أثار قرار المحكمة الابتدائية بتونس العاصمة الصادر أمس الثلاثاء 14 جويلية 2020 ضد "المدونة" آمنة الشرقي والقاضي بسجنها ستة أشهر بتهمة "الدعوة والتحريض على الكراهية بين الأديان والأجناس والسكان، وكذلك بغرامة مالية بقيمة ألفي دينار، أثار العديد من ردود الأفعال . فقد عبر العديد من الحقوقيين والأساتذة الجامعيين عن مساندتهم للشرقي التي تمت إدانتها بعدما تداولت على الإنترنت نصاّ فيه محاكاة بعنوان "سورة كورونا" اعتبره البعض سخرية من القرآن الكريم وقرر التحقيق بعد سماعها بالمحكمة الابتدائية بتونس أن يوجه إليها تهمة "المس بالمقدسات والاعتداء على الأخلاق الحميدة والتحريض على العنف"، علما أنه لم يتم توقيفها آنذاك. فقد اعتبر بعض مساندي الشرقي أن إدانتها تدل على جهل قاتل وانغلاق ذلك أن "سورة الكورونا" تسمى في الأدب العربي "التناص" أو "المحاكاة الشكلية" وهو كذلك "فن المعارضة" حسب المختصة في النقد الأدبي بجامعة منوبة سلوى السعداوي التي عبرت عن مساندتها للآمنة الشرقي على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فايس بوك" وأضافت الأستاذة موجهة كلامها للقاضي الذي حكم بسجن المدونة: "عفوا سيدي القاضي، لا أعتقد أنّ الله سيعاقب الفتاة لأنّها حاكت لغة القرآن: تسمى هذه الطريقة المحاكاة الشكلية وفنّ المعارضة..وكان الأدباء يقتبسون لغة القرآن ويضمّنون نصوصهم النثرية والشعرية آياته البديعة البليغة . وأضافت أنها لا تعتقد أنّ شغف الفتاة المتهمة الإبداعي هو المحفز للمحاكاة ، كما لا تعتقد أيضا أنها قصدت الإساءة إلى القرآن ..بل "إنها طفلة تلعب باللغة مستحضرة نصّ القرآن..نعم إنها لعبة جميلة تمتعت بها الطفلة فكانت نتيجتها السجن..وستكون الصدمة قوية نفسيا." من جهتها عبرت الأستاذة في علم الاجتماع فتحية السعيدي عن تضامنها الكامل مع آمنة الشرقي و نشرت على صفحتها الرسمية على موقع "فايس بوك" سورة "الستات" التي كتبها بيرم التونسي وهي محاكاة لسورة "النساء" في القرآن الكريم والتي تقول كلماتها: "يا أيّها المحافظ إذا أبصرتم النّساء يقصّرن ملابسهنّ، ويبدين صدورهنّ، فأصدروا لهنّ منشورا ۞ ألاّ يتخطّطن ويتحكّكن ويقوّرن الثّوب تقويرا ۞ إنّما الأحمر والأبيض والكحل والأقلام زينة من عمل الشّيطان، وليست شيئاً مشكورا ۞ صنعة الله التي تعجب المتّقين من الرّجال، ولا يعجب الأحمر إلاّ رجلاً غفيرا ۞ وقل للمتزوّجات يسترن أفخاذهنّ، ويغطّين سمّانات أرجلهنّ، ولا يلبسن فستاناً قصيرا ۞ ذلك بأنّهنّ تزوّجن، ومن تتزوّج فقد فازت فوزاً كبيرا ۞ العانسات والأبكار يغسلن وجوههنّ، ويمشّطن شعورهنّ، ولا يضعن جبساً ولا جيرا ۞ ليعلم الذين يخطبون ذات البعل وغير ذات البعل وكفى بذلك تفسيرا ۞ ما كان لرجل يتبع المرأة وهو مؤمن، إنّ الرّجل كان خنزيرا ۞ يا نساء الشّعب إن يملك منكنّ الرّجال أغراضهم فلن تتزوّجن أبدا، ولو أعجبتهنّ كثيرا ۞ الرّاقصون للرّاقصات، والصّرماحون للصّرماحات، والمعلّمون للمعلّمات. ولا تتزوّج شريفة خنزيرا ۞ حرّمت على المؤمنات السّمكة والأساور من القشرة والحجل، وما جعل الله من أرجلهنّ جنزيرا ۞".. ونشرت الأستاذة الجامعية ألفة يوسف تدوينة على حسابها الشخصي عبرت فيها عن تعاطفها مع المدونة آمنة الشرقي معبرة عن رفضها لحكم القضاء القاضي بسجن الفتاة ستة أشهر "لمجرد محاكاة ساخرة لأسلوب القرآن وهو أسلوب عمد اليه قدماء الكتاب والأدباء ومحدثوهم". وكتبت الأستاذة بدورها نصا في محاكاة لسورة المسد تقول فيه: " تبت يدا كل جاهل وتب... ما أغنى عنهم قضاؤهم وما كسب وزبانيتهم حمالة الحطب ... في جيدهم حبل من مسد... اللهم لا تؤاخذنا بجهلهم، وارحمنا منهم في أقرب الآجال، انك مجيب الدعاء. فالعديد من الأساتذة الجامعيين والمثقفين أكدوا أن هذا الأسلوب في الأدب قديم واعتمده كبار الأدباء والكتاب، . ومثالها السّيوطي في "رشف الزّلال من السّحر الحلال"، والمعرّي في "رسائل الغفران" و "الفصول والغايات" وعند المعاصرين مثل بيرم التونسي. غير أنّ المحاكاة تتجلّى أكثر في شعر العرب. ففي بعض الاقتباسات القرآنية التي نجدها في بعض الأشعار القديمة كما هو الحال مع قصيدة الشاعر أحمد بن محمد بن زيد التي يقول فيها : سل الله من فضله فإن التقى خير ما تكتسب ومن يتق الله يجعل له وبرزقه من حيث لا يحتسب كذلك "رسائل الغفران" للشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري التي رد فيها على رسالة أديب وشيخ حلبي يعرف بابن القارح، فوصف حاله بعبارات استقاها من الآيات القرآنية من قصة الإسراء والمعراج ورسالة الغفران عبارة عن رسالة يصف فيها المعري أحوال الناس في الجنة وفي الجحيم. وينقد المعري في كتابه معتقدات معينة ويسخر من الواقع الاجتماعي والسياسي السائد آنذاك. كما وجه سهام النقد إلى فكرة "صكوك الغفران"، ومن سماهم بشعراء المال الموالين للحكام، فيصور مآلهم في الآخرة وهم مقيدون بالسلاسل. كذلك في شعر أبي تمّام تقع الآيات والمفردات القرآنيّة من البيت موقع القافية. من ذلك قوله: وبيّن الله هذا من بريّتهِ في قوله "خُلقَ الإنسانُ من عَجَلِ" فقد ضمّن أبو تمّام جزءا من الآية السّابعة والثّلاثين من سورة «الأنبياء»: «خُلقَ الانسانُ من عَجلٍ سأوريكم آيتي فلا تستعجلون»، من دون أيّ تغيير؛ وتمّ له ذلك من دون عنت لأنّ هذا الجزء «موزون»: (فعلن/ مستفعلن/ فعلن) كما هو الشّان في كثير من آيات القرآن. وقوله: السّالباتُ امرءا عزيمتهِ بالسّحر والنّافثاتُ في عُقَدِهْ فالقافية في البيت الثّاني، مأخوذة من سورة «الفلق»: «ومن شرّ النّفّاثات في العُقد»، وقد أجرى الشّاعر عليها ما أجرى، من استبدال صيغة المبالغة «فعّال» بصيغة اسم الفاعل، وإحلال التّركيب بالإضافة «عقده» محلّ الاسم المجرور «العقد»، حتّى يناسب المعنى. وقوله: ومَنْ يأذنْ إلى الواشين تُسْلَقْ مسامعهُ بألسنةٍ حِدَادِ فالتّركيب بالنّعت «ألسنة حداد» مأخوذ من الآية "سلقوكمْ بألسنةٍ حِدادٍ" فالمحاكاة أسلوب في الأدب قديم واعتمده كبار الأدباء والكتاب، لكن رغم ذلك يصدر قرار قضائي بسجن ألفة الشرقي ولمدة ستة أشهر سالبة للحرية، فهل هو جهل لأدبنا وثقافتنا العربية الإسلامية أو هناك أسباب لا يعلمها إلا الله من أجلها أدينت الفتاة.