'يأتي ز علي أمتي القابض فيه علي دينه كالقابض علي جمرة نار'.. هكذا وصف رسولنا الكريم (صلي الله عليه وسلم) زا توجه فيه السهام والطعنات للإسلام وتنتشر فيه الفتن ويختبر فيه إيمان المسلم شدة ما يراه نتيجة تمسكه بدينه. وقد تصاعدت مؤخرا الحملات الموجهة ضد الإسلام وكل ما يمت إليه بصلة.. ولم يكن مستغربا أن تشن هذه الحملات علي الإسلام الغرب فيتهم بالإرهاب ويتم بالتضييق علي المسلمين في هذه البلاد ليصبحوا أشخاصا غير مرغوب فيهم أو يتم ع الحجاب أو النقاب أو أن تتم الإساءة للدين الإسلامي ورسوله وقرآنه في حملات تزداد انتشارا يوما بعد يوم.. كل هذا لم يكن مستغربا وله أسباب وتفسيرات كثيرة. ولكن أن يصدم ويطعن الإسلام أهله فهذا هو البلاء العظيم وأن يتم ع الحجاب في دولة عربية إسلامية فهذا هو الأمر الذي أقل ما يوصف به أنه غير طقي وغير معقول.. ويصبح بعده لا حق لنا في أن نعترض أو نتفوه بكلمة أمام ما يواجهه الإسلام والمسلمون في دول غربية لا تدين بالإسلام مثلما حدث حينما عت فرنسا الحجاب ويصبح المفارقة و غير الطقي أن نتحدث عن رأي جاك سترو عضو مجلس العموم البريطاني في النقاب وليس الحجاب وقد كان مجرد رأي لم يصدر به قرار أو قانون لعه في الوقت الذي يتم فيه التضييق علي المسلمات في تونس وعهن ارتداء الحجاب في حملة تصاعدت حدتها مؤخرا خاصة بعد أن وصف المسئولون في تونس وهم الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الحجاب بأنه زي طائفي دخيل مبررين بذلك حملات التضييق علي الطالبات المحجبات بل وأن يعتبر الهادي المهني الأمين العام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم أن هذا الزي الطائفي يقصد الحجاب لا علاقة له بهوية البلاد وأصالتها وأنه ينال مما تحقق للمرأة التونسية مكاسب بل ويتجاوز ذلك ليقول: 'إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة حقها في العمل والتصويت وأن تع الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل والقيام بالأعمال الزلية وأن هذا الزي سيعوق تقدم البلاد لتعود إلي الوراء'. وفيما يتناقض مع الادعاء بأن رفض الحجاب يأتي طلق الحفاظ علي حرية المرأة وحقوقها فقد بدأت حملة واسعة ذ بداية العام الدراسي الحالي للتضييق علي الطالبات المحجبات وإجبارهن علي خلع الحجاب أو التوقيع علي إقرار بخلعه وع عدد كبير هن دخول المعاهد وع تسجيل أخريات في بعض المدارس وطرد عدد آخر هن.. وتصاعدت حدة هذه الإجراءات مع بداية شهر ، خاصة بعد أن ازداد إقبال الفتيات علي الحجاب وتمسكهن به وإعلانهن عن رفض التخلي عنه مهما كانت الضغوط.. وذلك بعد أن كاد يختفي الحجاب تونس ذ أن أصدر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1981 القانون رقم 8 الذي اعتبر الحجاب زيا طائفيا وليس دينية وع ارتداءه في المؤسسات التعليمية والإدارية وهو ما أدي إلي حرمان الكثيرات في تونس حق التعليم والعمل ووصفه الكثيرون بأنه قانون بالي مهدر القيمة والسمعة وقد جاء هذا القانون في إطار العديد الإجراءات والقوانين التي أدخلها بورقيبة علي القانون التونسي والتي أثارت جدلا واسعا حول مدي تعارضها مع تعاليم الإسلام وها ما يتعلق بع وتحريم تعدد الزوجات وذ صدور القرار بع الحجاب عام 1981 استمرت حملات التضييق علي المحجباب ولكنها تصاعدت مؤخرا بشكل أكثر ضجة واتساعا بسبب تزايد أعداد المحجبات. الأدهي ذلك أن تشمل حملة التضييق علي المحجبات مؤخرا الدمي والعرائس المحجبة وأشهرها 'فلة' وهي الدمية التي صنعت في الدول العربية لتكون بديلة عن الدمية الأوربية 'باربي' وفلة نموذج لفتاة عربية جميلة ترتدي الحجاب وكان الهدف تصميمها أن يرتبط الأطفال بما يعبر عن هويتهم العربية والإسلامية ولكن حملة تونس ضد المحجبات جعلت قوات الأ تداهم عددا المحلات التجارية وتصادر كل الأدوات المدرسية التي تحمل صورة 'فلة' بزعم أنها تحمل دعوة وتحريضا علي ارتداء هذا 'الزي الطائفي'. هذه الإجراءات أثارت العديد المواطنين التونسيين والعديد الجمعيات الحقوقية التي اعتبرت أن هذه القرارات تسلب المرأة أبسط حقوقها وهو حقها في اختيار الزي الذي ترتديه وقد سبق أن تم رفع دعوي قضائية ضد هذه القرارات للمطالبة بإلغائها ولكن لم تنظر المحكمة هذه الدعاوي رغم مرور سنوات علي رفعها واعتبرت أن الحرب علي الحجاب هي حرب علي الشرع الإسلامي. وحذرت أن هذا التضييق سيؤدي إلي إحداث فتنة وعواقب وخيمة علي البلاد في إشارة إلي أن القانون 8 لسنة 1981 والذي يع ارتداء الحجاب ليس سوي شور داخلي ليس له قوة القانون وأنه يتناقض مع المبادئ القانونية والدستورية لأن القانون في تونس لا يع ارتداء أي نوع أنواع الملابس. واستنكر العديد مواطني تونس التضييق علي ارتداء الحجاب في الوقت الذي تح فيه التسهيلات لمقاهي الغناء التي تقدم الفقرات الراقصة خلال شهر الكريم. و الغريب أن تعتبر السلطات التونسية أن الحجاب زي طائفي في الوقت الذي لم يتم فيه الاعتراض علي ارتداء المسيحيات والراهبات في تونس للزي الخاص بهن والذي يتشابه كثيرا مع الحجاب وهو ما أثار استغراب الكثير مواطني تونس فالقانون في تونس لا يع أي طائفة ارتداء الزي الخاص بها.. فلماذا الهجمة علي الحجاب؟! وحتي الآن لم يفهم الكثيرون ونحن معهم ماذا تعني كلمة زي طائفي خاصة أن الكثيرات بنات تونس تعجبن أن يتم وصف الحجاب بهذا الوصف في الوقت الذي لبسته فيه زوجة الرئيس التونسي وبناته أثناء أداء الحج. المفتي يرفض وقد أشار المفتي في إجابة عن سؤال ل'الأسبوع' حول ع دولة تونس للحجاب بقوله: أي دولة تع الحجاب تكون بذلك قد خالفت الله ورسوله وعت فرضا فروض الله مؤكدا أن الحجاب وليس رمزا أو زيا طائفيا و يعه فحسابه علي الله و شاء فليؤ و شاء فليكفر. التبعية الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين وعضو مجمع البحوث الإسلامية يري أن مثل هذه الإجراءات تدخل في إطار ظاهرة التبعية والضعف التي يعاني ها العالمان العربي والإسلامي ومحاولات التقرب الغرب ومجاراته فيما يقوم به إجراءات أو يرفعه شعارات يراد بها باطل تحت زعم الحرية وحقوق المرأة وهو ما يؤكد مأساتنا في فقدان الهوية العربية والإسلامية. ويشير إلي أنه يرفض تسمية زي الراهبات بأنه زي طائفي رغم أننا دول إسلامية فكيف لنا أن نطلق علي الحجاب الذي فرض علي كل مسلمة انه زي طائفي في دولة إسلامية؟ مؤكدا أن هذا وضع مقلوب ومستغرب. ويضيف أن يتصفح في التوراة والإنجيل يعرف أن الحجاب كان موجودا في كل الأديان حتي قبل ظهور الإسلام وفي أيام الجاهلية وجاء الإسلام ليقره ويعترف به ويحدد معالمه فكيف بعد ذلك نطلق علي الحجاب زيا طائفيا؟ والحديث للدكتور بيومي وكيف تعترض المرأة المسلمة في البيئة العلمانية الغربية علي إجبارها علي خلع النقاب في الوقت الذي تدعو فيه دولة عربية إسلامية النساء إلي خلع الحجاب؟! فيما يؤكد الدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن هذه الإجراءات تعد استمرارا لما بدأه الرئيس بورقيبة والذي قام بالعديد الإجراءات التي تخالف الدين الإسلامي كالحكم بالحبس علي يتزوج للمرة الثانية و المتسغرب أنه إذا اعترف الزوج بأن إحدي العلاقتين لم تكن كزواجا أي أنه اعترف بارتكاب الفاحشة كانت تتم تبرئته. ويتساءل د. الشيخ لماذا نغضب إذن لو عت دولة أجنبية المسلمات ارتداء الحجاب كما حدث في فرنسا أو حتي حكمت عليهن بالسجن طالما أن هناك دولة إسلامية تع الحجاب علي الرغم أنه يتفق كل العلماء عليها؟ ويكمل قائلا: أين إذن شعارات الحرية التي يتم التحدث باسمها عندما يتم إجبار المرأة في تونس علي خلع الحجاب؟ أليس هذا حجرا علي الحريات؟ ولماذا لم نر كل هذه الضجة علي انتشار العري بكل أشكاله؟ مؤكدا أنه في هذه الحالة فقط يكون الحديث عن حرية المرأة وتحررها ويتساءل: أين جامع الزيتونة الآن الذي كان ارة للإسلام مثل الأزهر؟ وأين دوره؟! الدكتورة آة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة تتعجب كثرة التقلبات والاتجاهات غير المتزنة سواء قبل الحكومات أو الأفراد تجاه الإسلام فتتأرجح المواقف بين التشدد والتطرف والتفريط والابتعاد عن التعاليم الإسلامية موكدة اندهاشها أن تقوم دولة إسلامية بالوقوف ضد الحجاب في الوقت الذي تصاعدت فيه الكثير ردود الأفعال ضد جاك سترو لرأيه بنزع النقاب وتتساءل هنا: أين وسطية الإسلام والاعتدال الذي يأمرنا به؟ وما هذا الاضطراب فيما يتعلق بكل ما هو إسلامي؟! مشيرة إلي أنه يحدث نفس الشيء لدينا في التضييق علي المذيعات المحجبات وعهن الظهور علي الشاشة وهو حجر علي حرية المرأة مؤكدة أن الحجاب ليس زيا طائفيا وإنما يتفق مع الفطرة السوية التي اتفقت عليها كل الأديان في ضرورة احتشام المرأة في المسيحية واليهودية حتي إن جاكلين كيندي غطت شعرها وهي تقابل البابا كما أن كثيرا المسيحيات والراهبات يرتدين زيا مشابها للحجاب فالحجاب وحتي النقاب موجود في العقائد اليهودية والمسيحية. وتضيف أن ما يحدث هو تعبير واضح عن حالة التنصل والانسلاخ والخروج عن حضارتنا وثقافتنا وعودة إلي حالة 'التفرنس' في تونس بعد أن تخلصت الاحتلال الفرنسي وعادت إلي القومية العربية والإسلامية ليحدث تراجع شديد وانسحاب هذه القومية والهوية بعد أن أصابها الضعف وأصبحت مهبا للرياح وهو ما ظهرت معه النعرات المتطرفة في الانسلاخ الشديد هذه الهوية. مشيرة إلي أن ذلك يتفق مع نفس المبررات التي تمت بها الإساءة للصحابة في محاولة للانسلاخ بتحطيم كل الثوابت الحضارية والإسلامية حتي نجد لأنفسنا مبررات للتنصل هذه الهوية. المصدر: جريدة الاسبوع المصرية السنة - 500 ه - العدد 1426 30 - م 2006 أكتوبر 23