في جلسة ادبية نظمها نادي مطارحات بنادي القصة ابو القاسم الشابي عشية السبت 27 جانفي 2018 بمقر النادي حول كتابات الاديب الهادي الخضراوي اجرى الاستاذ محمد آيت ميهوب مقارنة بين مجموعتيه القصصيتين «الزائرة» و«الى اين؟» ملاحظا ان المقارنة بين هذين العملين ممكنة لأنه لكل منها خصوصياتها ولأن قصص المجموعتين مختلفة اختلافات كبيرة وجلية وخاصة في تقنيات القصّ وعناصره. والأديب الهادي الخضراوي بدا بنشر الشعر منذ سنة 1970 وكتب القصة والمقال في جريدة «الصباح» التونسية وفي الجرائد اللبنانية ولعل عمله في السلك الديبلوماسي كمستشار للشؤون الخارجية لسنوات طويلة جعله غير معروف في تونس رغم كثرة اصداراته وشهرته في البلدان العربية وفي لبنان خاصة .حيث اصدر دواوين «هوس السماء» سنة 2001 و«بوجهك اغسل وجهي» عن دار الكتب الحديثة ببيروت ودار اوراق شرقية (بيروت والقاهرة) سنة 2003 و «شرقه غربي» عن دارك الكتب الحديثة ببيروت وبروسرفيس للنشر والطباعة بتونس 2017 و«خريف» و«الجبلان» نفس الناشر ونفس تاريخ الاصدار و«العصفور ازرق المنقار» بروسرفيس للنشر والطباعة تونس 2017 و«وجهة من خمسين المرأة» عن نفس الدار. موقف ذاتي من الاحداث.. وبعد حجاجي اما في السرد فقد نشر الهادي الخضراوي «الى اين؟» او متلازمة الشظف والهياج «والزائرة» سنة 2017 ورواية «سنوات الاكاسيا» وله في العلاقات الدولية كتاب «ابرز قضايا السياسة الدولية المعاصرة» الصادر سنة 2003. و«الزائرة» و«الى اين؟» هما اول اصدارات الهادي الخضراوي في القصة وقد كتب اغلب قصصها في الفترة الفاصلة بين 2011 / 2016 رغم انه كتب ونشر عديد القصص قبل هذا التاريخ دون ان يجمعها تحت عنوان واحد وقد لاحظ الدكتور محمد آيت ميهوب ان: «سنة 2011 نالت النصيب الاكبر من اقاصيص المجموعة الاولى وهي «الى اين؟» اما اقاصيص المجموعة الثانية وهي «الزائرة» فكانت اكثر عدلا في التواريخ بين السنوات الست (2011 و2016) ولهذه الملاحظة اهمية كبيرة في تتبع المعايير التي قد يكون المؤلف اعتمدها وهو ينضّد اقاصيص المجموعة الاولى وأقاصيص المجموعة الثانية». كل اقاصيص مجموعة «الى اين؟» تزامن فيها زمن القصة مع زمن القصّ مع زمن النشر مما يعني الكتابة على مائدة متحركة علما بأنها تناولت احداث الثورة التونسية وما اتصل بها منذ سنة 2011 من ظواهر اجتماعية واقتصادية وسياسية بعضها انبثقت عن الاحداث وبعضها الآخر كان موجودا واستفحل او زاد خطورة. كما اشتملت القصص على موقف ذاتي من الاحداث و على بعد حجاجي تغلب على البعد القصصي فسره الاستاذ محمد آيت ميهوب في دراسته النقدية اذ قال : «كشف المؤلف عن هذا البعد الحجاجي في الاستهلال الذي وضعه للمجموعة، وهو: (اقاصيص المجموعة مكتوبة تحت ضغط اللحظة التاريخية وتحميل فعل القصّ وظيفة وصف العصر وفهم انامه)». الاختلاف في وظيفة الكتابة يؤثر في فنيات القصّ اما المجموعة الثانية وهي «الزائرة «فان قصصها اكثر تنوعا في العوالم القصصية والقضايا المطروحة العلاقة فيها بين زمن القص وزمن القصة متباعدة في اغلب الاقاصيص كما انها غير محملة بالهم الايديولوجي وبالموقف التوعوي مثل المجموعة الاولى حيث كانت الكتابة في المجموعة الاولى ضرورية وفي المجموعة الثانية حرة وهو ما عبر عنه الدكتور محمد آيت ميهوب بالاختلاف في وظيفة الكتابة التي تؤثر في فنيات القصّ وعناصره. ومن الاختلافات التي ابرزها الدارس للمجموعتين القصصيتين الاختلاف في نوعية الشخصيات حيث كانت شخصيات «الى اين؟» جماعية تتحرك وتفعل وتتنقل في حين كانت ان شخصيات «الزائرة» ذوات منعزلة في قطيعة مع المجموعة وتمثل الاختلاف كذلك في عدد الاصوات والاستبطان النفسي حيث كانت مجموعة «الى اين «مجموعة الصخب الضاج ونقل وجهات نظر اكثر منها سرد لأحداث تتطور (تقديم متشظي للحقيقة وتأويلات الحدث واحد) اما مجموعة «الزائرة» فكانت فيها مساحات اكبر للصمت والتأمل (الحقيقة ذاتية باطنية نفسية وليست اجتماعية سياسية). تختلف المجموعتان ايضا من حيث الفضاءات حيث كانت مفتوحة في المجموعة الاولى ومغلقة في المجموعة الثانية وقد تغلبت الطاقة التعبيرية على الترميز في المجموعة الثانية واقتربت بعض المقاطع فيها الى البوح والكلام هنا للمحاضر الذي اكد على ان الكاتب الهادي الخضراوي لم يسقط في التقريرية في مجموعة «الزائرة» وختم الدكتور محمد آيت ميهوب دراسته النقدية بالتاكيد على ان:»صرخة السؤال في قصص»الى اين؟ « هي الى خمود وخفوت في رأينا متى اتضحت معالم اجابة ما في ذهن المؤلف اما قصص»الزائرة « فإنها ستظل تتدفق حيوية وغموضا وخطرا كلما امتد بها الزمن وامتدت جولتها في ردهات الحكاية.» الكشف عن اصطفاف المتقابلات في المواقف وقد لاحظ الاستاذ عبد الكريم الغرابي في الفترة التي خصصت لنقاش المجموعتين ودراسة الدكتور محمد آيت ميهوب ان الهادي الخضراوي قد اهتدى في المجموعتين الى المعادلة الدقيقة التي تهيمن على المجتمعات العربية والإسلامية التي انكشفت بعد الثورات وتعرت كما ربط الاتصال في ابداعه القصصي مع نظرية المقاصد التي طورتها مدرسة افريقية في اطار ابداعها في الحكمة الاجتماعية ولاحظ الغرابي ايضا ان تقنية الكتابة تتميز عند الكاتب الهادي الخضراوي بالكشف عن اصطفاف المتقابلات في المواقف التي بلغت اوجها في قصة «عراب» التي تجسدت فيها حبكة القصة وتجلى فيها عدم فهم العرب لبعضهم البعض حتى وهم يتكلمون نفس اللغة العربية حيث تؤدي نفس الكلمة الى المعنى الايجابي والمعنى السلبي في نفس الوقت حسب اللهجات. ورأى الاستاذ سمير بن علي ان قراءة الدكتور محمد آيت ميهوب للمجموعتين كانت ثاقبة ممتعة ووضح احمد ممو كيف ان الهادي الخضراوي منجم للقصّ لم يلفت اليه الانتباه كل قصصه موقف من الذات ومن الآخرين. وفي اجابته عن الاسئلة لاحظ آيت ميهوب انه لا يمكن اعتبار القصص تراكما لأنها كتبت كلها في نفس الفترة كانت الاولى قصص مواقف اراد التعبير عنها في حين جمعت مجموعة «الزائرة» كل ما اراد ان يعبر عنه الخضراوي ، وأكد الهادي الخضراوي ان الفرق المهم بين المجموعتين هو انه كتب الاولى تحت ضغط المناخ العام في تونس اما الثانية فكتبها لنفسه اولا وللقارئ ثانيا وقال:» ان الفصل بين النصوص وتنضيدها في المجموعتين كان على اساس ان الاولى لي انا والثانية للقارئ اما استعمال الرمزية فلا بد منه كتقنية وإلا تحولت الكتابة من ادبية الى صحفية ومباشرة.»