تونس تتضامن مع القيادة و الشعب الإيراني اثر وفاة "رئيسي"..    هذه الدولة تعلن يوم حداد على وفاة الرئيس الإيراني..    الاهلي المصري يعلن اصابة علي معلول بقطع جزئي في وتر اكيلس    بطولة اسبانيا: برشلونة يحرز المركز الثاني بالفوز على فايكانو    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    حوادث: 08 حالات وفاة و411 مصاب في يوم فقط..!    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    يهم التونسيين : اجراءات جديدة قد ترى النور تتعلق البنوك وغلق الحسابات    كلفته 89 مليون دينار: اليوم انطلاق العد القبلي للتعداد العام للسكان والسكنى    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    غضب وحيرة في جبل الجلود ...أبناؤنا لم يصلوا إيطاليا منذ أسبوعين!    %70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    اليوم: درجات الحرارة لن تتغيّر    عصابة الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية بقبلي .. تعود من جديد والنيابة العمومية تضرب بقوة    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المنستير: الدورة الثانية لمهرجان القريدفة، تأصيل للتراث المحلي لبني حسان    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    تعاون مرتقب في التحوّل التكنولوجي للطقس    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    أخبار الأولمبي الباجي: أمان في البطولة وطموحات عريضة في الكأس    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرتدون: تأريخ للشخصية الغربية (2 من3):

هذا كتاب مهم من ذلك النوع من الكتب التي يمكن تسميتها بذات الحدّين، ولا غرابة في ذلك، فالقلم كما السيف والكلمة كالمنشار، قال ذلك عرب وقد يقوله اليوم غربيون معاصرون، والحكمة ضالة المؤمن بحتمية الصح وفناء الخطأ، وقبل هذا وذاك كل شيء فان الا وجه الحقيقة.
وأكثر من أن يكون هذا الكتاب ذا حدين فهو كتاب حدود، موضوعه يخترق الحدود التقليدية بمعناها الجغرافي المعروف ويرسم لنا عوالم كبقع الزيت الهائم فوق الحدود.
فمن الناحية العملية البحتة كان هذا الكتاب فرصة جيدة لكاتبته المثقفة الغربية المعتدلة الأهواء والجدية التثقيف للتعرف علي زوايا خبيئة من شخصيتها كفرد وكمجتمع، وهو للقارئ الغربي تحسس لحبله السرّي الذي قد يكون قد نسيه كاملا أو نسي بعض أجزائه.
أما لنا فهو سياحة وعلم ومعرفة وتاريخ وجغرافيا وحسرة وتأمل وتعلم، تماما كما تقول الكاتبة عن نفسها نيابة عن قومها، فالآخر نعرفه بالتعرف أيضا علي أنفسنا وتظل لعبة المرايا هذه مهمة لكل من أراد مصارحة نفسه ومعرفة الخبيء من زواياها.
وتبقي ميزة الكتاب الأساسية انه يعالج قصة قوم احتار مجتمعهم الأصلي فيهم فلم يصل لا في الماضي ولا في الحاضر الي رأي نهائي حول انتمائهم، وهؤلاء هم من عرفوا في الغرب بالمرتدين، وفي التسمية هذه تهمة ليس مفروضا علي القارئ تبنيها، فهم مرتدون بالنسبة للكنيسة وقد يكونون مهديون، وهم شبيهون باليهود والموريسكوس الذين اعتنقوا المسيحية مع فارق وحيد ومهم جدا وهو أن المرتدين دخلوا الاسلام طواعية في أغلب الأحيان بينما اليهود والموريسكوس أجبروا علي اعتناق المسيحية ومع هذا عاملهم مجتمعهم الغربي بالشك الدائم والمستمر الذي أفضي في نهاية الأمر الي اجلائهم قسرا عن بلادهم في عملية تطهير عرقي ديني لم يمارسها الشرق أبدا حتي في أحلك أيامه.
علي الحدود 2: الأماكن
تبحث الكاتبة في هذا القسم من الكتاب عن كل تلك الأماكن التي اختلط فيها المسلمون والغربيون وهي في العادة مواقع تقع علي الحدود بين ذينك العالمين مثلت في أغلب الأحيان مساحات مفتوحة للطرفين لأسباب عملية، وبالطبع كانت جزر المتوسط ساحة لهذه اللقاءات وأنتجت صورا للامتزاج الثقافي والتسامح الديني. فجزيرة (لامبيدوسا) التي تتمتع بموقع جغرافي متميز كانت احداها وتروي مذكرات البحارة الغربيين قصة المغارة التي كانت محلا لزيارة البحارة المسيحيين والمسلمين حيث كان فيها قبر لما تسميه المصادر الغربية (مرابطا) وهيكلا للعذراء، وكانت فيها عطايا وهبات من الطرفين كان يستخدمها الأسري والبحارة الفارون من الطرفين بانتظار مرور سفينة صديقة تحملهم الي مكان آمن كما تذكر المصادر. أما الكاتبة فتعتبر طبيعيا أن يحدث مثل هذا التوافق وان يستمر في الحدوث حتي أواخر القرن السادس عشر خصوصا في جزيرة (لامبيدوسا) الواقعة منتصف المسافة بين صقلية وشمال افريقيا لأنها مع جزيرة (بنتيليريا) عرفت استمرارا للوجود العربي حيث عاشت فيها عوائل عربية حتي نهاية القرن الخامس عشر وكانت بها لهجة عربية محلية استمرت في الوجود مثلما حصل في مالطة ايضا حتي بعد أن اعتنق سكانها المسلمون شيئا فشيئا المسيحية علي مذهبها الشرقي. ولا تنسي الكاتبة أن جزيرة (بنتيليريا) كانت تدفع خراجا بقيمة 60 أوقية مناصفة للحفصيين وملوك صقلية مما يعزز من نظرية وجود المناطق المسالمة وغير المنحازة بين العالمين وقد تواصلت لزمن طويل شهرة هذه الجزيرة كساحة لتجارة العبيد والتجارة العامة مع المغرب وجعل منها (روسو) المكان السعيد لكي يعيش فيها (اميليو) بطل أحد أعماله كما تقول الكاتبة. ويمكن تعميم هذه الحالة علي كثير من جزر المتوسط حيث يبدو أن الحدود بين المجتمعين لم تكن ابدا محسومة وظاهرة بل حكمها التداخل والامتزاج بعكس ما كانت تتمني السلطات الدينية أو السياسية في الجانبين. وتذكر الكاتبة حال جزيرة (ليباري) الواقعة في المياه الداخلية للمتوسط والتي كانت قد تعرضت لهجوم (بربري) عنيف عام 1544 وكيف أصدر أسقفها عام 1664 سلسلة من التعليمات لمنع خطر (الفوضي) من جراء اختلاط السكان المحليين مع العبيد الأتراك الساكنين في الجزيرة. والناظر في القائمة الطويلة من التحذيرات والتعليمات لا يسعه الا تذكر ما صدر عن أساقفة محاكم التفتيش في غرناطة وما بعدها ولكنها تدل أيضا علي عمق الاختلاط والتمازج بين السكان من مسلمين ومسيحيين. وتبقي قصة جزيرة (طبرقة) الواقعة في خليج تونس المثل الأوضح للمنطقة الحرة المعترف بوضعها هذا رسميا من قبل الطرفين علي ما تذكره الكاتبة. وقصة هذه الجزيرة مثيرة وفيها تلخيص لجزء من تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب لا تزال آثاره واضحة للعيان حتي الآن. فالجزيرة التي وصفها الترجمان الفينيسي (جوفان باتيستا سالفاغو) في عام 1625 بانها حصن للجنويين يدفع الجزية لتونس وللجزائر كما تذكر الكاتبةكانت قد وصلت الي أيدي الجنويين ضمن صفقة للافراج عن القرصان (دراغوت) نائب (خير الدين باربا روسّا) بعد اعتقاله بالقرب من سواحل (كورسيكا) في عام 1540 علي يد البحرية الجنوية، ومع الزمن أسست عائلة (لوميلّيني) الأرستقراطية مستعمرة تجارية وبحرية وزودوها بتحصينات قوية زاد عليها (شارل الخامس) ملك اسبانيا آنذاك حصنا وطابور حماية دائما، استخدمها كقاعدة للتجسس وعمليات الكوماندوس داخل الأراضي التونسية، ومع هذ كان الطبرقيون يدفعون الجزية لتونس والجزائر واسبانيا. ودخل علي الخط الفرنسيون الذين عملوا كل ما بوسعهم للسيطرة عليها وحرضوا التونسيين علي ذلك ولكن الجنويين صمدوا في الجزيرة حتي القرن الثامن عشر عندما خفّ اهتمامهم بالجزيرة وبدأوا بقبول عروض الشراء الفرنسية التي أجهضها التدخل السريع لحكام تونس لتأمين سيطرتهم علي الجزيرة وقد استقبلهم السكان بالترحاب الا أن التونسيين تصرفوا معهم كغزاة كما تقول الكاتبة ورجع (سيدي يونس) قائد الحملة التونسية علي الجزيرة الي العاصمة جارّا خلفه 800 عبد من أهالي الجزيرة منهيا بذلك مئتي عام من الاحتلال الجنوي. ويظهر من هذه العجالة عن تاريخ هذه الجزيرة أنها كانت تقوم بدور فريد من نوعه في حركة تبادل الأسري بين العالمين وأن اقتصادها القوي الذي انتفع من القرصنة وتجارة العبيد والرهائن كانت تقوم به (شركات) تملكها عوائل غنية من الطرفين كانت في الوقت نفسه تشجع القرصنة وتكسب الأموال منها ومن المفاوضات اللاحقة لحل تبعاتها مما يدفع الكاتبة الي التساؤل: مع أي طرف كان سكان (طبرقة)؟ وهل جزيرتهم كانت أرضا مسيحية أم أن دفعهم الجزية لاسبانيا ودول المغرب يعني أنها كانت منطقة محايدة امّحت فيها الحدود بين الاسلام والمسيحية وبالتالي كانت جنّة للمرتدين؟ وهل كانت مخاوف بعض ممثلي الكنيسة من اعتناق المرتدين للاسلام مخاوف حقيقية أم أن هذا لم يكن أمرا مهما لسكان الجزيرة الذين مارسوا مرونة واضحة في الخروج عن دينهم كما تذكر الكاتبة؟ الشيء المؤكد هو أن قوانين القرصنة النافذة آنذاك لم تكن تعتبر الوقوف أو المرور في الجزيرة سببا كافيا لاعادة الاختطاف مما يؤكد وضعها الخاص. وبعد سقوط الجزيرة اعادت بقايا ساكنيها بناء مستعمرة جديدة في (سردينيا) عام 1738 قامت بنفس دور (طبرقة) وظلت علاقاتها قائمة وحسنة مع تونس والمغرب بشكل عام الي أن هاجمها التونسيون بقيادة (الريس محمد روميلي) في الثامن من أيلول (سبتمبر) عام 1798 آخذا كل النساء والأطفال كرهائن وهم من سيحاول (نابليون) تحريرهم عام 1803 الا أن غالبيتهم كانت قد توفيت أو فضلت البقاء خاصة النساء كما تقول الكاتبة.
جزيرة طبرقة وقصتها
والسؤال الذي تطرحه الكاتبة بعد سرد قصة جزيرة (طبرقة) وأهلها هو: ما هي الأسباب التي دفعت الي ضرب التوازن الذي ساد لفترة طويلة في (طبرقة)؟ وما الذي يدفع فجأة (بالبربر) للتعامل مع أهل (طبرقة) وكأنهم أعداء بعد أن تعايشوا كأنداد؟ تقول الكاتبة أن (طبرقة) وما شابهها من مواقع كانت قد أصبحت مع مرور الزمن حقائق تنتمي للماضي أي لتلك الفترة التي كانت فيها المواجهة الشديدة بين العالمين الاسلامي والغربي تعرف نوعا من توازن القوي،هذا التوازن أفرز ايضا سلسلة من علاقات التبادل والتعاون وجغرافيا (محايدة) أيضا، الا أن اختلال التوازن السياسي والعسكري بين المعسكرين الغربي والاسلامي خاصة في القرن الثامن عشر وبداية الانهيار العثماني وفقدان دول المغرب لاستقلالها الاقتصادي نتيجة لضغط الدول الأوروبية خاصة فرنسا هي السبب الرئيسي في رأي الكاتبة لردود الأفعال التونسية التي جاءت في سياق الدفاع ومقاومة التقدم الفرنسي الضاغط خاصة بعد استيلاء هؤلاء علي (طبرقة) والسيطرة علي الميناء وخنق تونس اقتصاديا كمقدمة لاحتلالها عسكريا، وفي هكذا أجواء وجد أهالي الجزر المعنية أنفسهم مجبرين علي اختيار الانتماء والتحالف مع أحد الطرفين بعد أن تعودوا علي الانتماء الي العالمين في نفس الوقت لمدة طويلة، وتلاحظ الكاتبة أن جهود (البربر) لم تأت بنتيجة، فميزان القوي كان قد تبدل لصالح القوي الغربية والأراضي التركية بدأت تقع تحت وطأة الاستعمار الغربي والقادمون الجدد لم يكونوا (مرتدين) جذبهم الشرق وديانته وخانوا من أجله ثقافتهم ودينهم بل أوروبيين مستعمرين جاؤوا ليفرضوا ثقافتهم.
قصص حياة كالروايات
وبالرغم من أن المغامرات في أراضي الامبراطورية العثمانيةوالاحتكاك ب (الكفار) وملذّات المجتمع المسلم شكّلت ولقرون مادة قصصية لآداب الدول الأوروبية المتوسطية كما تقول الكاتبة الا أن الجماعات والأماكن التي احتلت حيزا وسطا بين العالمين لم تجد لها حيزا يذكر في الأدب الأوروبي المتوسطي وهكذا لم تظهر تللك الأعمال الأدبية التي كان أبطالها (مرتدين) الاّ متأخرة وكان هذا الظهور المتأخر مسايراً للصمت والخجل اللذين تعاملت بهما الثقافة (المسيحية) مع (فضيحة) الارتداد بعكس وضعية العبد الذي كان شخصية (شرعية). ومن الناحية الأدبية ظهرت قصص السجن عند (الكفار) أي المسلمين كصنف ادبي في اسبانيا القرن الخامس عشر، وتلخص الكاتبة عناصر الحبكة الدرامية لهذا الصنف الأدبي كما يلي: الوقوع في الأسر (في البحر أو اليابسة) ثم العبودية (سعادة أو حزن، سوق النخاسة، العمل والمعاناة) وفي النهاية الرجوع الي الحرية، كما تلاحظ أن شخصية (المرتد) عادة ما تكون غائبة تماما في هكذا قصص الا في المرحلة الأخيرة منها عندما يظهر (المرتد) الطيب لمساعدة العبد علي نيل حريته عن طريق الفدية أو وهو الغالب بمساعدته علي الهرب، ومع هذا تبقي سلبية شخصية (المرتد) واضحة في النصوص بل تتضاعف مقارنة بشخصية السجين العبد المسكين الذي يرفض تغيير دينه بالرغم من كل المصاعب والاغراءات، وتعتقد الكاتبة أن كثيرا من هذه القصص والروايات قد تأثرت بحكاية الهنغاري (جورجيفيتس) الذي كان قد أبعد الي اسطنبول وطبعت قصته في (فلورنس) عام 1548 علي هامش كتاب (عادات وحياة الأتراك) ل (جوفا أنطونيو مينافينو)، ويبقي مشهد العبد في رواية (دون كيشوت) المثل الأشهر علي هذا النوع من الأدب كما تقول الكاتبة التي تضيف أنه وكما هو معروف فان هذا المشهد كان في جزء منه سيرة ذاتية ل (سيرفانتس) مؤلف (دون كيشوت) الذي وقع في الأسر وقضي خمس سنوات في الجزائر بعد أن كان قد شارك في معركة (ليبانتو). وتلاحظ الكاتبة أن وجود ثلاثة (مرتدين) في نص (سيرفانتس) يؤدي الي تفسيخ التناقض الحاد بين الجبهتين اللتين يمثلهما في النص الأسري (المسيحيون) من جهة والأتراك الشرسون من جهة أخري. وتخص بالذكر (المرتد) الثالث الذي كان حارسا للسجناء ومترجما بين بطل القصة والمسلمة الجميلة (ثريدة) التي كانت تريد مساعدة المساجين علي الهرب لكي تهرب هي أيضا معهم الي أرض (مسيحية) كي تعتنق دينهم. وتعتبر الكاتبة شخصية هذا المرتد أنموذجا واقعيا للحيرة بين العالمين ، فوجوده لا غني عنه كصلة وصل بين الطرفين وحيرته التي لا تعجب (سيرفانتس) لم تكن أمرا سلبيا كما تقول الكاتبة بل منفذا للاتصال ب (الآخر) وشرطا للحوار وتحقيق هدف الكاتب وهو اعتناق الفتاة المسلمة للمسيحية. والثابت تقول الكاتبة أن الرحالة الفرنسيين هم بالأخص من كتبوا عن بلاد الامبراطورية العثمانية وخصوصا (بلاد البربر) حيث تمتعوا بحرية حركة كنتيجة للتحالف الذي كان قائما آنذاك بين فرنسا والعثمانيين. وفي كتاباتهم عادة ما كانت تظهر شخصية (المرتد) اما في حدث دراماتيكي مبالغ فيه أو في مغامرة جنسية وهذا هو الغالب في العادة حيث يتم اكتشاف السجين بين احضان مسلمة زوجة كانت أو ارملة أو بنت السيد وكان لا يتم حل هكذا اشكالات الا بالزواج الذي يسبقه في العادة اعتناق الدين الاسلامي. ولا تغفل الكاتبة ان هكذا نوادر ما هي الا نتيجة للاعتقاد الذي كان ولا يزال؟ سائداً بين الغربيين أن بلاد المسلمين هي مساحات تكثر فيها الخلاعة والمجون وهو الاعتقاد الذي غذته الروايات عن الحريم كمكان مليء بنساء منقطعات للشهوة ومحبات للغربيين لأنهم غير مختونين وأن اللواط لم يكن فقط مسموحا وحسب بل كانت تمارسه علية القوم. هذا لا يعني كما تقول الكاتبة أن المسلمين الصالحين لم يجدوا لهم مكانا في روايات الرحالة ، بل انهم وجدوا وكان شرط وجودهم ليس فقط تخليهم عن اللواط بل وحتي ملذات تعدد الزوجات كما تقول. وتلاحظ الكاتبة أن الأدب الأوروبي بالاضافة الي استغلاله تجربة الكتابة عن الأتراك و (البربر) للحديث عن الشهوات وتفاصيل عنف (الكفار) فهو شكّل أيضا في بعض الأحيان وسيلة للكتاب الأوروبيين لنقد مجتمعاتهم بمدحهم للمجتمعات الاسلامية، وهكذا فكل ما يفتقر اليه (المسيحيون) من فضائل كالعفة والاحسان والتسامح والمساواة مزدهرة في الأراضي العثمانية.وبشكل عام تلاحظ الكاتبة لم تستحوذ شخصية (المرتد) في الأعمال الأدبية الغربية المهمة علي مساحة واسعة منذ ان كانت المواجهة بين العالمين هي (العقدة) الرئيسية في هذه الأعمال ، ويشذ عن هذه القاعدة الفرنسي (برانتوميه) الذي أفرد مساحة مهمة لقصص حياة مشاهير (المرتدين) الذين قادوا نشاطات القرصنة (البربرية) في القرن السادس عشر .وبما أنه هو نفسه كان قرصانا عمل تحت لواء مرسيليا ومالطا لا تستبعد الكاتبة أن يكون هو نفسه قد فكر يوما بالارتداد فهو يبدي اعجابا واضحا بشخصيات بعض رؤساء القرصنة ذوي الأصول (المسيحية) خاصة خير الدين بارباروسا . فمع أن (برانتوميه) كان يعرف جيدا أصول خير الدين وأخويه البسيطة حيث كانوا أبناء لتاجر جبن من (ليسبو) كما تقول الكاتبة كما كان يعرف العلاقات الوطيدة التي كانت تجمعهم مع فرنسا حيث كانت مشترياته من النحاس تمر من مدينة (أدج) ومشترياته من السلاح تمر من مرسيليا الا أنه يحبذ تقديم رواية رومانسية تعزو أصول خير الدين واخوية الي مشارب أرستقراطية فرنسية وخبرة بحرية مع القبطان الفرنسي الشهير (فيليب دي شيف). وتسرد الرواية هذه أول رجوع للأخوة الي فرنسا وتصفية تركتهم وشرائهم لسفينة لممارسة القرصنة، تتبعها محاولة اخري للرجوع الي الوطن كاغنياء مالكي ثروات وقصور وقلاع ولكن حب القرصنة والغنائم يتغلب في النهاية وهكذا يبقي الاخوة في الجزائر بعد ان تحولوا الي (أتراك). عقدة الأحداث هذه برأي الكاتبة تعطي تبريرا للقراصنة الشرسين وتقدم مقارنة جوهرية بين القرصنة الفرنسية و (البربرية) مما يدفع (برانتوميه) الي اعتبار أن (بارباروسا) قد شرّف اسم فرنسا. ولم تتصرف الدول الأخري التي كان من مواطنيها قراصنة مشهورون بشكل مختلف عن فرنسا فها هي كالابريا في ايطاليا بلد الكاتبة وبلد القرصان الشهير (ألغ علي) المعروف أيضا باسم (أكيالي) تشهد صراعا بين أكثر من قرية تدعي كل واحدة منها أنه ولد فيها ويطلق اسمه فيها علي شوارع عامة كما تذكر الكاتبة، ومع كل هذا لم يظهر مؤلف كامل عن (مرتد) ما الا في منتصف القرن السابع عشر علي ما تذكره الكاتبة وكان هذا عن آخر مشاهير (المرتدين) الأرستقراطي الفرنسي (بونيفال) ويعود ذلك بحسب الكاتبة الي انحسار ظاهرة الارتداد مع انحطاط الدولة العثمانية ولشهرة وأهمية شخصية (بونيفال) نفسه الذي (خان المسيحية) بعد أن كان توج بطلا لمعركة (بيترفارادينو) ضد الأتراك وبقيت أصداء قصته تشغل الصالونات والجرائد لزمن، و(بونيفال) هذا هو نفسه الذي سيحتل موقعا مهما في الرحلة الي اسطنبول التي رواها (كاسانوفا) في مذكراته وهي الرحلة المشكوك في صحتها اصلا كما تقول الكاتبة. وتعتقد الكاتبة أن آخر من ظهر من المرتدين في الأدب المتوسطي هو والد (كارلينو) بطل كتاب (اعترافات ايطالي) ل (ابوليتو نييفو)، والكاتب يجعل من مدينة (فينيسيا) الايطالية وعالمها المتهالك مسرحا لهذه الشخصية والفارق هذه المرة أن الأجواء التي تظهر فيها لم تعد دينية بل أكثر علمانية ولهذا فوالد (كارلينو) لم يعد تلك الشخصية (المرتدة) التي تعيش مأساة ضرورة التوازن بين ثقافتين متناقضتين ولا مخاطرة اللعنة الأبدية بل رجلا يعيش خارج الزمن وقابلاً للرؤية بسخرية ايجابية تماما مثل تلك الشخوص الكوميدية المتخفية بألبسة فارسية أو مملوكية والذين يظهرون بعد اسدال الستار للاعلان عن مسرحية اليوم التالي كما تلاحظ الكاتبة.
شخصية رمزية: فينسينت دي بول
المواجهة بين الديانتين تقول الكاتبة كانت واحدا من المواضيع التي تصدي لها المهتمون الغربيون المتابعون لشؤون الامبراطورية العثمانية، وهذا الموضوع كان يتيح لهم الفرصة للمقارنة بين ما كانوا يعتبرونه نبل الممارسات الدينية التركية وفساد رجال الدين عندهم وعدم صدق سيرتهم الدينية، كما كان ايضا مناسبة لتنبيه القراء الغربيين الي خطورة قوة الجذب التي يتمتع بها الاسلام خاصة علي شرائح المجتمع الضعيفة برأيهم كالنساء والصبايا وحتي رجال البحر والتجّار والمغامرين.
وتلاحظ الكاتبة أنه وحتي منتصف القرن السابع عشر اقتصر نشاط الهيئات الاكليروسية في مواجهة الخطر الاسلامي علي البلاد الغربية (المسيحية) علي التشهير بالرسول محمد (ص) وتشويه شرعته بدل التدخل المباشر في الدول الاسلامية، واقتصر النشاط المباشر لهذه الهيئات علي ارسال رجال دين لمساعدة الأسري والمحتجزين الأوروبيين وللتقليل من حالات الارتداد بينهم مع كل ما كان يحمل ذلك من خطر ارتداد رجال الدين هؤلاء أنفسهم، وقد حدث هذا فعلا بين كثيرين مما دفع (مجلس شيوخ) فينيسيا في عام 1630 الي توجيه طلب الي عميد المدينة لاتخاذ اجراءات للحد من ارتداد رجال الدين المبعوثين الي أراض اسلامية.
وتقول الكاتبة أن حياة رجال الدين النصاري المبعوثين الي اراضي الدولة العثمانية آنذاك لم تكن سهلة لأنهم من جهة اخري كما تقول كانوا مضطرين للخضوع لحدود القانون الاسلامي الذي كان يسمح بحرية العبادة للسجناء الغربيين ولكنه كان يمنع المظاهر العلنية للديانات الأخري غير الرسمية. ولكن، ومع أن هؤلاء كانوا يتحرون الحذر في تصرفاتهم تذكر الكاتبة كيف أنهم لم يكونوا يرفعون الصلبان في الجنائز الا أنه كثيرا ما كانت توجه لهم تهمة الخروج عن القانون وكانوا يعاقبون علي ذلك. رجال الدين هؤلاء من جهتهم لم يتنازلوا أبدا كما تقول الكاتبة عن الأمل في تنصير من كانوا يتصلون بهم من المسلمين، وتؤكد الكاتبة أن هذا بقي حلما اكثر منه حقيقة، وهي تشير الي أن بعضهم مثل الأب الفرنسي كوارتيير اعترفوا بأنهم عمّدوا سرا الأطفال المسلمين الذين كانوا يطببونهم .وهكذا وبينما كانت الهيئات الدينية الاكليروسية خاصة أتباع المذهب اليسوعي الذين عمدوا الي طبع كتيبات للمساعدة علي مقاومة اغراءات الدين المحمدي تحاول تنظيم وتقوية عملية اختيار رجال الدين المبعوثين الي أرض الاسلام ظهر علي الساحة الفرنسي الذي سيصبح قديسا فيما بعد ليؤسس طريقة رهبانية جديدة وحديدية هدفها الأساسي مساعدة المسيحيين في الأراضي العثمانية كما تقول الكاتبة. وقد دفعه نجاحه في تأسيس بعثة تبشيرية في مدغشقر الي مد نشاطه في منتصف القرن السادس عشر الي بلاد (البربر) كما تسميها الكاتبة مضيفا الي المهمة القديمة المتمثلة في العمل علي تحرير السجناء الغربيين وجودا دائما للمساعدة الروحية والمادية. وقد جمع (فينسينت) ذو الأصول البسيطة والحائز علي احترام ودعم الطبقات الأرستقراطية الأوروبية بين الحماس الديني والقدرة علي التنظيم والمنطق العملي، وقد بدت هذه الصفات واضحة كما تلاحظ الكاتبة في طريقة عمله في شمال افريقيا حيث اشتري وبمساعدة من بعض النساء الأوروبيات النافذات مثل ولية العهد (آنا النمساوية) وظيفة قنصل الجزائر وتونس ووضع فيهما اثنين من رجاله في محاولة لتثبيت وجوده في أرض (العدو) وتمويل نشاطاته من عائدات القنصلية حيث فرض ضريبة علي كل عملية تجارية يقوم بها الفرنسيون في افريقيا . وبالطبع كما تقول الكاتبة كان الهدف الرئيسي ل (فينسينت) ورجاله هو منع ارتداد العبيد والسجناء عن دينهم،وقد اعطي الأولوية في التحرير لأولئك الأسري الذين كانوا يظهرون حماسا لدينهم الأصلي، وفي كثير من الأحيان لم يتلق العبيد والأسري الطعام والشراب من (فينسينت) الا بعد اعترافهم للكاهن وتناولهم القربان المقدس.
وبينما نجح مشروعه الروحي ولو علي حساب البعثات الايطالية والاسبانية التي طردها من مناطق نشاطها كما تقول الكاتبة الا أن مشروعه السياسي الاقتصادي اصطدم بعدة عراقيل حيث وقعت قنصلياته تحت عبء ديون ثقيلة ولم يستطع ممثلوه فيها مقاومة ما تسميه الكاتبة تعسف السلطات المحلية في الجزائر وتونس .وكيف لا تتعسف هذه السلطات هذا ان كانت حقا قد تعسفت ورجل الدين هذا الذي بدأ بعثته بحجة فك أسر السجناء ها هو في آخر سني حياته يضع الخطط لمحاصرة الجزائر نفسها ويشارك في تمويل حملة عسكرية قادها أحد فرسان مالطا القرصان بول. ولكن علاقة (فينسينت) مع بلاد المسلمين كانت في الحقيقة أعمق واكثر تعقيدا وتناقضا حسب رأي الكاتبة التي تذكر أنه وقبل موته بسنتين عثر في أرشيف أحد مموليه علي رسالتين مرسلتين من طرفه عامي 1607 و1608وتحويان حكاية مفصلة عن تجربة سجن مر بها (فينسينت) في تونس تبعتها مغامرة الهرب مع مرتد كان ل (فينسينت) الفضل في ارجاعه لدينه الأصلي كما يدعي. وتري الكاتبة أن ما يدعيه (فينسينت) في هذه الرسائل محض اختلاق وخيال منقول عما كتبه غيره في هذا المجال ذلك أن روايته تعيد نفس الأفكار والكليشيهات السائدة في الأدب السائد آنذاك من متاعب السجن الي السيد الطيب الذي يعلمه الكيمياء الي النساء اللواتي يقتربن منه لاغرائه فيغريهن هو الي المرتد الذي يساعده علي الهرب ويرجع الي دينه .وتضيف الكاتبة أن المؤرخ الفرنسي (بيير غراند شامب) كان قد شكك عام 1929 في حقيقة رسائل (فينسينت) مبينا التناقض الواضح في كثير من التواريخ وعدم صدق كثير من التفاصيل، وبالطبع كما تقول الكاتبة أحدث ذلك الانتقاد زوبعة خصوصا في صفوف المؤرخين الكاثوليك الذين لم يقبلوا التشكيك في صدق (فينسينت) الذي كما ذكرت سابقا تم ترسيمه (قديسا).
مدرستان للسجن
وتذكر الكاتبة أن (توربيت دي لوف) هو الوحيد الذي تصدي لموضوع الرسائل من الناحية الأدبية الصرفة وأظهر الاحراج الذي عاشه (فينسينت) عند اكتشاف رسائله، ذلك أنه كانت هناك مدرستان أدبيتان غربيتان في أدب السجن عند المسلمين: الأولي (وردية) يمثلها (دي أراندا) وكتابه الأشهر ذو الخمس طبعات في أقل من عشرين سنة من 1656 الي 1671 وذو المستوي الأدبي الجيد كما تقول الكاتبة والثانية المدرسة المناهضة للاصلاح والتي مثلها الأب (دان). فالأتراك وبالتالي المسلمون حسب رواية (دي أراندا) بشوشون ،انسانيون، تقاة ورعون، أسود في الحرب ومتسامحون بعد النصر، وبالمحصلة يرسم عن السجن في (بلاد البربر) لوحة ايجابية وجذابة كما تذكر الكاتبة ، وهذه اللوحة مخالفة لما كانت تبثه المدرسة المعادية للاصلاح وهي التي كان يرتكز عليها (فينسينت) وهو ما سبب له احراجا لأن روايته عن سجنه تنتمي الي المدرسة الوردية مما أثر علي عمليات جمع التبرعات لمشاريع أتباعه في لحظة كانت اعماله تلاقي فيها مصاعب مالية حقيقية كما تقول الكاتبة. وتفسر الكاتبة هذا التضارب في المواقف من بلاد المسلمين الي التغيرات الحاصلة في الثقافة الدينية الغربية والتي أصبحت أكثر تشددا حيال كل مظاهر التعاطف مع (الكفار) اي المسلمين اضافة الي التحولات السياسية التي كانت تحدث آنذاك خاصة عزوف ملك فرنسا عن التحالف مع الامبراطورية العثمانية. وتصر الكاتبة علي أن قصة (فينسينت) تظهر أنه كان يمكن أن يختبئ نوع من التعاطف (لا يهم ان كان حقيقيا أم زائفا تقول الكاتبة) مع الثقافة الاسلامية وراء سياسات التشدد في الدفاع عن العقيدة المسيحية امام المسلمين، وتستشهد لذلك ببعض وقائع رواية (فينسينت) لتجربة السجن المحتملة التي ادعي أنه عاشها في تونس، مثال ذلك علاقته بسيده الطبيب الطيب الذي علمه الكيمياء وكذا علاقته باحدي زوجات المرتد التي مع كونها مسلمة تتعاطف مع (فينسينت) بسبب تدينه كما يروي وبمساعدتها يقنع زوجها المرتد للرجوع الي المسيحية. وبرأيها أن هذه القصة كما غيرها تبين أن العلاقة مع الاسلام مرتبطة باطنيا في أذهان الغربيين مع نوع ما من التزييف والتزوير وهي لا تستبعد أن يكون (فينسينت) قد اخترع قصة سجنه لتبرير غيابه عن أدائه لوظيفته الدينية، وهي تري أن رجوع المرتد مع (فينسينت) في الرواية أراده الراوي كدليل علي نجاحه في (ارض الكفر) وهذه الحادثة مثلها مثل قصة (سيرفانتس) ومثيلاتهما دليل علي أن الرواة أرادوا اظهار أهميتهم كوسطاء من أجل ايصال العبيد الي الحرية، وعلي هذا تستنتج الكاتبة امكانية اعتبار الارتداد الذي كان يحاربه هؤلاء لحظة ايجابية للحوار والانفتاح علي العالم الاسلامي ذلك أن المرتدين قاموا بوظيفة الجسر الثقافي واللغوي بين العالمين. وتشير الكاتبة الي حالة الارتداد العكسي الوحيدة في العصر الحديث من الاسلام الي المسيحية والتي جاءت نتيجة لعمل أتباع (فينسينت) في عام 1646 حيث اعتنق المسيحية الأمير التونسي (محمد شلبي) الابن الأكبر لداي تونس (أحمد خوجة) اذ هرب الي صقلية بسبب غرامه بامرأة علي ما يبدو بعد أن حمل كل ما استطاع من المال. وبالطبع قامت حينها احتفالات كبيرة ونشر كتاب عن هذه القصة أشار بالخصوص الي ردة فعل والد الأمير كما تقول الكاتبة، وقد سافر الأمير الذي أصبح اسمه (فيليب) الي روما وقابل بابا الفاتيكان ومنها الي اسبانيا حيث قلده (فيليب الرابع) وسام فرسان (القديس جاكومو) وخصص له معاشا ملكيا ويداً أرستقراطية اسبانية. ولكن (فيليب) ورغم حياته المتحررة بين قادش وملقا الا أنه لم يستطع التعايش كما تذكر الكاتبة في الوضع الجديد وبقي علي اتصال بأمه التي كانت تساعده ماديا لاقناعه بالرجوع، ورجع فعلا بعد موت أبيه الذي لم يسامحه أبدا وبقي في تونس بعض الوقت الا أنه لم يجد الراحة التي نشدها وبقي يتخبط للعثور علي مكان يلائمه فتارة عمل قرصانا علي سفن بنزرت وأخري ذهب الي الحج وسورية ومصر، بعد هذا خطط للهرب الي المسيحية مرة أخري وبعد أن اصبح حاكما لقلعة (لاغوليت) حاول مراسلة (لويس الرابع عشر) وبابا الفاتيكان مانحا لهم تونس مقابل الغفران ومات في اسطنبول بسبب الطاعون علي ما تذكره الكاتبة. وعند الكاتبة أن قصة (محمد فيليب) تظهر الاختلاف العميق في الاستعداد للانخراط في حياة المجتمع بين المسيحي الذي (يرتد) للاسلام ويعيش في بلاد المسلمين وصعوبة انخراط المسلم وان كان غنيا وتوفرت له شروط مادية مريحة في ايجاد مكان له في المجتمع الغربي. وهذه ملاحظة ذات حدين تحيلنا الي النقاشات الحالية عن المسلمين في أوروبا واشكالية انخراطهم في مجتمعاتهم الغربية. وتلاحظ الكاتبة أن الحدود بين الاسلام والغرب المسيحي كانت سالكة باتجاه واحد ، أي باتجاه العالم الاسلامي، بينما الاتجاه الآخر كان مليئا بالعراقيل، كما تري أن الأدب الغربي وتجارب أشخاص مثل (فينسينت) أظهرت ازدواحية شخصية (المرتد) في الثقافة الغربية. ولكن تتساءل الكاتبة كيف يمكننا شرح هذه الاختلافات بين تصرف الغربيين والمسلمين؟ ولماذا يبدو (المرتدون) مستعدين لحرق الجسور مع ماضيهم وعلاقاتهم العائلية والاجتماعية؟ وكيف يوافق هؤلاء علي المغامرة بامكانية الخلاص بعد الموت؟ أسئلة متجددة تطرحها الكاتبة وتجيب عليها رويدا رويدا بمزيد من البحث وتوسيع رقعته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.