اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    ما الجديد في قضيتي بسيس و الزغيدي ؟    تنبيه/ بداية من منتصف نهار اليوم: هذه المناطق دون ماء..    حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم بالقيروان..    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل 3 مقاتلين ليبيين في اشتباكات مع مهربين قرب الحدود مع الجزائر..    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    غوارديولا يحذر من أن المهمة لم تنته بعد مع اقتراب فريقه من حصد لقب البطولة    أغلبهم متطفّلون وموجّهون .. «الكرونيكور» قنبلة موقوتة تهدّد إعلامنا    عاجل/ مع انتهاء آجال الاحتفاظ: هذا ما كشفه محامي مراد الزغيدي..    غوغل تكشف عن محرك بحث معزز بالذكاء الاصطناعي    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    في يومها العالمي.. الشروع في اعداد استراتيجية وطنية جديدة للنهوض بالأسرة    الترجي يستعدّ للأهلي ..دخلة «عالمية» ومنحة «ملكية»    رالي تانيت للدراجات .. نجاح تنظيمي باهر    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    ضجة في الجزائر: العثور على شاب في مستودع جاره بعد اختفائه عام 1996    كيف سيكون طقس اليوم الأربعاء ؟    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    ر م ع ديوان الحبوب: الاستهلاك المحلي بلغ معدل 36 مليون قنطار من القمح الصلب والقمح اللين والشعير    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    ماذا في لقاء وزير السياحة بوفد من المستثمرين من الكويت؟    القيروان: حجز حوالي 08 طن من السميد المدعم    6 علامات تشير إلى الشخص الغبي    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    وزير الفلاحة يفتتح واجهة ترويجية لزيت الزيتون    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    عاجل/ الداخلية: لسنا السبب في التهشيم بدار المحامي    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    تفاصيل القبض على تكفيري مفتش عنه في سليانة..    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    مشادة كلامية تنتهي بجريمة قتل في باجة..#خبر_عاجل    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    معهد الاستهلاك: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويا في تونس    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعمار الثقافي وجذور الفرنكوفونية..

ليس صحيحاً أن الدعوة الفرنكوفونية وليدة حقبة التعريب في المغرب والمغرب العربي استطراداً ومجرّد تعبير عن حالة من الخوف والهلع من رؤية الميراث الثقافي واللغوي الفرنسي مرمياً على قارعة الطريق، أمام محاولة أبناء هذا البلد وهذه المنطقة استعادة لسانهم المُغتصب والمُصادر، وإن كان في ذلك نصيب من الصحة ليس يُنكر. بل الأولى القول إن وطأة تلك الدعوة اشتدت في حقبة التعريب هذه، وفي امتداد الحقائق الثقافية التي أطلقتها على صعيد الاجتماع الوطني برمَّته. أما الحَرِيُّ بالعناية والتسجيل في هذا الباب فهو أن الفكرة الفرنكوفونية قديمة قدم المشروع الاستعماري الفرنسي في بلادنا ومحايثة له، بمثل ما هي باقية وستبقى ما بقي في جعبة فرنسا بصيص من تطلع إلى مقاربة عالمنا بعين كولونيالية لا ترى في مجتمعاتنا غير أملاك استعمارية تقدم لها الجزية الثقافية عن حيازتها حقاً في الاستقلال الوطني.
كانت فرنسا في جملة أبكر الدول التي خاضت تجربة الاستعمار في نهاية القرن الثامن عشر، بُعيد ثورتها الكبرى في العام 1789. ومن سوء الصدف ان تكون أرض الكنانة (مصر) أولى استهدافاتها بعد جوارها الأوروبي الذي خرَّ مستسلماً بحراب بونابرت. لكن انقلاب أحوال غلبتها في أوروبا عليها أعاد جيشها إلى موطنه، حتى وإن لم يمنعه من التطاول على مواطن الآخرين وأوطانهم. ولم تكن هي إلا عقود ثلاثة عن خروجها من مصر، حتى زحفت قواتها إلى الجزائر مخرجة إياها من إطار السلطنة، أو الرابطة العثمانية، ومجرّبة إخراجها من إطارها الحضاري والثقافي العربي الإسلامي. وحتى قبل أن تستكمل فصول عملية إطباقها الكامل على المغرب العربي باحتلالها تونس في مطالع عقد الثمانينات من القرن التاسع عشر واحتلالها المغرب في مطالع العقد الثاني من القرن العشرين كانت صريحة في الجهر بطبيعة استعمارها وتميزه عن سائر أشكال الاستعمار الأخرى التي جايلته، وأخصَّها بالذكر الاستعمار البريطاني.
ففرنسا ما كانت تكتفي من مستعمراتها بما يطلبه منها سائر ملل الاستعمار ونِحِله: نهب الثروة، وجلب العمالة الرخيصة، وتأمين السوق للسلع الرأسمالية، وتوفير مواطئ قدم للجيوش البرية والبحرية، وقاعدة بشرية تستخدم لأداء السُّخرة العسكرية في جيش المحتل، كانت تطلب أكثر من ذلك بكثير: إنجاز جراحة ثقافية ولغوية تستتبع المستعمر للمستعمر، وتأتي بمعاول الهدم على استقلال شخصيته وكيانه، فتدفعه إلى اقتداء الغالب والإذناب له، والتماهي معه، وفقدان القدرة على وعيه لذاته إلا في علاقته الانجذابية به! فعلت ذلك بنجاح عزيز الأشباه والنظائر في "إفريقيا السوداء"، مستثمرة بُناها القبلية والاجتماعية الانقسامية المفتتة، وغياب عوامل التوحيد الثقافي واللساني في الأغلب الأعم من مجتمعاتها، ثم جرّبت تكرار ذلك النجاح في الجزائر ابتداء ثم في سائر بلاد المغرب العربي تالياً.
ولعلّ فرنسا بهذا الخيار: خيار الاستعمار الثقافي كانت أحدَّ ذكاء من سائر الدول الاستعمارية التي شغلتها شهية النهب الاقتصادي للخيرات عن السعي إلى إحراز أهداف أخرى بعيدة المدى، عظيمة العائدات. كانت تدرك على نحو حاد أن حقبة الاحتلال الاستعماري حقبة انتقالية في تاريخ البشرية، وأن جيوش الغزاة لا بد منكفئة يوماً إلى حدودها بعد أن تحقق مقاومة الشعوب المستعمرة القدر الضروري من التراكم الذي به تجبرها على ذلك الانكفاء. لذلك انصرفت بعناية إلى توفير شروط ديمومة سيطرتها في المستعمرات حتى بعد اضطرارها إلى الجلاء عنها، وأفرغت جهيد جهد للاستيلاء على العقل واللسان والوجدان استدراراً لصلة اتباع يرتبط بها المغلوب بالغالب رباط زواج كاثوليكي عصي على الفهم، ولقد كان ذلك في أساس عناية السياسة الاستعمارية الفرنسية بما من شأنه أن ينتج الشروخ والفواصل العميقة في النسيج الاجتماعي والوطني لمستعمراتها، وعنايتها بنظام التعليم في تلك المستعمرات. ولعله من حسن حظ المغرب، وتاريخه، ومستقبله، أن الحركة الوطنية وَعَتْ هذه الاستراتيجية الفرنسية مبكراً، وقدمت رداً وطنياً حاسماً عليها من خلال فتحها المعركة ضد "الظهير البربري" الذي سعى إلى شق الوحدة الوطنية والكيان من خلال محاولة التفرقة بين العرب والبربر في النظام العدلي كما من خلال انشائها "المدارس الحرة" الوطنية للدفاع عن اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في وجه محاولات الفرنسة اللغوية والثقافية في النظام المدرسي الفرنسي المفروض على أبناء المغاربة.
نجحت فرنسا بهذا الخيار الثقافي الاستعماري في مسخ الشخصية الثقافية واللغوية للمجتمعات الإفريقية التي استعمرتها. ويكاد لا يوجد اليوم مجتمع إفريقي باستثناء المغرب العربي لا تمثل اللغة الفرنسية لغته "الوطنية" الجامعة. ومع أن فرنسا فشلت في أن تئد اللغة العربية أو تخرجها من الميدان في بلدان المغرب العربي، كما فعلت بنجاح في سائر مستعمراتها الافريقية، إلا أنه سيكون من باب المكابرة الوطنية الجوفاء الادعاء بأنها لم تحرز نجاحات هائلة في مجال تحقيق هدف الاغتصاب الثقافي واللغوي في بلداننا، والشواهد على ذلك اليوم وافرة: يكفي أن لسان فرنسا ما زال، حتى الآن، لسان الإدارة في هذه البلدان، ولسان التعليم فيها من الطفولة حتى الكهولة، والرأسمال الأمثل لتنمية الموقع الاجتماعي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.