يواجه عدد كبير من أصحاب الشهادات العليا في تونس أزمة اجتماعية وصفها بعضهم بأنها خانقة نتيجة استمرار ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم، وهو ما دفع البنك الدولي إلى توجيه انتقادات للحكومة لفشلها في تجاوز هذه المعضلة. ويقول التقرير، الذي نشر مؤخرا، إنّ النموّ الاقتصادي الذي حققته تونس عام 2009 المقدر ب3.1% لم ينجح في خلق فرص عمل كافية لامتصاص نسبة البطالة التي استقرت في حدود 14.1%، حسب أرقام رسمية. ويعاني أصحاب الشهادات العليا، الذين يشكلون 57% من إجمالي طلبات العمل الإضافية في تونس (70 ألف طلب شغل إضافي كل عام)، من ظروف مادية ونفسية قاسية بسبب فشلهم في اكتساب مورد رزق ثابت. ويقول محمد علي الجلاصي (35 عاما) الحاصل على بكالوريوس في الإعلام، إنه تخرّج منذ عام 2002، لكنه لم يوفق حتى الآن في الحصول على وظيفة قارّة في ميدانه رغم كل المحاولات التي قام بها. ويضيف للجزيرة نت "لقد عملت في شركة مختصّة في الإعلام لفترة قصيرة جدّا لم تتجاوز ستة أشهر، دون عقد عمل وبأجر متدنّ (...)، ولم أستطع الحصول على تمويل بنكي من الحكومة لإنشاء مشروع لحسابي الخاص، لأنّي لا أملك أية ضمانات لتسديد القرض". وفشل هذا الشاب في اجتياز جميع المقابلات التي أجراها مرارا منذ تخرجه للتأهل لوظيفة حكومية، وربط فشله هذا بالمحسوبية والفساد المستشري داخل بعض المؤسسات العمومية، على حدّ قوله. " محمد علي ربط فشله في الحصول على وظيفة بالمحسوبية والفساد المستشري داخل بعض المؤسسات العمومية " محاباة ومحسوبية من جهتها، انتقدت منية بن حامد (33 عاما) الحاصلة على بكالوريوس في الاقتصاد ما وصفته بالمحاباة والمحسوبية في طريقة إجراء المقابلات الحكومية التي تطرحها الوزارات والإدارات لانتداب قلّة من المتخرجين. وتتعرض هذه الشابة إلى ضائقة مالية شديدة بسبب حالة الفقر التي تعيشها مع عائلتها المتكفلة بمصاريفها، وهو ما قادها إلى الشعور باليأس والإحباط بعد فشلها في اقتحام سوق الشغل منذ تخرجها عام 2003. ويعيش أصحاب الشهادات العليا الذين طالت بطالتهم حالات من القلق والخوف على مستقبلهم. وسبق أن تصادم متظاهرون في قفصة بجنوب البلاد في صيف 2008 مع الشرطة خلال التعبير عن غضبهم عن تردي الأوضاع وتفاقم البطالة في تلك المناطق التي تعاني من التهميش حسب نقابيين. ويرى بعض المراقبين أنّ آفاق ظاهرة البطالة ستزداد سوءا بين الشباب إلى حدود عام 2020، وهي الفترة التي ستشهد تحولا ديمغرافيا يبدأ في ظله تناقص الطلب على الشغل نتيجة آثار تراجع نسبة الولادات في تونس. الأزمة ستتعقد ويقول الخبير الاقتصادي حسين الديماسي إنّ الأزمة ستتعقد أكثر بارتفاع عدد الطلبة المتخرجين نتيجة عدّة عوامل أبرزها قلّة الطلب على اليد العاملة من قبل القطاع العام والخاص وامتداد الأزمة العالمية. ولا يعتقد الديماسي وجود حلول ممكنة لأزمة البطالة، معتبرا أنّ أن أسوأ الحلول لهذه المعضلة ما وصفه بسياسات الإسعاف التي تقوم بها الدولة كبرامج الإعداد للحياة المهنية، التي تتيح لكل متخرج الحصول على منحة ب150 دينارا (108 دولارات) في الشهر لمدة عام واحد بشرط الحصول على وظيفة وقتية. ولا يؤيد هذا الخبير في حديثه للجزيرة نت مطالب الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة نقابية) لبعث صندوق للعاطلين عن العمل، معتبرا أنّ ذلك سيكون له أثر سلبي على موازنة الحكومة ولا يحلّ مشكلة البطالة أصلا. واعتبر أنّ ضعف القدرة التفاوضية بين تونس وشريكها الأوروبي سيزيد الأمر سوءا طالما لم تربط الحكومة بين تحرير تبادل السلع وتسهيل تنقل البشر بين الضفتين. من جهتها، تقول الحكومة إنّ الهدف خلال عام 2010 هو إيجاد 70 ألف فرصة عمل. ويرتكز برنامج عملها خلال السنوات الخمس القادمة على دفع الاستثمار وتحسين تشغيلية طالبي العمل وتطوير التكوين المستمر.