توفي صباح اليوم الخميس الرئيس التركمانستاني صابر مراد نيازوف ، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية طوال واحد وعشرين عاماً. عرف "نيازوف" عالمياً بأنه الزعيم الذي كرّس تقاليد عبادة الشخصية ولقب نفسه "تركمان باشي" أي أب كلّ التركمان. كان عهده عهد استبداد مطلق في الدولة الآسيوية التي يسكنها أربعة ملايين نسمة. حتى بلوغه الثلاثين لم يكن هناك شيء في حياة صابر مراد نيازوف يشير إلى أنه سيدخل التاريخ بوصفه أحد المستبدين المهووسين بعبادة أنفسهم. عمل مهندساً في مصنع بمدينة "لينينغراد" الروسية، وفي محطة للطاقة المائية في ما كانت تعرف آنذاك ب "الجمهورية التركمانية الإشتراكية السوفيتية". لكن سرعان لمع اسمه فجأة وترقى بسرعة داخل الحزب الشيوعي ليصبح في عام 1985 رئيساً للوزراء في تلك الجمهورية السوفيتية. منذ ذلك الحين بدأت مسيرته التسلطية كحاكم مطلق للتركمان. مثلما حدث لمعظم نظرائه في جمهوريات آسيا الوسطى، تمكن في عام 1990 بسهولة أن يتحول من رئيس للحزب الشيوعي إلى رئيس للجمهورية الوليدة. منذ عام 1999 أصبح "نيازوف" رئيساً مدى الحياة بعد أن اختاره لذلك البرلمان الذي ينتمي جميع أعضائه إلى حزب الرئيس وهو حزب تركمانستان الديمقراطي. قبل ذلك أطلق هو على نفسه لقب "تركمان باشي" أي أب التركمان، ومارس الحكم كملك مطلق السلطات. تغير في عهد "نيازوف" وجه العاصمة عشق آباد بشكل كبير. في كل منعطف تقابلك صورة "أب التركمان" كما يهيمن حضوره على شاشة التلفزيون. امتلأت المدينة بالتماثيل الذهبية والقصور الفخمة تمجيداً ل "تركمان باشي" ولوالدته. هناك مثلاً نصبٌ تذكاري يرتفع في المدينة إحياءً لذكرى الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة عام 1948 وراح ضحيته 170 ألف شخص. يتألف النصب من كرة أرضية وحولها يدٌ من الذهب هي يد والدة "نيازوف" التي راحت ضحية الزلزال. اليد ترفع طفلاً صغيراً إلى الأعلى، هذا الطفل هو الذي أصبح في ما بعد "أب التركمان". النشيد الوطني يتغني بالرئيس، واسمه أطلق على عدد كبير من الشوارع والساحات، وهناك مدينة تحمل اسمه، بل وأطلق اسمه على أحد النيازك. أمر "نيازوف" أيضاً بتسميات جديدة لأيام الأسبوع واشهر السنة. لم تعد السنة تبدأ بشهر "يناير" بل بشهر "تركمان باشي". لم يكن "نيازوف" يتحمل أي شكل من أشكال المعارضة. من يجرؤ على التشكيك بقيادته ينتهي به الأمر في السجن أو يختفي بلا أثر. زعماء المعارضة هربوا جميعاً إلى روسيا أو إلى أوربا. وحتى في موسكو لم يكونوا بمأمن منه. فقبل بضع سنوات تعرّض وزير الخارجية الأسبق أودي كوليجيف للاعتداء في أحد شوارع العاصمة الروسية. بعد هذه الحادثة اختار الوزير السابق أن يواصل كفاحه ضدّ "نيازوف" من بلد أوربي أكثر أمناً. السياسة الداخلية للدكتاتور "نيازوف" كانت موجهة لإثراء الذات والمقربين. كانت الملايين الأربعة من الشعب التركماني تعاني فقراً مدقعاً في البلاد الصحراوية بينما كان الرئيس وبطانته ينعمون بالثراء الفاحش. كانت الموارد الهائلة التي توفرها حقول النفط والغاز تذهب إلى حسابات في البنوك الأجنبية. ويزعم معارضو الرئيس بأن نظامه الذي استشرى فيه الفساد كان يستفيد أيضاً من تجارة المخدرات مع البلد الجار أفغانستان. الخدمات الصحية والتعليمية لم يعد لها وجود إلا على الورق. فقد أمر "نيازوف" بإغلاق المستشفيات والمكتبات العامة، وأخضع الاستماع إلى الإذاعات لرقابة شديدة. في مطلع هذا العام قرر "أب التركمان" إلغاء نظام التقاعد زاعماً أن إعالة الكبار هي مسئولية أبنائهم. أدّت وفاة "القائد الأكبر" ، كما يحب أن يسمى، إلى حدوث فراغ في السلطة في تركمانستان. فعلى عكس نظرائه في جمهوريات آسيا الوسطى، لم يعين "نيازوف" خليفة له من أفراد عائلته. أحد المرشحين لخلافته نجله "مراد" البالغ 39 عاماً. ولكن السلطة انتقلت الآن مؤقتاً إلى نائب رئيس الوزراء "بردي محمدوف" الذي يشاع أنه ابن غير شرعي لنيازوف. المعارضة الموجودة خارج البلاد تترقب التطورات قبل أن تقرر ما إذا كان بوسعها العودة إلى الوطن. ولا يبدو أن المعارضين سيغامرون بالعودة قبل أن يحصلوا على ضمانات أمنية وعلى إعادة الاعتبار لهم من قبل البرلمان.