هناك شبه اجماع حاصل في البلاد حول أهمية وجود منظمة وطنية في تونس في حجم الاتحاد العام التونسي للشغل. فالمنظمة الشغيلة العريقة وذات التاريخ النضالي الحافل من أجل الوطن ومن أجل القوى العاملة بالفكر والساعد، كانت دائما في الموعد قبل الاستقلال وبعده وخلال أيام الثورة وبعدها، واضطلعت بدورها الوطني الكامل. واليوم ونحن نحيي عيد الثورة (2011- 2019) فإننا لا نستطيع إلا أن نقر بأن حاجتنا إلى هذه المنظمة الوطنية ازدادت، في هذا الظرف الذي تعيشه بلادنا المهددة اليوم في استقرارها بسبب تراكم المشاكل في مختلف المستويات وتردي الاوضاع الاجتماعية بالخصوص. فتونس امتحنت، بل ابتليت بنخبة سياسية منعدمة الكفاءة، وعجزت كل الحكومات التي افرزتها الثورة عن الالتزام بمطالب الشعب المتمثلة في توفير العيش الكريم للمواطن وتحقيق العدالة الاجتماعية، وحتّمت على التونسيين أن يحيوا (غدا 14 جانفي) العيد الثامن للثورة بيد فارغة وأخرى تقريبا لا شيء فيها، تماما مثلما حدث في الأعوام السابقة. ماذا بقي إذن وسط هذا الوضع العام غير المشجع؟ إن الأعناق تلتفت اليوم إلى الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعوّل عليه لإعادة نوع من التوازن في الساحة العامة وأن يضطلع بدوره الوطني الذي يحتمه الظرف وتمليه عليه مسؤوليته وموقعه في البلاد. وإننا واذ نعتبر أن دور الاتحاد اليوم مهم جدا بل وحاسم، مثلما كان الأمر عليه في مختلف المحطات المهمة في تاريخنا المعاصر، فإننا نعتقد أنه لن يكون بقادر اليوم على الاضطلاع بدوره بالكامل، إلا بشعبية أقوى. لكن الاتحاد يمكن أن يفقد جزءا مهما من شعبيته والفرضية موجودة بقوة، بسبب تواصل أزمة التعليم في تونس. وقد لا نبالغ إذا ما قلنا أن الأمر مرتبط بنوعية إدارته اليوم لقضية التعليم ومدى قدرته على وضع حد للأزمة في هذا الباب. فنقابات التعليم وأساسا نقابة التعليم الثانوي تتحمل جزءا من المسؤولية فيما عاشته العائلات التونسية من توتر في الاشهر الأخيرة بسبب تواصل أزمة التعليم وفيما يعتريها من خوف على مستقبل العام الدراسي الذي بات مهددا اليوم جديا. فلم ينته الثلاثي الأول على خير بعد مقاطعة النقابة للامتحانات ولا يتوقع أن ينتهي الثلاثي الثاني على خير كذلك، إذا ما تم الإصرار على مقاطعة الامتحانات مجددا. ونحن في هذا السياق وإذ نعتبر أنه لا يخفى على قيادات الاتحاد معنى ومكانة التعليم بالنسبة للأولياء والعائلات التونسية، فإننا لا نحمل الاتحاد لوحده المسؤولية في أزمة التعليم اليوم، ولكن نذكّر فقط بأن خسارة عام دراسي في تونس خطأ لا يغتفر بالنسبة للتونسيين، وهم، إن حدث ذلك، لن يبحثوا كثيرا عن المتسبب ولن يتساءلوا من البادئ ومن الظالم، بل سيحسمون أمرهم ضد الجميع. وهذا أمر لا يخدم الاتحاد الذي نعتبر ان شعبيته اليوم على المحك بسبب تواصل أزمة التعليم ولا تونس التي تحتاج اليوم إلى أن تكون المنظمة الشغيلة في كامل قوتها وقدرتها على الحشد خدمة للمصلحة العامة. صحيح، إنه أمام الاتحاد العديد من القضايا التي تتطلب تدخلا، لكن ملف التعليم لعله أخطرها على الإطلاق، لما للتعليم من قيمة لدى التونسيين. ونحن إنما نتوقع من الاتحاد العام التونسي للشغل ومن زعاماته التاريخية ومن قادته وكوادره اليوم أن يجنبوا تونس خسارة أحد الأمرين، خسارة عام مدرسي مكلف وتتعلق به همّة أغلبية العائلات، أو خسارة جزء كبير من شعبية المنظمة الشغيلة العتيدة. فبالتأكيد سنكون بوجود المنظمة الشغيلة العريقة في كامل قوتها وشعبيتها، أقوى.