مع اندلاع المواجهة بين سلطات تونس الانتقالية والسلفيين الجهاديين مؤخرا، عاد جدل قوانين مكافحة الارهاب ليطفو الى السطح من جديد. ويكشف شكيب درويش المستشار لدى وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ل"إيلاف" عن الشروع في اعداد قانون جديد للإرهاب يكون بديلا عن القانون الجائر الحالي. يثير قانون مكافحة الإرهاب في تونس جدلا واسعا على المستويين السياسي والقانوني بعد أن تمت إحالة عدد من المتهمين المحسوبين على التيار السلفي أخيرا بمقتضى هذا القانون الذي يوصف بكونه "غير الدستوري" و"لا يحترم حقوق الإنسان والحريات العامة"، حسب منتقديه. شكاوى حقوقية يشتكي الحقوقيون من مواصلة العمل بهذا القانون ذو السمعة السيئة، وتطالب المنظمات الحقوقية بحذفه والاستغناء عنه فيما تعمل وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية على إعداد قانون جديد لمكافحة الإرهاب، بينما تصرّ وزارة الداخلية على اعتماده وإحالة المشتبه فيهم بمقتضاه، اما نقابات الأمن فطالب بتفعيل هذا القانون. وكان نظام الرئيس بن علي أقرّ القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 والذي يتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال وتم تنقيح بعض فصوله بمقتضى القانون عدد 65 لسنة 2009 المؤرخ في 12 أغسطس 2009، وحوكم بموجبه المئات من التونسيين في عهد النظام السابق. إخلالات دستورية أكد المستشار لدى وزير حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية شكيب درويش وجود عدد من الإخلالات الدستورية في قانون 10 ديسمبر 2003 لمكافحة الإرهاب، فالتعريف غير دقيق بالمرة للجريمة الإرهابية، ويقول:" نحن نشتغل اليوم على تعريف يكون دقيقا لا يظلم الناس، ولا يحيط إلا بالجرائم التي من الجسامة بمكان يضطرب معها أمن البلاد وتخلف أضرارا جسيمة جدا". أوضح درويش في تصريح ل"إيلاف" أنّ وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية تعتمد تمشيا خاصا، ليس بمعنى الاستثناء وتبرير التعسف والتعذيب، ولكن يتم إفراد الجريمة الإرهابية بقانون خاص يوازن بين مقتضيات الأمن الوطني ومقتضيات حقوق الإنسان والمظنون فيه، وذلك من خلال فك الارتباط بينه وبين القانون الذي يجرم تبييض وغسل الأموال. أبرز المستشار درويش ضرورة البحث عن صيغ لحماية الضابطة العدلية والقضاة والأمنيين الشهود دون الإخلال بالضمانات الضرورية للمتهم حتى يتعرف عمن شهد ضده ومن تولى ضبطه ومن يقاضيه. وفي وقت سابق، دعا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي حركة النهضة إلى إلغاء قانون مكافحة الإرهاب وتجريمه وجاء في بيان للتنظيم أنّ "هذا القانون سيء السمعة ألهب ظهورنا جميعا بسياطه، سلفيين ونهضة وغيرهم، يجب أن يسقط وتسقط مشتقاته كما سقط الطاغية بن علي ويجب أن يتوقف العمل به فورا وعلى الغيورين الشرفاء والأحرار في تونس أن يتحركوا لإلغائه وتجريمه". قانون جديد يشير المستشار لدى وزير حقوق الإنسان و العدالة الانتقالية شكيب درويش إلى ضرورة العمل من خلال القانون الجديد على منح ضمانات لمن يكشف عن جريمة إرهابية لم تحصل حتى لا يكون هناك مانع من الإبلاغ عنها، كإعفائه من كل مآخذة وتوفير الحماية له، وذلك لتشجيع المواطن على تحمّل مسؤوليته، إلى جانب التشديد على معاقبة كل شخص يتعرض لعون أمن في مكافحته للجريمة الإرهابية. وأبرز ضرورة جبر الضرر لضحايا الجرائم الإرهابية من طرف الدولة حتى لا يترك الأمر للمتضرر لانتظار تتبع من تسبب في الضرر، بينما هو وعائلته وربما أقاربه يعانون من آثارها، ومن الطبيعي حسب درويش، البحث عن توازن بين مقتضيات الأمن الوطني ومقتضيات حق الدفاع واحترام حقوق المتهم والمشتبه فيه، ولذلك يتم العمل على إشراك كل الوزارات وجمعيات المجتمع المدني والاستماع إلى الكفاءات الوطنية والدولية قبل صياغة مثل هذا القانون الهام. وكشف ل"إيلاف" أن وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ذاهبة نحو صياغة قانون جديد قد يتضمن فصولا من قانون 10 ديسمبر 2003، قد تنقل نقلا، وفصولا أخرى قد تنقل بعد تعديلها إلى جانب فصول جديدة. وكان وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو قد ناب الكثير من المحالين على معنى قانون 10 ديسمبر 2003 ومنهم أبو عياض زعيم تنظيم أنصار الشريعة في تونس. صلاحيات للقضاء دانت رئيسة جمعية "حرية وإنصاف" الحقوقية إيمان الطريقي مواصلة استعمال قانون مكافحة الإرهاب في تونس بعد الثورة، مطالبة بالإصلاح الجذري. وقالت الطريقي ل"إيلاف":"جمعيتنا تتبنى أن يكون لتونس قانونا يكافح الإرهاب ولا يعطي صلاحيات واسعة للأمن لأن في ذلك انتهاكا لحرية المتهمين، نريده قانونا يعطي صلاحيات للقضاء. أضافت:" حرية وإنصاف ترى أن تونس كبقية دول العالم وفي إطار المشروع الدولي الحقيقي لمكافحة الإرهاب، في حاجة إلى قانون يحميها وسيحدد الفصل الأول فيه تعريف الارهاب، نحن نريد أن نحمي بلادنا من الإرهاب الاقتصادي والفكري والسياسي والإجتماعي، أي الإرهاب بمعناه الواسع". غير دستوريّ أشارت الطريقي إلى أن جمعيتها ترفض قانونا للإرهاب "يستند على مرجعيات أيديولوجية ويهدف إلى إقصاء تيارات معينة". أضافت: لسنا مع قانون الإرهاب السابق لأنه لا دستوري ولا يحترم القوانين ومنها معاهدات وحقوق الإنسان وحقوق الدفاع خاصة حين يتعرض إلى ضرورة إفشاء السر المهني، وهو لا يحترم كذلك حقوق المتهم. إلغائه ضروريّ طالب خالد الكريشي كاتب عام الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بإلغاء قانون مكافحة الإرهاب لأن المجلة الجنائية التونسية تتضمّن ما يكفي من فصول قانونية تجرّم جميع الأفعال. أضاف الكريشي ل"إيلاف" أن هذا القانون مخالف للمعاهدات الدولية التي أبرمتها تونس ومنها معاهدة الدفاع العربي المشترك والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي تنص على أنّ "مقاومة الاستعمار لا يعدّ عملا إرهابيا" بينما تمت إحالة عديد المواطنين التونسيين على قانون الإرهاب بناء على نيتهم الالتحاق بالمقاومة في العراق. شدّد المحامي الكريشي على أنّ هذا القانون لا يحترم الحقوق الأساسية والحريات للمظنون فيهم من بينها تكريس الاستنطاق باستعمال جميع الوسائل وعدم مكافحة الشهود بالمتهم إلى جانب عديد الإجراءات التي تتضمن خرقا صارخا للحريات ومنها الفصل 59 منه والذي يلغي كل صبغة سياسية للتهم الموجهة إلى المظنون فيهم حسب قانون الإرهاب بينما المستهدف بهذا القانون هم السياسيون أكثر من غيرهم، على حدّ تعبيره. وأشار إلى أنّه تمّ إضفاء صبغة الإرهاب على قضية قتل رجل الأمن أخيرا في منطقة جبل الجلود (أحد أحياء تونس العاصمة ) وتمت الإحالة بمقتضى قانون الإرهاب بعد أن كانت قضية عدلية عادية طبق الفصل 201 من المجلة الجنائية بتهمة القتل العمد. حوار وطني دعت إيمان الطريقي رئيسة منظمة "حرية وإنصاف" إلى حوار وطني بين جميع الأطراف "من أجل صياغة قانون يحمينا من الإرهاب و يتوافق مع تطلعات الشعب التونسي". أضافت: "لا نريد قانونا للإرهاب كما جاء على لسان وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية يعطي صلاحيات كبيرة للأمن مع احترام حقوق الإنسان، فمثل هذه المصطلحات العوامة والفضفاضة أوصلتنا في عهد بن علي إلى إيقافات تعسفية وإعطاء صلاحيات واسعة للسلطة الأمنية". صحيفة ايلاف الالكترونية - 25 ماي 2013