقبوله فهو مقبول.
الأخبار: وفيما يخص الصوفية؟
الددو: الصوفية نفس الشيء مدرسة من المدارس الإسلامية جمعت الجانب النظري والجانب التطبيقي فيما يتعلق بالتربية تربية الأنفس وتخليصها من أمراض القلوب وهذا أصل ركين في الإسلام الناس جميعا محتاجون إليه، محتاجون إلى تزكية نفوسهم ومحتاجون إلى تطهيرها من الأمراض القلبية الخطرة.
لكن طريقة ذلك لا بد أن تكون مضبوطة بالشرع وأن تكون طريقة التربية من المنهج النبوي الذي جاء به النبي صبى الله عليه وسلم أوعلى الأقل بما أذن فيه من الزيادات التي تكون راجعة إلى اختلاف الظروف والأحوال مثل الفقه تماما فالفقه هو اجتهادات لكن التدوين لم يكن في العهد النبوي ومع ذلك فهو غير مردود لحاجة الناس إليه ولأنه لم يرد النهي عنه بخصوصه وهكذا التربية الصوفية فما كان منها مما فعله رسول الله صلى عليه وسلم وأصحابه فهذا لا غبار عليه أصلا لا يستطيع مسلم إنكاره وما كان منها من المصالح المرسلة التي لم يرد عنها نهي فهذا لا إشكال فيه وما يخالطها من البدع سواء كانت بدعا عقدية أو تعبدية فهو مردود أيضا لا يقبله من يعرف الشرع ويعرف نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البدع أو إنكاره لها.
الأخبار: ما هو تقييمكم للحوار مع السلفيين الذي أجري معهم قبل أشهر؟
الددو: الحوار كان خطوة إيجابية وقد استجاب لها السجناء كما استجابت الدولة أيضا لها وشكرنا الطائفتين: الدولة على تنظيمه، والسجناء على قبوله وكان بادرة مهمة وكان فيه حرية واستدلال ونقاش علمي وشارك فيه العلماء وبينوا للشباب الأجوبة عن كلما كانوا يقدمونه من الشبهات والأدلة وناقشوا معهم نقاشا جادا لكن التعاطي بعد ذلك مع الحوار لم يكن على المستوى المنشود فكنا نظن أن الدولة سترتب عليه خطوات إيجابية وأن يكون له أثر بارز في التعاطي مع هذه القضية ومع الأسف إلى الآن ما ترتب عليه ما كنا نريده.
ونحن نطالب الدولة بالتعجيل بترتيب خطوات إيجابية على هذا الحوار حتى لا يكون مجرد إضاعة للوقت والجهد وهذه الخطوات الإيجابية منها العفو عن الذين أعلنوا نبذهم للعنف وبراءتهم منه وكذلك الذين في ملفاتهم أصلا ما يدينهم وأيضا التخفيف عن الآخرين الذين أعلنوا ندمهم على ما بدر منهم وتوبتهم منه ، هذه أمور مطلوبة ولذلك أنا طالبت الدولة بالتعجيل بهذه الخطوات وطالبت السجناء أيضا بألا تستفزهم الأحكام حتى يتراجعوا عما وقعوا عليه وقالوه في أيام الحوار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.