مخرجات تونسيات وشرقيات : خطاب الغرائز مقدم على خطاب العقول
المرأة التونسية اليوم بدأت تتسرب إليها شيئا فشيئا بعض الأفكار الرجعية التي قد تضيّع عليها العديد من المكاسب التي حصلت عليه المخرجة التونسية سلمى بكار
لست ضد ان تظهر المرأة نصف عارية في فيلم سينمائي ولابأس في أن تظهر عارية تماماً في حال سمحت الرقابة بذلك المخرجة المصرية إيناس الدغيدي
الحوار.نت - لم تخل السينما التونسية خاصّة والعربية عامّة من التطاول والجرح والتجاوز وتسريب الثقافات الدخيلة وعولمة بعض المفاهيم الأخلاقية لصالح طرح معين، لكن لم يصل هذا إلى درجة الفعل المركز الممنهج وكانت أهداف السنما التغريبية تمر عبر قنوات غير مباشرة لم تتخلص تماما من "عقدة " الحياء وهي في ذلك تراعي بعض طبائع المجتمع وخصوصياته ، أمّا اليوم فأصبحنا نشاهد عربدة سنمائية تقودها ثلة من المخرجات العربيّات، فمن تركيز المخرجات التونسيات تركيزا كاملا على الرجل الغول، الرجل المجرم المتوحش، الرجل المغتصب الخائن الشاذ.. من إصرار سلمى بكار وكلثوم برناز ونادية الفاني و"الرائدة" مفيدة تلاتلي على اعتبار الرجل المسؤول الأول والوحيد على مأساة المرأة ومسؤوليته تأتي قبل البطالة والخصاصة والفيضانات والزلازل وثقب الأوزون، من الدعوة المركزة عبر الصورة والنص لفصل التلازم بين المرأة والرجل استعدادا لنعي الأسرة والزواج والشراكة والبناء والعش الدافئ.. من هذا الهدف المعد للقنص من طرف مخرجات تونسيات يفترض أنّهن بنات مجتمع له أولوياته ومشاغله التي تتطلب الانغماس فيها والعمل على تذليل صعابها اليد في اليد رجالا ونساء، من مخرجات تونسيات مسكونات بعداء الجنس الآخر إلى مخرجات شرقيات مدمنات إسفاف وتردي تأتي على رأسهن المصرية إيناس الدغيدي التي أنهت سلسلة أفلام الجنس والإغراء لتتعداها إلى أفلام الشذوذ والتنظير لعلاقات جنسية مرضية "نساء نساء ورجال رجال" ومحاولة تقديمها في شكل طبيعي سلس يسهل هضمه وتسريبه وإنتاجه على أنه حالة من التنفس الذي يندرج تحت الحريات الشخصية، ثم هي لم تكتفِ بذلك لتخرج على الرأي العام بتصريحات يستنكفها حتى رواد الحانات وهم في أعلى درجات سكرهم، فتطالب بالترخيص للدعارة وتعتبر الحياة الجنسية خارج الروابط الزوجية حياة عادية تدخل ضمن الحريات وتلبية لرغبات مشروعة، وتصرح بأنّ الرقابة تحول بينها وبين إظهار المرأة في أفلامها عارية تماما ثم تظهر على الفضائيات معلنة أنّ لديها اكتفاءً جنسيا، وأنّ الحرمان الجنسي تعانيه الفنانة الفلانية هكذا بشكل ماجن وأمام الملايين !!! مستوى من التراشق على الفضائيات تعدى أشد الخصومات فجورا.
مصنع المخرجات بصدد إعادة إنتاج لعدة مفاهيم، إنّهن منهمكات في طرح نماذج من الأعداء الجدد في الأسواق، حالة سنمائية ممسوسة تسحب الأعداء الأصليين من السوق، تسحب الإحتلال والتسلط والجريمة والفقر والانتحار والجوع وتستبدلهم بالأعداء الجدد الرجل ، الأب ، الأخ ،الزوج ، الابن، الأخلاق ،الدين ، الحشمة ، العورة ، الستر ، الخصوصيات ، التقاليد ،الآداب ، القيم.. كل هذه المفاهيم عرضة لنيران مكثفة من لدن مخرجات يعتبرن كل هذه قيود خانقة ويتعاملن معها كما يتعامل الثور الهائج مع قطعة القماش الحمراء.
أفلام وصور ومضامين لا تستدعي المتابع ثقافيا ولا سياسيا ولا اجتماعيا إنّما تحرك فيه رواكد اللذة وتستدعيه الصور في بعدها الغرائزي ويسقط في الشدّ الجنسي لا يترقب الفكرة القادمة بذهنه إنّما يترقب اللقطة المقبلة بغريزته، إنّهم لا يقدمون مصنفات فنيّة إنّما يتسابقون في تأليفات وتوليفات جنسية يهشمون بها الثوابت ويهشون عنها الرقابة ما أمكنهم، ولو كتب وفرغت مثل هذه الأعمال من المشاهد والإيحاءات الجنسية لكانت أي شيء آخر ما عدى أن تكون عملا سنمائيا أو شيئا من قبيله.
لقد رفضن هؤلاء المخرجات التعامل مع المرأة كقيمة فنية وإقحامها في أعمال ذات مضامين توظف فيها قدراتها الإبداعية واخترن استبعاد قيمة الفنان الرسالي بداخل الممثلة واستأجرن أجسادهن لتحريكها وتقليبها وترويضها أمام عدسة الكاميرا، لقد كان أولى بهذه الطائفة من المخرجات وهن قد تبنين مشاغل ومشاكل المرأة ويسعين للارتقاء بها إلى الشراكة الكاملة مع الرجل، كان أولى بهن أن يفجرن طاقاتها الإبداعية لا أن يكرسنها ويثبتنها كمركزا مؤمما للشهوة والغريزة.
أخطر ما في سوق السنما التونسية أنّها أعدّت وبرمجت خصيصا لمعاداة الأعمال الجادة الهادفة، فقد قامت بغزو ممنهج لعقلية المستهلك بالتواطئ مع أعلى مؤسسة للثقافة في البلاد وجهات أخرى داخلية وخارجية ووصل هذا الحصار والتآمر إلى حدّ إجهاض أول فيلم تونسي يتطرق إلى القضية الفلسطينية ويصور أحداث عمليات فدائية ضد الاحتلال، ففيلم " قريتي " لمخرجه محمد الهمامي ومنتجه الدكتور الحبيب بن فطيمة من فرط حصاره وتهميشه عرض في دور السنما ليوم واحد فقط لا غير ثم اختفى إلى الأبد، في مقابل ذلك عرضت أفلام الجنس والغريزة لسنوات ودعمت من طرف الجهات الرسمية دعما ماديا ومعنويا سخيا وحصدت إرادات خيالية ومكنتها السلطات الثقافية وما خلفها من تزعم الحالة السنمائية في تونس ليطبع هذا الفضاء بالجنس والغريزة وكشف المستور.
إنّ هؤلاء المخرجات لم يقمن كما زعمن بالدفاع عن المرأة واستنقاذها من الاستغلال والانتهازية والاستعمال والتشيء، لقد صرخن في المخرج الرجل نحن أولى ببنات جنسنا منك ونحن أقدر على استعمال جسد "حوائنا" وتفجير ما تزخر به بنات جنسنا من قدرات ، نحن أدرى بمكامن الشهوة وأقدر على تهيئة الجسد وتجهيزه ومن ثمة تهييج النائم فيه ليلتقط الأضواء ويلتهم المعجبين.
الجلبة التي رافقت عملية الإنقاذ التي نفذنها طائفة المخرجات وعملية استخراج المرأة من صنارة الرجل وما رافقها من ضجيج كانت توحي بأنّنا أمام عملية تحرير تاريخية لها ما بعدها، فإذا بالسيدات المخرجات ينزعن المرأة من صنارة الرجل المخرج ليضعنها في سلتهن ولعمري إنّ الصنارة أرحم، فهناك تتوفر إمكانية التخبط وفرصة الإفلات ، أمّا في السلة فالفريسة هاجعة مستسلمة مخدرة تحت رحمة العدسة الأنثى.