كان رحيل أحمد زكي منذ عام ونصف تقريبا أشبه بملحمة أبكت العالم العربي كله وليس الجمهور المصري وحده نتيجة اصابته بمرض السرطان واصرار الفنان علي المقاومة متمسكا بالحياة وهو ما خلق حالة من الشجن استغلها الاعلام المقروء أو المسموع أفضل استغلال. وأصبح هناك سباق مع الزمن من أجل تقديم جديد كل يوم حتى لم يعد هناك ما يقال سواء في حياته الشخصية التي نجح الاعلام في فض سترها وخاصة علاقته بأسرته وأمه التي حرص الفنان طيلة حياته أن ينأى بهم عن الاضواء حتى كان اسم أحمد زكي أو صورته في برنامج أو صحيفة كفيل بتحقيق الرواج والتهافت الشعبي لمعرفة الحالة الصحية للنجم الاسمر. وبعد ان استوعب الاعلام الدرس جيدا أصبح يقف متربصا بكاميراته منتظرا سقوط آخرين حتى يحقق السبق بتسجيل لقطات البكاء والنحيب وأصبح هناك من المذيعات المحترفات لنقل أحداث الجنازات وكلمات الرثاء التي أصبحت واحدة في كل جنازة سواء جنازة عبد الله محمود أو ثناء يونس مرورا بعملاقي الكوميديا مدبولي والمهندس. ولكن ما كشفه اعلام الجنازات أن دموع المشيعين لم تعد مقياسا لقيمه الراحلين، ففي الثلاثين من أغسطس الماضي رحل اديب نوبل نجيب محفوظ الذي حزن عليه مثقفي العالم أكثر من حزننا نحن عليه وهو ما كشفه القدر برحيل لاعب الاهلي الشاب محمد عبد الوهاب أثناء تمريناته مع فريقه في اليوم التالي لرحيل محفوظ ليستحوذ الخبر على اهتمام كل القنوات الفضائية سواء من بث مباشر لكل فعاليات الجنازة والمشيعين بالتفصيل الممل علي عكس جنازة "محفوظ". و لم تشغل جنازة الاديب من وقت الاعلام سوي دقائق تم بثها اثناء النشرات الاخبارية مع التركيز علي حضور الرئيس مبارك الجنازة العسكرية وتقدمه لصفوف المشيعين. وبالرغم من الجنازة الشعبية التي اقيمت في حي الحسين .. كما طلب في وصيته الا ان أغلبية الجمهور لم يعلم عنها شئ فلم يهتم الاعلام بالتنويه لمراسم الجنازة بعكس جنازة " لاعب الاهلي التي رافقته الكاميرات حتى المقابر في بلدته. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد ولكن الحقيقة الاهم هو ما كشفته رسائل الهواتف المحمولة التي ظلت تستحوذ على شريط الرسائل لاكثر من ثلاثة أسابيع في أغلب الفضائيات العربية بينما اختفي اسم نجيب محفوظ من الاعلام سواء المسموع أو المرئي في اليوم التالي لوفاته. ولم تعد هناك الا شذرات اعلامية سواء من خلال المقالات الصحفية أو الندوات والبرامج القديمة التي تحاول الاضاءة علي جوانب مختلفة من حياة محفوظ وهي انشطة في اغلبها ليست جماهيرية وتخص الجيل القديم من المثقفين. ولا نقصد من المقارنة الاساءة لشخص اللاعب الخلوق محمد عبد الوهاب وانما السؤال الذي يشغلنا هل أصبحت كرة القدم هي المخدر الذي يتعطاه المصريين للهروب من مشاكلهم؟ أم أنها السبيل الوحيد المتاح فيه التفكير بحرية دون الخوف من الخطوط الحمراء؟ أم هي سياسة اعلامية لا تنفصل عن السياسة العامة التي تجتهد في ايجاد وسائل للالهاء عن المشاكل الحقيقية المجتمع المصري والأمثلة كثيرة أخرها غرق العبارة السلام 98 التي تم التعتيم علي فجيعتها بمباريات كأس الامم الافريقية.ٍ في كل الاحوال فان تلك المفارقة تكشف الخطر الذي يحيط بأبناء هذا الشعب المنوط به قيادة المستقبل فاذا لم يهتز لرحيل العظماء لأنه لا يعرفهم .. فكيف يخطط لمستقبل وطن؟