الجريدة إبراهيم بوغانمي منذ فترة لم أر زملائي من الإعلاميين والصحفيين متعلقين بسماع خبر أو ينتظرون نتيجة كما رأيتهم أمس. وعادت بي الذاكرة إلى الأمس القريب عندما كنا صحفيين وإعلاميين في قصر المؤتمرات بالعاصمة ننتظر من هيئة الانتخابات الإعلان عن نتائج انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011. كانت تجربة أولى في حياتنا المهنية ونحن نواكب انتخابات حقيقية وكان طبيعيا أن تتملكنا مشاعر مختلطة. لكن ما رأيته أمس من زملائي في الإذاعات والتلفزات التي تكاثرت بعد الثورة لم أفهمه في البداية على اعتبار أنهم لا ينتظرون 'ترخيصا أو ''باتيندا'' من نظام دكتاتوري بقدر ما ينتظرون إذنا بالعمل نظرا لاستيفاء الشروط التي وضعها كراس الشروط وهنا السؤال الأخطر: أين كراس الشروط الذي وضعته الهايكا من قرار الهايكا نفسها كسلطة تعديلية؟ ثم هل من توضيح لأصحاب الشأن وللرأي العام لماذا قُبلت ملفات بعينها ولم تٌقبل أخرى وهذا في رأيي يتطلب عقد ندوة صحفية للغرض. قناة التونسية المثال الأقرب إلى الأذهان والقناة الأولى من حيث نسب المشاهدة أغلب فترات العام أصيب صحفيوها وتقنيوها وإداريوها أمس بالصدمة ودخلوا في حالة ذهول بعد أن كانوا متأكدين أن ملفهم يستجيب لللمقاييس والمواصفات التي حددها كراس الشروط. القناة أعدت برمجة خاصة وصفتها بالمحترفة تنطلق في 15 سبتمبر الجاري رُصدت لها أموال طائلة ولكن العاملين فيها يتوجسون من الإحالة على البطالة بعد أن رُفض مطلب قناتهم للعمل في كنف ''الشرعية''. وبمناسبة الحديث عن الشرعية يقول البعض ممن تحدثت إليهم من داخل القناة إنهم يشعرون بالحيف فقناتهم سُجن باعثها وتلك شرعية نضالية أو ''سجنية'', وقناتهم كانت من أولى القنوات بعد الثورة وتلك شرعية تاريخية, وقناتهم قدمت البديل واستجابت للذوق العام في تونس وحصدت نسب مشاهدة مرتفعة وتلك شرعية شعبية. بقيت شرعية الهايكا التي لم تنعم بها على القناة وتلك أهم الشرعيات التي تضمن للتونسية مواصلة العمل خاصة وأننا على أبواب انتخابات رئاسية وتشريعية فكيف سيتم التعامل مع قنوات وإذاعات لم تُمنح الترخيص مثل التونسية. قناة التونسية ملفها يبدو معقدا فهي مصنفة ''قناة أجنبية'' وقالها مرة الإعلامي معز بن غربية على الهواء على قناة التونسية نفسها في رده على الهايكا, هذا من جهة ومن جهة أخرى تراقب الهايكا محتوى برامجها وتسلط عليها العقوبات المالية وتأمر بإيقاف برامجها وفي هذا اعتراف بوجودها في المشهد الإعلامي. فأي مكيال يمكننا أن نصنف على أساسه قناة التونسية خاصة أثناء الحملة الانتخابية المرتقبة؟؟ من بين الإذاعات والتلفزات العديدة التي لم تُمنح ترخيص البث بناء على قرار الهايكا الصادر أمس اخترتُ الحديث عن قناة التونسية لأن وضعيتها تحولت إلى مثال متشعب حريّ بالدرس والتحليل والتعليق دون أن نسقط في فخ نظرية المؤامرة ومع الالتزام الكامل باحترام قرارات الهايكا. وفي الأخير أود أن أضيف التساؤل التالي: الإذاعات التي عملت بمنطق ''الأمر المقضي'' وقرصنت ذبذبات وبدأت تبث برامجها بطريقة غير قانونية ''نشّزت'' المشهد السمعي ولم تُمنح ترخيص البث من الهايكا كيف سيتم التعامل معها هل سيتم إغلاقها بالقوة العامة بمقتضى قرار قضائي حتى يتم تنظيم المشهد السمعي البصري وحتى لا تسطو دون وجه حق على حقوق ونصيب الإذاعات المرخص لها في سوق الإشهار بصفة خاصة؟ وفي المقابل كيف يمكننا أن نحترم حرية التعبير وهو مبدأ أساسي في مفهوم الديمقراطية لو أجبرت هذه الإذاعات على الإغلاق وتم إسكات صوتها؟ معادلة تحتاج إلى تنسيب وتحديد دقيق لجرعات تمتزج فيها روح القوانين بروح الواقع الإعلامي بروح هذا الشعب الذي هو المتلقي والمستهلك لهذه المادة الإعلامية.