سعيد يفجرها ويكشف ما تم العثور عليه في احد مركز اقامة الأفارقة بصفاقس..#خبر_عاجل    جبهة الخلاص تتضامن مع الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي    الدعوة الى مواصلة التفاوض بتنفيذ المشروع لتدارك التّأخير الحاصل منذ سنوات    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    البطولة الفرنسية: ليون يحقق فوزا مثيرا على ليل بنتيجة 4-3    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    عاجل/ تقلبات جوية بداية من عشية اليوم وطقس شتوي بامتياز..    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور"    بالفيديو: قيس سعيّد: هم رفضوا الانتخابات التشريعية واليوم يتهافتون على الرئاسية    القمودي: مؤامرة تُحاك ضدّ تونس    نشاط للهيئة العليا لوزارة أملاك الدّولة    روسيا تشهد اليوم تنصيب بوتين رئيسا.. وأميركا تتغيب عن الحضور    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    الصحة العالمية تحذر من شن عملية عسكرية في رفح    قراصنة يخترقون وزارة دفاع بريطانيا ويصلون إلى رواتب العسكريين    سعيد.. سيحال على العدالة كل من تم تعيينه لمحاربة الفساد فانخرط في شبكاته (فيديو)    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    صادرات قطاع القوارص ترتفع بنسبة 15,4 بالمائة    النادي الصفاقسي يوضح تفاصيل احترازه ضد الترجي    جامعة كرة القدم تحدد موعد جلستها العامة العادية    طقس الليلة: مغيم مع هبوب رياح قوية في كافة مجالاتنا البحرية    هل يساهم تراجع التضخم في انخفاض الأسعار؟.. خبير اقتصادي يوضّح    عاجل/ تفاصيل مقترح وقت اطلاق النار الذي وافقت عليه حماس    مدنين: حجز أكثر من 11 طن من الفرينة والسميد المدعم وحوالي 09 أطنان من العجين الغذائي    لأول مرة في مسيرته الفنية: الفنان لمين النهدي في مسرحية للأطفال    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    وفاة مقدم البرامج والكاتب الفرنسي برنار بيفو    الحمامات: القبض على إمراة أجنبية رفقة رجل تونسي وبحوزتهما أنواع مختلفة من المخدّرات    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    صادم: قاصرتان تستدرجان سائق سيارة "تاكسي" وتسلبانه تحت التهديد..    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    اجتماع أمني تونسي ليبي بمعبر راس جدير    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق المديني : شمال افريقيا القاعدة الخلفية لحرب «القاعدة»
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

تأكدت عودة نشاط الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة المغرب العربي بصورة تراجيدية في الجزائر، يوم الإربعاء 11 نيسان /أبريل الماضي .ورغم درجة التأهب الأمني من قبل أجهزة الأمن الجزائرية التي اتخذت إجراءات جديدة عبر فرض مزيد من الصرامة على طول المحافظات الكبرى، تحسبا لتصعيد إرهابي محتمل، على خلفية ما شهدته منطقة القبائل الأسبوع الماضي، واكتشاف عشرات القنابل زرعت في أماكن مختلفة في الأيام الماضية، فإن تنظيم "قاعدة الجهاد في بلادالمغرب الإسلامي" استطاع أن يشن هجوما ضخما و نوعيا ، استهدف مقر رئاسة الحكومة ومركزين أمنيين في باب الزوّار على الأبواب الشرقية للعاصمة الجزائرية.
ويريد تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" من خلال هذه الهجمات الاستعراضية إعطاء انطباع بقدرته على التعفين وزرع البلبلة في قلب العاصمة الجزائرية ،عبر استهداف مركز الدولة ، أي القصر الحكومي ، وهو مبنى ضخم من طوابق عدة يعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي، ويضم مكاتب رئيس الوزراء ووزارات عدة بينها وزارة الداخلية، بهدف تحقيق صدى إعلامي واسع هو في أمس الحاجة إليه.
وتبنى تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" هذه الهجمات،التي أسفرت عن سقوط 30 قتيلا و أكثر من 222 جريحا، وهي الأولى من نوعها في العاصمة منذ بدء المواجهة مع الجماعات المسلحة في التسعينيات. وبدا كما لو أنّ هذه الهجمات جاءت ردّاً منه على مقتل 32 عنصراً من التنظيم أبرزهم "أبو صهيب عبدالرحمن" على أيدي القوات النظامية في منطقة القبائل قبل أيام.. وقد أفضت هذه العمليات إلى شل نشاط التنظيم المسلح ودفع بقية خلاياه التي تمكنت من النجاة من عمليات الحصار التي تقوم بها قوات الجيش، إلى تنفيذ هذه التفجيرات الانتحارية لدفع قوات الجيش إلى رفع الحصار عن منطقة القبائل.
و قد خلفت الحرب الأهلية التي دارت رحاها في الجزائر بين المؤسسة العسكرية وأجهزة المخابرات من ناحية و الجماعات الإسلامية المسلحة من ناحية أخرى ، طيلة المرحلة الممتدة ما بين 1992و 2002، ما بين 150000و 200000 قتيلا.و إن كان هذا العنف شهد تراجعا ملحوظا مع بداية عام 2003 .
وكانت السلطات الجزائرية درجت منذ عام 2003على إثبات الروابط بين "الجماعة السلفية للدعوة و القتال" وبين تنظيم القاعدة الأم ، مقدمة "الأدلة"، ومصدرها الوحيد هو قسم الاستخبارات والأمن (أو من هم على علاقة به في الصحافة الجزائرية)، بهدف الحصول على دعم مالي و عسكري من واشنطن.و قد سمح هذا الوضع للإدارة الأميركية بإدراج المجموعة السلفية على لائحة "المنظمات الإرهابية" .
وقد جهدت الأجهزة السرية في الجيش الجزائري، أي قسم الاستخبارات والأمن البالغ النفوذ (الأمن العسكري سابقاً) لكي تقنع الرأي العام الدولي بأن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" مكلفة بإنشاء مراكز لتنظيم القاعدة في منطقة الساحل الإفريقي.وبعد فترة خففت الولايات المتحدة الحصار على الأسلحة المتوجهة الى الجزائر وأعلنت عن بيعها بعض التجهيزات العسكرية الخاصة بمكافحة الإرهاب .وكان السيد وليم بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، قد أعلن في أواخر العام 2002 من الجزائر العاصمة أن "على واشنطن أن تتعلم الكثير من الجزائر في مجال الحرب على الإرهاب" .
وهكذا تحولت الجزائر هدفاً لتنظيم القاعدة وبالتالي حليفة طبيعية للولايات المتحدة، كما كانت مطاردة بن لادن مبرراً لاحتلال أفغانستان وإقامة قواعد عسكرية في آسيا الوسطى المنطقة الاستراتيجية لواشنطن. وهكذا تحولت "الجماعة السلفية للدعوة و القتال " لتشرعن الوجود العسكري الأميركي في الساحل الإفريقي الذي بات يصور على أنه قاعدة خلفية محتملة لتنظيم القاعدة.
1-القاعدة في المغرب العربي و الانخراط في عولمة العنف
عندما تقوم شركة متعددة الجنسيات بتغيير اسمها ، فهي تقوم أولا بحملة علاقات عامة.و هكذا عندما أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال انضمامها الى القاعدة في2 نوفمبر / تشرين الثاني2006 ،وأنها غيرت اسمها ليصبح "قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الاسلامي"، وتكرّس ولاءها لأيمن الظواهري الذي حمّلها بدوره شرف قيادة وتنسيق عمل القاعدةالأم في بلاد المغرب العربي بعدما انضوت تحت لوائها باقي الجماعات الإسلامية المتشددة في البلدان المغاربية، والتي أجمعت على التكاتف والاتحاد، توقع خبراء مكافحة الإرهاب وقوع الأسوأ في الجزائر كما في أوروبا.!
ومذاك تعهد التنظيم الجديد بتوسيع نشاطه كي يشمل كافة بلدان المغرب العربي، فضلاً عن جيرانها الأوروبيين كفرنسا وإسبانيا، وربما إيطاليا مستقبلاً. وقد استفاد التنظيم من عوامل جيبولوتيكية ولوجستية عديدة ساهمت في إنجاح ضرباته، ليس أقلها استغلاله لحال التراخي الأمني الموجود في المناطق الصحراوية الممتدة في مثلث الجزائر - مالي - تشاد. كما ساعده أيضا الخلاف الجيوسياسي الموجود بين المغرب والجزائر حول الصحراء المغاربية، وانعكاسات ذلك علي درجة التعاون الأمني واللوجيستي بين أجهزة المخابرات في البلدين، إلي الدرجة التي تحدثت فيها تقارير عديدة عن وساطة فرنسية بين المغرب والجزائر لزيادة التعاون الاستخباراتي والأمني بين البلدين.
وجاءت التفجيرات الأخيرة التي هزت العاصمة الجزائرية لتؤكد هذه المخاوف. فتغيير الإسم يتوافق مع مصالح متبادلة بين قيادة "الجماعة الإسلامية للدعوة و القتال" و النواة المتشددة في تنظيم القاعدة. الأولى تستفيد من شهرة الماركة المعروفة عالميا تحت اسم القاعدة، و الثانية تستفيد من المآثرلممثليها الجدد لكي تطور شبكاتها الإرهابية في منطقة المغرب العربي.
وكتب جيوف بورتر من مجموعة يوراسيا الاستشارية التي تقدم استشارات للشركات بشأن مخاطر الاستثمار إن "تغيير الإسم جذب اهتماما إعلاميا كبيرا وعادت الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى الظهور في الصفحات الاولى في الصحف ووضعت في اطار انتشار محتمل للإرهاب الإسلامي في كل أنحاء شمال إفريقيا."
وفي نفس الوقت غيرت الجماعة استراتيجيتها نحو التفجيرات المثيرة في الاماكن العامة في البلدات متخلية عن هجمات الكر والفر على الشرطة في المناطق الريفية.
وقال ماجنوس رانستورب خبير الارهاب بكلية الدفاع الوطني السويدية إن "هذا إلى حد ما يتعلق بالسعي إلى عناوين تلفت الانتباه ولكن أعتقد أيضا أن له علاقة بالعثور على أفضل مكان يستطيعون فيه إثارة عدم الاستقرار وزعزعة الوضع الأمني.وقالت جيودسيلي من تيورسيك كونسولتانسي إن الجماعات الإسلامية المسلحة في المنطقة تتقاسم نفس الايدلوجية والهدف العام ولكن لا يوجد دليل ملموس على وجود صلات فيما يتعلق بالعمليات.وأضافت "توجد صلات بين الأفراد فهم يتحدثون ويتقاسمون نفس الآراء..ولكن ليس على صعيد العمليات."
وقالت جيودسيلي إن "الصلة مع القاعدة اعطت الجماعة السلفية للدعوة والقتال الشرعية في السعي لتوحيد الجماعات المختلفة في المنطقة ولكن لا نستطيع التحدث عن تنظيم واحد."وقال محللون ان من المحتمل ان مفجري الدار البيضاء والجزائر يتقاسمون الخبرة في تصنيع القنابل والمتاحة بسهولة على الانترنت وربما حركتهم نفس المواعظ عن الاستشهاد الموجودة على شرائط صوتية واقراص مدمجمة متاحة بسهولة في الاحياء الفقيرة في كل من المدينتين.ولكن هناك اختلافات بين الجماعات المسلحة بالمنطقة.
نحن الآن في مواجهة الجيل الثالث من نشاط الإسلاميين المتشددين ، بعد الجبهة ٌالإسلامية للإنقاذ، و الجماعة الإسلامية المسلحة،التي "زاغت عن الجهاد الشرعي". إذ أن نموذج الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) الذي يقوم على خوض القتال في الجبال ، و إرادة بناء دولة إسلامية لم يعد صالحا.فالجيل الثالث من الإسلاميين ، ليس لديه أي استراتيجية لاستقطاب الجماهير، بل إنه يمارس العنف في إطار مشروع معولم يتجاوز الحدود القومية .فهؤلاء الإسلاميون من الجيل الثالث لا يمتلكون مشروعا سياسيا .كما أن الجماعة السلفية للدعوة و القتال بعد انضمامها للقاعدة قد خفضت من هدفها الأصلي و هو الإطاحة بالحكومة العلمانية لمصلحة استهداف الغربيين،و لذا تخلت عن الاستراتيجية السابقة التي كانت تعتمد على إدارة عملياتها الإرهابية انطلاقا من الجبال أو المناطق الريفية و المعزولة ، و انتقلت للعمل داخل في المدن، الكبرى.وتؤكد التفجيرات الأخيرة في الدار البيضاء و الجزائر العاصمة أن تلك الاستراتيجية دخلت حيز التطبيق الفعلي، للحصول على تأثير إعلامي على مستوى دولي.
وتكشف العمليات الانتحارية الأخيرة التي قام بها تنظيم "قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الاسلامي"،تفجيرات بوساطة السيارات المفخخة في منطقة القبائل يوم 13 شباط/فبراير الماضي ، و العملية ضد الحافلة التي كانت تنقل موظفين من الشركة الأميركية"بي ،أر،سي" وهي فرع للشركة الوطنية التابعة للدولة سوناتراكو هليبرتون ، و التي راح ضحيتها سائق الحافلة و تسعة جرحى منهم ثمانية أجانب يوم 6 ديسمبر 2006،تكشف هذه العمليات عن إرادة واضحة لزعزعة النظام الجزائري ، كما أنها تدخل إطار الحركية الإسلامية الجهادية الدولية.
تضم "الجماعة السلفية للدعوة و القتال"ما يقارب 800 ناشطا يتمركزون أساسا في منطقة القبائل و عاصمتها بجاية، فضلا عن كونها تحظى بدعم الكثيرين من الجزائريين المقيمين في أوروبا، لا سيما في فرنسا التي تضم جالية جزائرية كبيرة.وتعاقب على رئاستها عبد المجيد ديشو الذي قتل عام 1999، ثم حسان الحطاب الذي طلق التنظيم عام 2003، ثم نبيل الصحراوي الذي لقي مصرعه على يد قوات الجيش الجزائري صيف 2004. و تزعم عبد المالك درودكل المعروف باسمه الحربي أبو مصعب عبد الرحمن الجماعة منذ صيف 2004و لغاية الآن. و بمجرد صعوده إلى الزعامة لم يخف أبو مصعب نيته في تدويل الجماعة.
ويحاول أبو مصعب منذ عدة أشهر معالجة تذرر منظمته عبر التأكيد على "إرادة المركزية الديمقراطية" حسب القول الساخرلأحد المسؤولين الفرنسيين الكبار في مكافحة الإرهاب.إنه يحاول توحيد فيدراليات الكتائب لمختلف المناطق الجزائرية، وتطوير الاتصالات في كل شمال وغرب إفريقيا، حول القوس الممتد من موريتانيا إلى ليبيا.
ويتألف تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من مقاتلين يتمركزن في المناطق الجبلية شرقي العاصمة الجزائرية حيث تحاول الحكومة تأكيد سيطرتها.و منذ آذار/مارس عام 2004 كان الجنرال تشارلز والد، مساعد قائد القوات الأميركية في أوروبا ، يؤكد أن عناصر من تنظيم القاعدة يحاولون أن يستقروا "في القسم الشمالي من إفريقيا، في الساحل وفي المغرب. فهم يفتشون عن ملاذ كما في أفغانستان حين كانت حركة طالبان تتولى الحكم. إنهم بحاجة إلى مكان مستقر لكي يتجهزوا ويتنظموا ويجندوا عناصر جديدة
لاشك أن هجمات 11 أبريل في الجزائر ، جاءت لتؤكد أن تغيير اسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر" ، يتوافق جزئيا مع واقع القاعدة.و علاوة على تبني القاعدة هذه الهجمات نفسها،هناك عدة مؤشرات تدافع عن هذه الاتجاه.حتى الوقت الحاضر،و بصورة استثنائية تقريبا، لم تلجأ أي مجموعة إسلامية مسلحة إلى العمليات الانتحارية أبدا. بصمات تنظيم "القاعدة" جلية، ونوعية ضرباته وأهدافه رسالة تحدٍ واضحة، ورائحة أفكاره تفوح من بين أشلاء القتلى. بينما هذه الهجمات لاقت إستنكارا شديدا من مختلف مكونات المجتمع المدني الجزائري ،لا سيما الإسلامية منها ،إذ أصدرت الأحزاب الجزائرية الموالية والمعارضة بيانات شجبت فيها الهجمات ،وأعلنت تضامنها مع الدولة ، ودعت إلى التحام جميع الفرقاء السياسيين في وجه ما سمته بالهجمة الإرهابية التي تتعرض لها البلاد.
ويرى المحللون في شؤون الحركات الإسلامية في منطقة المغرب العربي، أن تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي " يعاني أزمة حقيقية ، بسبب تزايد أعداد "التائبين" الذين تخلوا عن العمل المسلح قصد الاستفادة من سياسة المصالحة الوطنية وتدابير العفو الشامل، وكذا بسبب الضغوط التي تمارسها وحدات الجيش الجزائري على بعض المسالك التقليدية بالمناطق الحدودية مع مالي و ليبيا .
وقد تحول هؤلاءالتائبون إلى "مخبرين" بدرجة امتياز في الفترة الأخيرة، وبالمعلومات الميدانية الدقيقة التي يوفرونها للأجهزة الأمنية باتوا يهددون أمن عناصر التنظيم المسلح ككل. وكانوا السبب في معظم العمليات الناجحة التي قامت بها قوات الأمن الجزائري، خاصة بعد إعتقال عشرة ناشطين تونسيين كانوا في طريقهم إلى الجبال الجزائرية لتلقي تدريب عسكري على أيدي قيادات التنظيم المسلح، وهو ما عزز الانطباع بأن تنظيم " قاعدة الجهاد" قد يكون مخترقا بشكل يصعب التعامل معه.
أما المغرب فهو مجتمع فقير ولكن مستقر .ويقول الخبراء إن السلفيين الراديكاليين الساعين إلى مجندين للقيام بمهام انتحارية يستهدفون الشبان الأميين والعاطلين من الأحياء الفقيرة بالدار البيضاء وطنجة وتطوان.وقد ترافقت هجمات الجزائر مع الهجمات الانتحارية الجديدة التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء قبل يوم واحد من أحداث الجزائر، والتي قضي فيها فيها أربعة انتحاريين ومفتش شرطة، وخلفت ضحايا وصدمات في صفوف الأهالي.وكانت مصادر أمنية مغربية قالت إن الانتحاري الذي فجر نفسه هو سعيد بلواد، مولود في الدار البيضاء في ،1976 وكان ينتمي إلى مجموعة من أربعة أشخاص، فجر ثلاثة منهم أنفسهم ، وأصيب الرابع بالرصاص قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى متأثرا بجروحه.
وتعيش الأجهزة الأمنية المغربية حالة من التأهب القصوى تحسبا لوقوع انفجارات جديدة، وهي تبحث الآن عن عشرة انتحاريين شديدي الخطورة، يعتقد أنهم مختبئون في الدار البيضاء عقب مقتل الأربعة، وهم على استعداد لتفجير أنفسهم كما فعل أولئك.
وترى السلطات المغربية أن الإرهابيين الأربعة الذين لقوا حتفهم لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم الدموية بفضل يقظة وحرفية أجهزة الأمن المغربية، والتي ضاعفت من يقظتها منذ حادث التفجير في مقهى للإنترنت في الدار البيضاء في 11 الشهر الماضي من أجل الحيلولة دون تنفيذ مخططاتها، ولم يكن أمام الإرهابيين الذين كانت تلاحقهم الشرطة بعد تحديد أماكن تواجدهم في الصباح الباكر من خيار آخر سوى أن يفجروا أنفسهم، بغرض أن يحصدوا معهم أرواح ضحايا أبرياء.
وكانت مدينة الدار البيضاء – القلب الاقتصادي للمغرب - شهدت في أيار/مايو 2003 عدة تفجيرات في غاية من العنف ، أكدت عن نهاية دورة تاريخية من الموافقة الإجماعية على السياسة التي ينتهجها المخزن, و القائمة على رفض المواجهات بوساطة العنف في الثقافة السياسية المغربية.و كشفت تلك التفجيرات عن وجود جماعتين هما:" السلفية الجهادية" التي قالت السلطات أنها تقف وراء الهجمات الانتحارية، و كذلك "الجماعة المقاتلة الإسلامية المغربية" ذات الارتباط الدولي بتنظيم القاعدة.
ومثلت تلك التفجيرات التي استهدفت مراكز أجنبية و سياحية و مطعم يهودي تابع للطائفة اليهودية في فيردان ، مفاجأة الإسلام السياسي المغربي , إذ أن المملكة المغربية لم تشهد في تاريخها السياسي الحديث هجوما مسلحا قويا و منظما من العنف داخل المدن. إنه تحدي كبيرلهيبة الدولة , و لكنه أيضا للإسلاميين التقليديين , الذين يرفضون اللجوء إلى العنف.
و يجمع المحللون أن تلك التفجيرات شكلت تحولا استراتيجيا مهما لأنها أطلقت العنان لأول نزاع بين الدولة المغربية الموالية للغرب ، و التنظيمات الإسلامية المتطرفة ، إذ أعلنت الرباط أن بعض الانتحاريين الذين نفذوا التفجيرات مرتبط بتنظيم " الصراط المستقيم " المغربي الإسلامي المحظور و المتعاطف مع تنظيم " القاعدة " بزعامة أسامة بن لادن . هذا الإسلام السياسي المتطرف أصبح موجودا في المغرب , و يتميز عن "الإسلام الرسمي المشرعن من السلطة"الذي يجسده حزب العدالة و التنمية, التشكيلة الرئيسية للمعارضة البرلمانية, و كذلك عن تنظيم "العدل و الإحسان" الأقل مرونة في مواجهة السلطة.
وكان المغرب سباقا إلى التصادم مع "الشبيبة الإسلامية" منذ الستينيات من القرن الماضي، قبل أن يتم تأسيس حركتين ، هما"حركة العدل و الإحسان" و "حركة الإصلاح و التجديد"، على أنقاض الشبيبة الإسلامية في بداية الثمانينيات. ومع إجراء تعديلات دستورية فتحت الباب أمام التعددية الحزبية، كان للحركتين حضور واضح في الحياة العامة.
وهناك نقاط تشابه بين تجربة المغرب مع تجربة الجزائر، فيما يتعلق بالحركة الإسلاميةالجهادية ، من حيث انتهاؤها إلى حركتين ، تركز إحداهما على البعد المحلي، فيما للثانية علاقات بتنظيم القاعدة.
2-التهميش ، و اليأس ، و الانغلاق السياسي ، يشكلون قالب الإرهاب المغاربي
تؤكد الهجمات التي وقعت في كل من الدار البيضاء، و تونس مع بداية هذه السنة ، ومؤخرا في الجزائر ، و التي أوقعت عشرات الضحايا ، أن قضية الجهاد لم تعد محصورةً في نزاعات طرفية مثل أفغانستان والشيشان أو يوغوسلافيا السابقة بل إن الاستهداف بات يطاول قلب العالم العربي الإسلامي. فهو يصيب الأردن والسعودية والمغرب و الجزائر و تونس . إذ تكشف هذه الهجمات أمام العالم تجذُّر شكل إيديولوجي أصولي جديد وهو "التكفير" الذي لا يكتفي بمحاربة الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل ،بل يدين أيضاً الحكام المسلمين (وكل من يقدّم لهم الدعم من قريب أو بعيد) فيعتبرهم كفرة مرتدّين. ويلجأ هذا التيار إلى العنف السياسي ضد الدول من أجل إرغامها على "العودة إلى شرع الله والمجتمع النبوي للإسلام الأول". لا يسعى فقط إلى الإطاحة بالأنظمة الفاسدة وغير الشعبية بل إلى تطهير النظام السياسي القائم.
وكانت حركة "التكفير والهجرة" قد ظهرت إثر انشقاقٍ في السبعينيات في جماعة الأخوان المسلمين المصرية لتكون حاملة لأكثر الإيديولوجيات دعوةً للعنف في العالم الإسلامي ابتداءً من التسعينات على وجه الخصوص .وقد مثّل هذا التوجه قطيعةً مع سائر التيارات الإسلامية النازعة إلى المشاركة في الحياة السياسية الشرعية من أجل إقامة الدولة الإسلامية من خلال الانتخاب عند الضرورة. ويطلق على هذه الحركة اسم السلفية التكفيرية.
و يتكون هذا الإسلام السياسي المتطرف في المغرب العربي من جناحين :الأول , جناح "الأفغان المغاربة" الذين قاتلوا مع أحزاب المجاهدين الوجود السوفياتي في أفغانستان, والثاني , "السلفيون المجاهدون " الذين جسدوا القطيعة مع المملكة السعودية عشية حرب الخليج الثانية. ويعد بروز هذا الشكل الجديد للإسلام الراديكالي بالطبع من عدد متزايد من الإخفاقات السياسية و الإيديولوجية ، على الساحة العربية عامة ، و الساحة المغربية خاصة ، نهاية العالمثالثية المناهضة للإمبريالية الغربية و المدافعة عن حركات التحرر الوطني ، وإفلاس الأحزاب الاشتراكية العربية ، ومأزق الحركات الإسلامية المعتدلة ، يضاف إليها جميعها عودة الاستعمار الأمريكي الجديد إلى احتلال العراق ، و الدعم المطلق الذي يقدمه للكيان الصهيوني ، و قيام الأنظمة العربية بتأميم المرجعيات الدينية الرسمية في العالم العربي لكي تخدم الرأسمالية التابعة .
و ينتمي المغرب و الجزائر إلى دائرة البلدان العربية حيث أن الحركة الإسلامية تحولت عنصرا رئيسا من عناصر التركيبة السياسية الحالية في مشهده السياسي . و لعل الحضور الشعبي الحقيقي للحركات الإسلامية في منطقة المغرب العربي أوسع من نسبة التمثيل التي أتيحت لها ، لا سيما في الجزائر و المغرب،إذ أنها تستند إلى تيار معارض في الوقت عينه مازال خارج اللعبة حتى الآن . و يبدو التناقض الصارخ الآن في المغرب العربي بين الرأي العام – الذي أصبح ملتفا حول الحركة الإسلامية ، لا سيما في المدن المتوسطة ، والأحياء الفقيرة من المدن الكبرى ،حيث تستقر الأجيال الأولى من الريفيين النازحين إلى المدينة – و بين الأنظمة المغاربية التي لا تزال تفضل التحالف مع الغرب عامة ،و الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص . ولقد أصبح شمال إفريقيا في نظر الإسلاميين المتطرفين إقليما تابعا للولايات المتحدة يتوجب و الحال هذه " تحريره ".
ينتمي هؤلاء الإسلاميون المتطرفون إلى جيلٍ جديدٍ من الأصوليين المنبثقين من مناخ التهميش في أحياء مدن الصفيح المغاربية، التي تستقبل النازحين من الفلاحين الذين لا يملكون أرضاً والمقتلعين من الأرياف الفقيرة، نتاج حركة الرسملة التي عمت البلدان المغاربية منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي..ويعيش سكان مدن الصفيح هذه من المتاجرة بالممنوع والسرقات والشطارة غير المشروعة. وتقع هذه "الغيتوات" البائسة على مسافة قصيرة جدا من العواصم المغاربية ، لا سيما الدار البيضاء: فلا توجد فيها لا مياه جارية ولا مجارير ولا كهرباء فيما المياه المبتذلة السامة والكريهة الرائحة تتجمع في وطأة الحر في الأزقة ليحوم حولها البعوض حاملاً أنواع الأمراض كافة. المقيمون في الأحياء السكنية المدينية يسمون هذه الأحياء "الشيشان" في دلالة واضحة على تفككها المدني والاجتماعي والثقافي.
وقد تحولت هذه المناطق المهمشة إلى خير معينٍ للإسلاميين الأصوليين . ذلك أن الفارق بين الإسلاميين الأصوليين المتطرفين والإسلاميين المعتدلين المنضوين ضمن الشرعية السياسية (على غرار حزب العدالة والتنمية في المغرب ) أو(حركة مجتمع السلم في الجزائر ) ليس تكتيكياً فقط بل اجتماعياً أيضاً.
ثم إن إسلاميي الجماعات المسلحة ليسوا من شبان المناطق الفقيرة في قلب المدن القديمة التاريخية، ولا من المناطق الصناعية والمجمعات السكنية الكبرى التي هجرتها الأحزاب ونقابات اليسار وحتى اليسار المتطرف من زمنٍ طويلٍ ،لتشهد منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران هيمنة المناضلين الإسلاميين التقليديين. الإسلاميون المتطرفون هم من المستلبين الخارجين من بيئات اجتماعية مفككة لم يعرفوا فيها سوى حياة الغيتوات البائسة والمليئة بالعنف حيث عوملوا معاملة الحيوانات المفترسة. وهم بإسم مفهومٍ ضيقٍ للإسلام يردّون هذه الوحشية القاسية ضد النظام القائم.
غير أن القاعدةالأم ليست إلا ماركة مسجلة تختص بموجة إسلامية لا مركزية ، يصعب إختراقها ,و التي يبدو أنها في تنامي مستمر ,و لا توجد إلا عير الإنغراس في التربة المحلية . فهناك تنظيمات إسلامية متطرفة تتجاور في تنظيم القاعدة . فبعد الآباء المؤسسين من قدامى حرب أفغانستان و القادمين من بلدان الشرق الأوسط و المغرب العربي ، التحق بالحركة في عقد التسعينات جيل جديد من الإسلاميين الراديكاليين كالجهاد الإسلامي ، و الصراط المستقيم ، و التكفير و الهجرة ، و الجماعة الإسلامية المسلحة ، و الجماعة السلفية للدعوة والقتال ، و هي كلها تنظيمات إسلامية سرية ، تشكل شبكة مساندة لتنظيم القاعدة .و هي لا تسعى إلى أي شرعية سياسية أو إستراتيجية في لجوئها إلى استخدام العنف في أقصى مداه ضد العدو الجديد المتعدد الأشكال " الغرب " بعد ما عانت إخفاق الحركات الإسلامية في مختلف البلدان العربية .
المواجهات المسلحة الحاصلة في بلدان المغرب العربي، و التفجيرات الأخيرة التي حصلت في الجزائر العاصمة و قبلها الدار البيضاء، و تونس ،لا يمكن تفسيرها بارتباطها بالإرهاب الدولي فقط, بل إنها تجد جذورها في التربة المحلية, لا سيما إصطفاف الأنظمة المغاربية على أرضية الخط السياسي الأمريكي , و التنسيق الأمني المكثف بين و كالة المخابرات المركزية الأمريكية و أجهزة الإستخبارات المغربية. إضافة إلى هذين العاملين , هناك الأزمة الإقتصادية و الإجتماعية التي عجزت الحكومات المغاربية عن معالجتها بما يحقق مطامح الطبقات و الفئات الشعبية الفقيرة, و التي تغذي عدة تنظيمات إسلامية تعمل في السرية التامة وتستفيد من الطبيعة المحافظة و التقليدية للمجتمعات المغاربية , لكي تجسد إسلاما متطرفا راديكاليا في المغرب العربي يسير على خطى تنظيبم القاعدة.
لقد طرحت التفجيرات على السلطات المغاربية مسألة جوهرية , ماهي الإستراتيجية التي ستتوخاها في مواجهة الإسلام السياسي المغاربي على إختلاف مشاربه وإجتهاداته، هل ستستمر الأنظمة المغاربية في اتباع الأسلوب الأمني و العسكري, أم إنها ستستخدم العصا و الجزرة لكي يدخل الإسلاميون في اللعبة الديمقراطية ؟
على الرغم من قيام الأجهزة الأمنية في البلدان المغاربية (تونس، الجزائر ،المغرب) ، بملاحقة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي ينظر إليها كتهديد للأنظمة ، فإن ذلك لم يفضِ إلى نتائج ملموسة، لاسيما في ظل ما تشير إليه جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان من اعتقال أشخاص أبرياء وإخضاعهم للتعذيب، ما يؤدي إلى خلق مزيد من الإرهابيين. وبخصوص الجهود الأمنية التي تقوم بها بلدان شمال أفريقيا لاستئصال الإرهاب، يقول "روهان جارانتا"، وهو أستاذ مشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة سنغافورة ومؤلف كتاب حول "القاعدة"، إن الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا "عانت من ملاحقة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية التي تنسق مع الولايات المتحدة". لكنه يضيف: "أثبتت تلك الجماعات قدرتها على البقاء والاستمرار". كما يقول إن "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" و"الجماعة الإسلامية التونسية المقاتلة"، فضلاً عن "الجماعة الجزائرية" التي تحولت إلى "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، أصبحت كلها "تملك حضوراً في المناطق القبلية بباكستان، فضلاً عن تواجدها في العراق".
في المغرب أظهرت الانتخابات التشريعية التي جرت في أيلول 2002 القوة الحقيقية للإسلاميين الذين ينتمون إلى حزب العدالة و التنمية, وهو الحزب الإسلامي الوحيد المعترف به رسميا, و الذي ضاعف عدد نوابه في البرلمان ثلاث مرات.و يجمع المحللون في الغرب أن حزب العدالة و التنمية أصبح القوة المعارضة الأولى في المغرب, و هو يتقدم على اشتراكيي الإتحاد الإشتراكي للقوى الشعبية , و قوميي حزب الإستقلال. و يكمن خوف الحكومة المغربية من أن تسقط عدة مدن مغربية كبيرة مثل الدار البيضاء, و الرباط, و فاس , وطنجة , في أيدي الإسلاميين, الأمر الذي يذكرها بالسيناريو الجزائري, حين فاز الإسلاميون الجزائريون في الإنتخابات المحلية حزيران 1990.
الخوف المغربي مبني على أن حزب العدالة و التنمية ليس هو القوة الإسلامية الوحيدة في المغرب, فهناك الحركة الإسلامية التي يتزعمهاالشيخ عبد السلام ياسين: تنظيم "العدل و الإحسان",و الذي لا تعترف به السلطة, فهو بدون شك أكثر التنظيمات الإسلامية أهمية في المغرب, إن من حيث عديده أو من حيث بنيته العقائدية . و لقد سمح و جود جمعيات إسلامية خيرية في الحياة السياسية المغربية"السلام", "البر","المشكاة", و الإفادة من مبارحة اليسار الموجود اليوم في الحكومة موقع المعارضة, للحركة الإسلامية المغربية بالمطالبة بحقوقها السياسية, و باحتلال الشوارع من خلال المظاهرات الشعبية بوصفها وسيلة أخرى لتحقيق العلانية المرجوة.
جدد حزب العدالة والتنمية المغربي الإسلامي المعارض رفضه وإدانته للإرهاب، وأشاد بالموقف الشعبي اليقظ في مواجهة التفجيرات التي شهدتها الدار البيضاء الأسبوع الماضي. وقال في بيان أصدره عقب حدوث التفجيرات:إن الوضع يستدعي التأكيد على أهمية تعزيز الإصلاحات السياسية ودعم الديمقراطية وتفعيل المقاربة الشمولية التي أعلن عنها الملك محمد السادس في ،2003 وقد أصبح رهان إنجاحها ضروريا لتقوية الجبهة الداخلية وتحصينها ضد التهديدات الإرهابية التي تزايدت دولياً وإقليمياً، والتي تؤدي إلى رهن سيادة الدول لقوى أجنبية ذات نزوع هيمني توسعي.
و يجمع المحللون للشأن السياسي المغربي سواء من العرب أو من الأجانب , أن الحركات الإسلامية العاقلة في المغرب العربي تحرص على تفادي الوقوع في فخ العنف الذي يعصف بالبلدان المغاربية , و قد أدانت هذه الهجمات التي هزت العواصم المغاربية، وطالبت بتعزيز الالتزام بمقتضيات دولة الحق والقانون كمطلب استراتيجي يقتضي تمتيع الكل بضمانات المحاكمة العادلة، ونبذ التعذيب وأنسنة المؤسسات السجنية، واحترام حقوق السجناء، لأن التجارب أثبتت أن أي تجاوز في هذا الشأن يولد حتما تطرفا أكبر ومخاطر أعظم وتأجيجا لمشاعر الغلو والتكفير.
وهم يرون أن الذي يقطع الطريق على ظهور و تبلور نموذج "القاعدة "في المغرب العربي , هو فتح الحوار السياسي مع الحركات الإسلامية المعتدلة ، و إجراء مصالحات حقيقية لا تستثني أحدا، لكي تكون جزءا من المجتمع المدني المغاربي , الذي يسمح لها باستشراف سيناريوهات للمشاركة في الحكم أو لدعمه.
الجزائر، لا تزال تعيش على المخلفات السياسية لانقلاب عام 1992 على العملية الديمقراطية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكلما ظن البعض أن الصفحة قد طويت تبين أن ذلك ليس إلا عملية غش. صحيح أن مشروع المصالحة خفف كثيرا من حدة العنف، لكنه لم ينظف الجرح بالكامل".
وقد اعتبرالشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة أن استبعاد قانون المصالحة للجبهة الإسلامية من العملية السياسية لا يمكنه وصفه إلا بأنه إعدام سياسي،مضيفا أنه : ما دامت الجبهة الإسلامية وهي طرف رئيس في الأزمة محرومة من حقها، وما دام هناك إقصاء لسياسيي الجبهة، وحتى العسكريين الذين تم التصالح معهم لم يتم استيعابهم سياسيا بما لا يغري الآخرين بالالتحاق بهم، فهذا ليس إلا حكما بالإعدام السياسي المؤبد على الجبهة.
إن تنامي ظاهرة العنف والإرهاب في دول المغرب العربي ليس إلا جزءا من استشراء العنف و الإرهاب في العالم العربي ، وبرهانا واقعيا على تحجرالدول التسلطية العربية التي أخفقت جميعها في مجالات التنمية ، و التعليم، و الصحة، وتوفير فرص العمل للخريجين الجامعيين الجدد ، و إزالة الاحتقان السياسي عبر القيام بإصلاحات ديمقراطية تفسح في المجال للمشاركة السياسية للشعوب العربية في الحكم.
* كاتب تونسي.
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.