البنية الثقافية والذهنية العربية عائق أمام نشوء ثقافة ديموقراطية هناك فرق بين «التعددية السياسية» و«العددية الحزبية» وعدة أحزاب تنتمي إلى نفس المدرسة تونس - الصباح: توقفنا في ورقة امس عند ثلاثة تساؤلات على درجة كبيرة من الأهمية، تحوم حول تحليل معوقات الانتقال الديمقراطي في المغرب العربي، بل في الوطن العربي برمته، وهي التساؤ لات التي حاولت بعض المداخلات معالجتها.. اولى هذه الاستفهامات ما يتعلق بما اذا كان «العجز الديمقراطي» راجعا الى ازمة في الفكر السياسي العربي والمغاربي؟ ام ان مشروعات الانتقال الديمقراطي مرهونة بالاملاءات والاشتراطات الخارجية؟ ام ان مشكل التحول الديمقراطي يعود الى بنية الذهنيات المجتمعية وصلب النخب الحاكمة، التي تعطل عملية الانتقال نحو الديمقراطية؟ فكيف تم التعاطي مع هذه التساؤلات؟ ازمة الفكر السياسي العربي اعتبر الدكتور محي الدين عميمور، وزير الثقافة الجزائري السابق «ان الفكر السياسي العربي يمر بأزمة».. واوضح ان مرحلة الدولة العثمانية، كانت المرحلة الجنينية للفكر القومي العربي، ملاحظا ان الفكر المسيحي ساهم في انتقال الفكر القومي الى العلمانية، ومن ثم الى الحداثة.. واشار عميمور ان ازمة الفكر القومي العربي، حصلت اثر الشرخ الرهيب الذي حدث بين التيار الناصري والتيار الاسلامي في مرحلة الستينات ما ادى الى خصومة سرعان ما تطورت الى عداوة بين الجانبين بالاضافة الى ذلك، هناك مشكل التعليم الذي عانى من التونسة والمصرنة والسعودة واللبننة، وبالتالي لم يشجع على انبات فكرسياسي عربي جديد. وانتقد وزير الثقافة الجزائري السابق، مسار الفكر السياسي العربي الذي قال انه لم يبلغ مرحلة النضج التي تؤهله للنهوض، على اعتبار انه فكر اقليمي ضيق، حسب وصفه قائلا «نحن نحتاج الى سقف جديد للفكر السياسي العربي لا يستثني الفكر الاسلامي».. وهي الملاحظة التي ستثير نقاشا مستفيضا بين الحضور في هذه الندوة. عائق الاملاءات الخارجية.. من جهته، حاول الدكتور سليمان الشيخ (وزير ثقافة سابق في الجزائر)، معالجة موضوع الفكر السياسي العربي، من خلال تحليل مسالة الانتقال الديمقراطي في علاقة بالاملاءات الخارجية المختلفة.. صنف الشيخ الاملاءات الخارجية الى نوعين: احادية امريكية، تهدف الى مكافحة الارهاب وفرض اصلاحات على العالم العربي تحت تاثير المحافظين الجدد، ضمن اجندة انشاء الشرق الاوسط الكبير وتداعياتها التي ادت الى ازمة احتلال العراق ونتائجه الراهنة.. اما النوع الثاني من الاملاءات الخارجية، فيرتبط بالسياسة الاوروبية ذات الصبغة البراغماتية، التي تهدف بدورها الى دمقرطة الانظمة العربية وتساءل المسؤول الجزائري السابق، عما اذا كانت هناك امكانية لتحقيق انتقال ديمقراطي من خلال املاءات خارجية،، وحدد الدكتور الشيخ ثلاث مراحل للانتقال الديمقراطي وهي: - الاقرار بميثاق وطني يؤلف بين جميع اطياف المشهد السياسي ومكونات المجتمع المدني - حوار وطني بين السلطة الحاكمة والمعارضة - التأكيد على استقلالية البرلمان وسلطته واعتبر ان هذه المراحل تمثل شاهدا على عملية الانتقال الديمقراطي. وتطرق المحاضر الى التقرير العربي للتنمية البشرية لسنة 2004، مشيرا الى كونه كشف الجانب التسلطي في الأنظمة السياسية لكنه كشف كذلك عن بروز التيار الديني، الذي تسبب موقفه المتشدد في نكوص الانظمة باتجاه الجمهوريات الوراثية.. ولاحظ ان التقرير اقترح توليفة بين التيارات الاسلامية «والليبيرالية والقومية.. لكن الوزير الجزائري السابق اعتبر في المقابل ان النقاش حول الاستحقاق الديمقراطي، لم يأت باضافة جديدة للمسالة الديمقراطية، الا ما تعلق بالدعوة الى اصلاح الجامعة العربية، وهو الاصلاح الذي شمل بعض الجوانب البسيطة لكنه لم ينفذ الى عمق الازمة العربية ومعوقات الانتقال الديمقراطي.. شروط اساسية.. وانتقد الشيخ، بعض الأنظمة العربية التي تمارس ما وصفه ب«الليبرالية الاستبدادية» التي تعاني العزلة عن شعوبها، ما نتج عنه ظواهر العنف المتفشية هنا وهناك، فيما اختارت الانظمة الخضوع للراعي الاجنبي. ورغم ان المتدخل اشار الى الدور الاوروبي الايجابي باتجاه القاطرة نحو الديمقراطية، الا انه دعا الى تعزيز الجبهة الداخلية لصد الاملاءات الخارجية مهما كان نوعها او مضمونها وطرح المثقف الجزائري، الشروط الضرورية لتسريع الانتقال الديمقراطي بينها، توسيع الطبقة الوسطى، وتوسيع رقعة التعليم، والارتقاء بالمراة عبر التعليم والتشغيل، الى جانب دعم نشاط الحركة الجمعوية وضمان استقلال القضاء واستقلالية تشكيل الاحزاب والمنظمات. تشخيص صارم وعلى الرغم من عديد الوصفات التي قدمت خلال الندوة لتحقيق انتقال ديمقراطي، فان الدكتور المنصف ونّاس، عالم الاجتماع المرموق واحد ابرز المتخصصين في قضايا الديمقراطية والتحولات السياسية والثقافية، كرس مداخلته لتقديم تشخيص صارم للوضع السياسي والمجتمعي والثقافي في العالم العربي، كان بمثابة تأكيد عكس ما ذهبت اليه الوصفات السابقة.. ومنذ البداية، اعتبر وناس ان المعيش اليومي في العالم العربي، ما يزال مرتبطا ببنية ثقافية وذهنية تحول دون انشاء ثقافة ديمقراطية، لانها بنية تنتمي الى ما قبل الفكر الحداثي... وأشار الى ان بنيتنا الثقافية الحالية، تساعد على تبيئة الاستبداد واعادة انتاج السياقات غير الديمقراطية.. وشدد على ان المشكلة ليست في بنية النظم الحاكمة ومخيالها السياسي، وانما هي في بنية مجتمعية تساعد على تكرار علاقات اجتماعية وسياقات سياسية استبدادية وفاسدة... ملاحظا ان العلاقات المجتمعية غير الديمقراطية، من شانها انتاج حالة غير ديمقراطية.. بنيات فاسدة تعيق الديمقراطية.. بل ان الدكتور المنصف وناس، مضى في تشخيصه شوطا ابعد من ذلك، عندما لاحظ وجود تداخل معقد بين الثقافي والسياسي، بين سياق كبت الحريات وتاجيل الاستحقاق الديمقراطي، ومنع ايجاد تصور ثقافي مضاد»، ومعنى ذلك ان اي سلوك سياسي غير ديمقراطي وسلوك مجتمعي غير ديمقراطي «من شانهما خلق ثقافة سياسية فاسدة».. ومن هنا يؤكد المحاضر على ان «السياق المجتمعي، يساعد الحاكم على توطين نفسه واستمرار هيمنته»، مشددا على ان البنيات الذهنية والثقافية في الحكم والمجتمع «هي العائق الأساسي للتحول الديمقراطي».. لذلك تحدث الرجل عن «الحاجة الى تفكيك بنية ثقافية فوقية وتحتية لكشف الاستبداد وتغييره».. مؤكدا ان الديمقراطية تحتاج الى تغيير العلاقات الاجتماعية والثقافية والمجتمعية والسياسية، ومن هنا سبب تخلفنا، على حد قوله.. لكن الدكتور المنصف وناس، عبر عن رهانه على الاختلاف داخل الاحزاب الحاكمة والنخب الحاكمة»، على اعتبار ان هذه الاختلافات «مهمة للخروج من التكلس داخل النظم». واشار الى ان المعضلة الكبرى، تتمثل في وجودنا «في سياق دولي يرفض دمقرطة المنطقة»، على حد تعبيره، بل ان الثقافة السياسية التي تبشر بها النخب لا تساعد على التحول الديمقراطي» لانها اصوات غير ملتصقة بواقع الناس وتطلعاتهم». واعتبر ان الحل ليس في تجريم النظم الحاكمة، ولكن في محاسبة النخب وجعلهم فاعلين.. مناقشات هذه الورقات، اثارت العديد من الملاحظات النقدية والاستفهامات من اطراف مختلفة... الأستاذ مصطفى الفيلالي الكثير من الأنظمة اجتهدت بشكل مغامر فيما يتعلق بقضية الهوية، وكنتيجة لهذه الاوضاع نشأت الحركة الاسلامية كرد فعل على محاولات تزييف الهوية «والاجتهادات» الخاطئة بشانها اما العنف الديني، فقدكان نتيجة الشرخ الحاصل بين ما هو عربي ومسلم.. على ان الاحزاب التاريخية (الحاكمة) تمتلك مقاومة فطرية لكل ارادة للتغيير الدكتور الحبيب الجنحاني اعتقد ان من ابرز معوقات التحول الديمقراطي، هذه الليبرالية الجديدة التي تجري تحالفات مع الانظمة الاستبدادية.. ما يجعل هذه الليبرالية - التي يفترض ان تكون احدى ادوات الانتقال الديمقراطي - عائقا امام اي لبنة للديمقراطية لكن الديمقراطية لا يمكن ان تخرج عن دائرة الحداثة، انها احد قيم الحداثة واستحقاقاتها وشروطها، التي لا يمكن ان تتجسد بواسطة بنيات ذهنية تقليدية وماضوية متخلفة.. ان التحول الديمقراطي يقتضي اولويات، وفي اعتقادي تمثل الحريات العامة، ابرز هذه الأولويات.. الدكتور محمد مواعدة ازمة التنمية وتجربة التعاضد في تونس خلال مرحلة الستينات، لم تكن ازمة اقتصادية فحسب، بل هي اعراض ازمة سياسية في العمق، عنوانها الابرز ازمة في الحكم وغياب المنهج الديمقراطي لمعالجتها، لذلك عندما اسسنا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين نهاية السبعينات، كنا نرغب في المساهمة في المسار الديمقراطي بصورة عملية من خلال تاسيس حزب سياسي يرفع الشعار الديمقراطي على رأس اجندته. على ان مفهوم التحول الديمقراطي، يحتاج الى تحديد في ضوء تعدد المفاهيم بهذا الشأن.. وهنا اوافق طرح الأخ عروس زبير عندما تحدث عن مسألة ترشيد عدد الاحزاب السياسية، فهناك فرق - حقيقة - بين «التعددية الحزبية» و«العددية الحزبية».. هناك احزاب في تونس - على سبيل المثال - تنتمي لنفس التيار الفكري والايديولوجي لذلك يحتاج الامر اليوم الى ترشيد عدد هذه الاحزاب... الجامعي عروس زبير (الجزائر) اتساءل عن السبب الذي جعل الدكتور الهاشمي العياري، لا يعتمد في مقاربته على التقارير العربية الاربعة للتنمية البشرية، سيما وانها تقارير صادرة عن نخب عربية مستقلة ومحايدة، اتبعت منهجية مخالفة لتقارير دولية واممية عديدة.. واعتقد انه ان الاوان لكي نميز بين التنمية الاقتصادية الناتجة عن مسار ديمقراطي وحراك سياسي واجتماعي وبين تنمية اقتصادية ناجمة عن انظمة قمعية، فهذه تنمية لا يمكن ان تستمر طويلا... وأشير من ناحية اخرى، في سياق التعقيب على الدكتور عميمور، ان الفكر القومي «فكر اقصائي بحسن النية»، على حد وصفه، لانه لا يؤمن بالتعدد الفكري صلبه.. لكن السؤال المطروح يتعلق بما اذا كان من الممكن التعويل على المجتمع المدني للمشاركة في التحول الديمقراطي، سيما وان هذا المجتمع معطل (بفتح الطاد)، بل ان بعضه مساهم فعليا في العملية الاستبدادية الدكتور ابو يعرب المرزوقي القول بان جذور الديمقراطية تنطلق من الفكر الموسوي - المسيحي (على النحو الذي ذكره السيد الشاذلي العياري)، يمثل ارتدادا نحو الفكر الصهيوني، فيما ان اصل ومنشا الفكر الديمقراطي يمكن ان نعثر عليه في الحضارة العربية الاسلامية. لكنني اعتقد كذلك ان الديمقراطية الحديثة، تمثل عكس الديمقراطية اليونانية وهذه من الهنات اللافتة في المسالة الديمقراطية.. تبقى الاشارة الى ضرورة التمييز بين تصورات للحكم وكيفية تطبيق الحكم.. الدكتور محمد حاتمي (المغرب) هل يمكن ان نعبر عن الارادة الشعبية (بالشكل الذي المح اليه الدكتور الطيب البكوش) بطريقة سلمية، ام اننا مضطرون للقيام بثورات الخبز واستخدام اشكال التمرد الشعبي المعروفة، لتجسيد الارادة الشعبية هذه؟ نجيب الحداد (ح.د.ش) ثمة سؤال اساسي بشأن التحول الديمقراطي، هل يتم عبر الازمات، ام ياتي من خلال الاتفاقيات الثنائية بين الأنظمة؟ لكنني اتساءل ايضا، عما اذا كانت مطالب النخب، التي ادت الى تطبيقات مختلفة للديمقراطية، مرحلة ضرورية لكي يكون التحول الديمقراطي من مطلب نخبوي الى حاجة مجتمعية واسعة؟ صلاح الدين الجورشي اذا ما كانت هنالك ثنائية بين المطلب الشعبي والارادة السياسية، فكيف يمكن ان نفسر تعطل الديمقراطية في الوطن العربي؟ واين يكمن المشكل حينيئذ؟ لكنني اتساءل كذلك عما اذا كان من الممكن، احداث نقلة نوعية في مجال التنمية والديمقراطية من دون وجود قطاع خاص؟ وهل ان غياب القطاع الخاص عن المجال السياسي، يؤدي - عمليا - الى تعطيل البناء الديمقراطي؟ وماذا تقترحون لايجاد علاقة جدلية ولادة بين الديمقراطية والتنمية للخروج من هذا المازق؟ واذا كان الاسلام السياسي يشكل خطرا على التحول الديمقراطي، فلماذا لم تستطع قوى التحديث ان تغير معطيات الواقع الموضوعي؟ وكيف يمكن تفسير التصاعد المطرد للظاهرة الاسلامية؟