شجرة معدل 20 من 20 لا تخفي غابة المفارقات نورالدين المباركي تونس/ الوطن تصدّر خبر حصول تلميذة تونسية على معدل 20 من 20 في الدورة الرئيسية لامتحان البكالوريا متابعة الصحف وحديث الناس لنتائج هذا الامتحان ..حتى أن وزير التربية خصّه بجزء من مداخلته في الندوة الصحفية التي عقدها الأسبوع الفارط وأشار أنه بالإمكان "إحراز معدل 21 من 20". ثمّة ما يبرّر هذه المتابعة بالنظر إلى أنه لم يسبق أن حصل تلميذ تونسي على مثل هذا المعدل في امتحان مازال عند عديد العائلات "بوّابة المستقبل المهني" وعند الأخصائيين "بوّابة الفرز لمن يمكنه ولوج التعليم العالي " وعند رجال السياسية " محطة تقييم سلامة السياسة التعليمية". أن يتصدّر هذا الخبر الاهتمامات و المتابعات أمر مفهوم..لكن ليس على حساب النتائج العامة للامتحان ( في الدورة الرئيسية) التي أبرزت بعض المفارقات القديمة/الجديدة التي لايمكن أن تخفى على أي مراقب ومنها: - "احتكار" التفوق في الجهات التي تعتبر محظوظة اقتصاديا وفي المقابل مازالت الجهات التي الأخرى تراوح مكانها في المراتب الأخيرة. - رغم أن شعبة الآداب تضم أعلى نسبة في عدد المترشحين (44782 تلميذا ) فإنها تحتل المرتبة الأخيرة في عدد الناجحين (33.36%.) وهو ما يطرح عدة أسئلة حول مستقبل هذه الشعبة خاصة في سوق الشغل. - نسب النجاح المحدودة في المعاهد الخاصة (17 فاصل 49 بالمائة) رغم انتشارها و القوانين و التراتيب التي تنظمها و التسهيلات الجبائية وغيرها ..وهو ما يطرح أيضا عدة أسئلة حول دور هذه المعاهد ومكانتها الحقيقية. ولنا عودة إلى هذا الموضوع بعد الاعلان عن نتائج دورة المراقبة.
مع بداية ظهور النتائج النهائيّة للموسم الدّراسي في مختلف مستويات الدراسة الأساسيّة والإعدادية والثانويّة والجامعيّة يقف الملاحظ على جملة من الحقائق وهي "السهولة المفرطة" في النجاح حتى أنّ الفشل الدراسي صار حالة شاذّة تقريبا وهو أمر محمود في الأصل لو كان هذا النجاح يعكس ارتقاء حقيقيّا بالمستوى التعليمي في مختلف مراحل الدّراسة سواء من خلال رفع مستوى البرامج مادّةً وأهدافا وتوجها أو من خلال وجود مؤشّرات ايجابيّة تعتمد المقارنة مع الأنظمة الدراسيّة في البلدان المتقدّمة التي لا نكفّ عن القول بأنّنا نستأنس باستراتيجيّاتها في السياسات التعليميّة . لقد أصبحت المعدّلات المعلنة في الامتحانات الوطنيّة محلّ حديث عامّة النّاس وخاصّتهم فأصبحوا يتحدّثون عن حالة تضخّم في الأعداد موازية لحالة التضخّم المالي الّذي يضرب العالم والبلاد كجزء منه ، فنتيجة 20 من 20 كمعدّل في الباكالوريا كانت من ضروب المستحيل وغير واردة أصلا في احتمالات التلاميذ والأولياء والأساتذة على حدّ سواء لكنّها أصبحت اليوم في المتناول بل سهلة المنال. كلّ هذا ونحن نسمع يوميّا الأصوات ترتفع بالتّشكّي من ضعف المستوى في مختلف مراحل الدراسة فلا التلميذ في الابتدائي بعيد عن هذا الضعف ولا زميله في الثانوي ولا طالب الجامعة ولا حتّى من أخذوا شهاداتهم وتخرّجوا فالمستوى اللغوي للأغلبيّة أصبح ضعيفا وهو ضعف يشمل جميع اللغات من اللغة العربيّة إلى بقيّة اللغات وكذلك الضعف المعرفي والعلمي للدارسين والمتخرّجين بل إن أصحاب المؤسّسات كثيرا ما يتندّرون بطالب شغل قدّم مطلبا كتابيا يعجّ بالأخطاء اللغويّة. ... هذا ما نراه بالعين المجرّدة وما نسمعه يوميّا في الشارع وما تؤكّده تذمّرات المربّين في كل الاختصاصات والمستويات ... أمّا ما يرد في النتائج الرسمية والمعلنة فيجعلنا نشكّ انّ الحديث هو عن حالتين متباعدتين في المكان وليس تناقضا قائما في صلب حالة واحدة. والحقيقة أنّ التناقض يمكن أن يزول إذا بحثنا بدقّة في كيفيّة الوصول إلى هذه النتائج الخياليّة إذ السّر يكمن في نوعيّة الامتحانات المقدّمة وفي مقاييس الإصلاح حيث بدأت تغيب تدريجيا الاختبارات العاكسة فعلا لمستوى التلاميذ وصلابة المادّة المعرفيّة التي درسوها دون إهمال الجانب المنهجي كما وقع التساهل والتبسّط في مقاييس الإصلاح فلم تعد سلامة اللغة شرطا محددا في التقييم كما لم يعد التحرير والتّأليف مطلوبا أحيانا ويمكن الاكتفاء بالأجوبة المتقطّعة والمفكّكة مع وجود نمط الاختبارات على الطريقة الأمريكيّة أي الأجوبة بالاحتمالات وهي كلها تراجعات عن الصرامة التي كانت سابقا في نظامنا التعليمي والتقييمي. إنّ مالا يمكن أن يحجبه الخطاب السياسي حول السياسة التعليميّة هو التراجع الكبير الذي ضرب المستوى العام للمنظومة التعليميّة التي تحوّلت إلى مجال للتجريب وفق توجّهات داخليّة أهملت فيها سلطة الإشراف رأي أهل القطاع فلم تستشر إلا نفسها مهملة النقابات المهنيّة والخبراء ممن لهم رأي مخالف لرأيها فكانت الخيارات التعليميّة استجابة مباشرة لتوجّهات عولميّة أتت على حساب المستوى وعلى حساب الهويّة الوطنيّة فلم يعد مستغربا أن نرى وزارة التربية وهي التي تحمل مسؤوليّة التّأسيس لمجتمع المعرفة عند الناشئة تعلّق بلاغات ونصوصا توعويّة وتحذيريّة حول الغش في امتحانات الباكالوريا باللهجة الدارجة وهي موجهة لتلاميذ يُفترض أنهم درسوا على الأقل لغتين مع العربيّة فهل كان هذا السلوك جزء من خيار إضعاف العربية كرمز للهويّة والانتماء أم لإدراك الوزارة أن مستوى التلاميذ قد تراجع الى الحد الذي لم يعد يخوّل لهم فهم معلّقات توعويّة باللغة العربية ؟! إنّ السياسة التعليميّة ودور التقييم فيها ومضامين البرامج وأهدافها المعرفيّة والوطنيّة يجب أم تكون محل حوار وطني تشارك فيه كل الأطراف السياسيّة والمهنيّة باعتبارها شأنا وطنيّا عاما يهمّ الجميع وعلى الجميع تحمّل مسؤوليتهم فيه لأنها في عمقها مسؤولية تجاه الأجيال وتجاه الوطن. إنّ ما لم يعد قابلا للإخفاء هو أن تعليمنا يشكو من عدّة هانات قد تجعل من الممكن الحديث عن تأزّم هذا القطاع الحيوي فمردوديّة المربّين مرتبطة بتكوينهم وبما يجدونه من حوافز أقلّها تأهيل رواتبهم بما يستجيب لحاجاتهم ولا يرمي بهم إلى لعبة الدروس الخصوصيّة التي أصبحت أداة تفرقة بين الأساتذة في مستوى العيش وكذلك حرص التلميذ والطالب فهو مرتبط بما يراه في أفقه من إمكانيات نجاح وشغل وهو ما يتطلّب مراجعة سياسة التشغيل وفتح آفاق جديدة في هذا الإطار... أمّا الولي فهو أكثر الناس ضياعا وسط هذه المنظومة التي أصبحت بمثابة الحضيرة المفتوحة التي لا تنتهي أشغالها أبدا. ------------------------------------------------------------------------ ------------------------------------------------------------------------
النتائج المدرسية تدعو من جديد لمراجعة الخيار التربوي بقلم: سامية زواغة مع قرب نهاية كل موسم دراسي تشرئب أعناق التلاميذ والطلبة لحصد ثمار عام من الجهد والبذل المتواصل أملا في النجاح والتفوق المستحق الذي يريد أصحابه من ورائه التقدم في العلم ودخول كليات متميزة تحقق لهم طموحاتهم وتضمن لهم مستقبلا أفضل وها نحن هذه الأيام نعيش على وقع هذه الأجواء الساخنة التي ستحسم مصير الكثير من شبابنا والتي سخرت لها وسائل الإعلام الكثير من الحزم والدعاية لإرضاء حاجيات الجميع للمعلومات عبر الإرساليات القصيرة وبعد الإعلان عن النتائج ذكرت الإحصائيات أن عدد الناجحين من الذكور قد بلغ و 26345 تلميذا بنسبة 39.02 % ونسبة الناجحين من الإناث قد بلغت 41.175 تلميذة أي بنسبة60.98 %كما تشهد النتائج الدراسية في السنوات الأخيرة تفاوتا لافتا في المعدلات سمته البارزة تراجع نسبة المتفوقين واتساع نسب الفاشلين بحيث تقلصت أعداد تلاميذ وطلاب الطبقة الوسطى . في هذا الإطار من التأمل يمكن أن نسوق ملاحظتين أولاهما تفوّق الإناث على الذكور بدرجة الضعف تقريبا وثانيهما الفجوة الكبيرة بين المعدلات بصورة غابت فيها تقريبا الدرجات الوسطى فما هي الدلالات التي يمكن أن تحملها هذه النتائج وإلى أيّ مدى حققت المنظومة التعليمية مساعيها في الرقي بمستوى التلميذ وضمان جودة التعليم ؟ إن تفوق الإناث على الذكور في التعليم له دلالات ومؤشرات هامة في المستقبل على صعيد رفع مكانة المرأة في المجتمع ودخولها بقوة سوق العمل مؤكدة جدارتها في تبوأ المراكز القيادية العليا وهي قادرة على الإبداع طالما أثبتت تفوقها في كل المجالات وعلى رأسها التعليم الذي يعتبر رأسمالها وسندها في الحياة إضافة إلى الظروف الحياتية الصعبة التي تعيشها أغلبية الأسر وضبابية الأفاق التي يرتقبها غالبية التلاميذ والطلاب بسبب الخوف من ظاهرة البطالة التي يشهدها واقع التعليم اليوم كما يمثل العامل والبيئة الاجتماعية التي تعيشها الإناث دافعا قويا لهن للتفوق والنجاح بحيث يقضين معظم أوقاتهن في المنزل، وبالتالي لا يجدن أمامهن سوى الدراسة، إضافة إلى التغيير الذي طرأ على ثقافة الفتاة وتفكيرها بحيث لم تعد تقبل أن تكون رهينة المنزل بل أصبحت تضاهي الذكور وتطلب المساواة مع إدراكها أن التعليم هو مستقبلها ومخرجها من هذا المأزق الاجتماعي، وبالتالي عندما تتفوق في التعليم فإنها توجه رسالة للمجتمع أنها ليست طرفا مكملا للمشهد بل هي طرف متميز ويستحق كافة حقوقه دون انتقاص كما أن الفتيات اليوم أصبحن ملزمات بحكم ظروف العيش ومن أجل ضمان التكيف في الحياة الزوجية بأن يحصلن على شهادة التعليم الثانوي أو الجامعي، ومن ثم السعي للحصول على وظيفة يشاركن عبرها في تحمل أعباء الحياة . أما بالنسبة لقضية التفاوت الكبير في الدرجات فإن له من الدلالات الشيء الكثير خاصة مع تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية وتراجع الأداء المهني في منظومة التعليم العمومي و بروز ظواهرالمتاجرة أو الاستثمار في الطاقات الشابة من خلال التوزيع العشوائي لصكوك النجاح وإخضاعها لمقاييس المال والقدرة المادية بعد انتشار التعليم الخاص الذي اخضع المسألة التعليمية لقواعد الربح والخسارة، وتغاضي سلط الإشراف عن أمر المتاجرة في عقول الصغار في وضح النهار وخطورتها على العملية التعليمية والفائدة العلمية بل على مصير هؤلاء الشباب الذين يمثلون زهور المستقبل الذي هو في الحقيقة مستقبلهم ومستقبل الوطن لكن وإن أرجعنا هذه المسؤولية إلى المشرفين والمروجين لمثل هذا النوع من التعليم فإن كبير المسؤولية يوجه بالخصوص إلى القائمين على العملية التعليمية بسبب ضعف الأداء الحكومي وغياب دور وزارة التربية في مراقبة المدارس ومتابعة سير التدريس و التي ساهمت في انتعاش هذه الظواهر خلال العقود الأخيرة وتردّي الواقع التعليمي الذي أصبح يحث الكثير من الطلاب على تحصيل الدرجات وبأي وسيلة، سواء كانت دروسا خصوصية أو نتيجة سهلة من مدرسة خاصة أو غير ذلك وهذا من شأنه أن يسيء إلى العملية التعليمية، ويرسخ نظرة ضيقة للتعليم، ، بل مدمرة لمستقبله؛ لأن النجاح السهل يعني الفشل الواضح، فالنجاح الذي لا يستند إلى استيعاب وفهم وفكر ومذاكرة ومتابعة من قبل الطلاب، لا قيمة له في المراحل القادمة ولا في ميدان العمل. وبناء على هذا الواقع نأمل أن يغير القائمون على منظومة التعليم نظرتهم للواجب التربوي ولمقاييس النجاح والتفوق. فنحن لا نريد أن يصيب شواهدنا التعليمية ما يصيب "الماركات" التجارية من احتيال و غش و تزوير ومضاربة على الحاجات الإستراتيجية لمستقبل البلاد وأجيالها والتي تضر بسمعة العملية التربوية برمتها، وتذهب بجهود المخلصين في حقل التربية والتعليم أدراج الرياح، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسترخص العملية التربوية أو ننزل بها إلى سوق المضاربات والمزايدات، لأننا في هذه الحالة نزايد على مصير أمة كاملة. بل نحن في حاجة إلى حل ومراجعة عميقة لإنقاذ هذا القطاع وإخراجه من بوتقة الأزمات التي أصبحت تحاصره من كل جانب سواء من الإدارة أو سلط الإشراف أو الأنظمة والبرامج. فقطاع التعليم هو وحده الذي يمثل القاطرة الحقيقية للتنمية والازدهار المادي والمعنوي الذي يضمن كرامة الأمةوليست المعادن والثروات التي تحولت إلى نقمة على من لم يحسن استخدامها ويدرجها في سياق تنمية الإنسان.