«السّوار الالكتروني» يسمح بتخفيض الاكتظاظ في السجون ويساعد المحكوم عليهم على «عدم العود» في فرنسا يتكلّف السجين على الدولة ب 60 أورو في اليوم بينما تتكلّف مراقبته الكترونيا 20 أورو فقط «حبس محلي» قد يساعد الكثير على الاندماج مجددا في المجتمع والابتعاد عن مخالفة القانون انطلقت بعض البلدان الغربية في تطبيق تجربة جديدة على بعض أنواع السجناء أو المحكوم عليهم (ونستعمل هذه العبارة للتفريق بين الذين يقضون عقوبة السجن فعلا والذين تصدر ضدهم أحكام مؤجلة أو يتمتعون بالسراح الشرطي أو يخضعون الى الايقاف التحفظي..) هذه التجربة هي المراقبة الالكترونية الدقيقة لكافة حركات المعني بالامر وسكناته لمدة معينة. وهي تمكّن جهاز المراقبة (إدارة السجون) من السهر على التطبيق الحرفي لاحكام القضاء وتساهم في تخفيف الاكتظاظ عن السجون وتقليص النفقات التي تخصصها الدولة للمساجين.. اضافة الى بعض الجوانب الاخرى التي سنكتشفها في هذا التحقيق دراسات وتطبيق بدأت تجربة المراقبة الالكترونية في الولاياتالمتحدةالامريكية وفي كندا. ومنذ سنة 1989 شرعت بريطانيا وبلاد الغال في تطبيق التجربة ثم تلتهما السويد سنة 1994 فهولندا سنة 1995 وبلجيكا سنة 1998 ثم فرنسا سنة .2000 ولم تطبّق البلدان المذكورة هذه التجربة بصفة اعتباطية بل كان ذلك بعد دراسات وأبحاث معمّقة قام بها مختصون في القضاء والقانون وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرهم. من القار الى الجوال على غرار التحول التكنولوجي الذي حصل في مجال الهاتف (من القار الى الجوال) طورت البلدان المذكورة اساليب المراقبة الالكترونية التي كانت توضع في منزل المعني بها (أي قارة) فأصبحت تنتقل معه حيثما ذهب دون أن يؤدي ذلك الى أي نوع من الخلل في دقة المراقبة. ما هي المراقبة الالكترونية؟ يخضع الشخص المراقب الكترونيا الى عدة اجراءات ومراحل تبدأ بتثبيت سوار الكتروني Bracelet electronique حول كعب رجله. بعد ذلك يقع تثبيت جهاز بث صغير بحجم الهاتف الجوال على مستوى حزام المعني بالامر وبفضل نظام المراقبة بواسطة الاقمار الصناعية تتمكن إدارة السجن من تحديد دقيق للمكان الذي يوجد فيه الشخص المراقب وبالتالي متابعة كافة خطواته وتحركاته. فعندما يقترب الشخص المراقب على سبيل المثال من مكان ممنوع عليه الدخول اليه (بموجب حكم قضائي) على غرار منزل ضحيته أو أقارب الضحية أو مدرسة.. يتلقى على الفور إرسالية قصيرة S.M.S على الجهاز المثبت بحزامه تحذره من عواقب ما قد يحدث عن هذه المخالفة. أما في منزله فيقع تثبيت جهاز آخر للالتقاط (Recepteur) يأخذ مشغل المراقبة من الجهاز الحزامي بمجرد دخول الشخص المعني الى منزله. وهذا الجهاز يمّكن جهة المراقبة من التأكد من أن الشخص المراقب موجود في منزله خلال الاوقات الاجبارية التي حددها له القاضي قبل اخضاعه للمراقبة. من يثبّت الاجهزة؟ مبدئيا إدارة السجون هي التي تتولى هذه المهمة. لكن في البعض من البلدان التي تطبّق هذه التجربة لا يوجد عدد كاف من الفنيين الملمين بهذه التقنيات. لذلك لجأ البعض الى شركات خاصة تقوم بتركيب اجهزة المراقبة وصيانتها لضمان حسن عملها عسى أن تقوم بمهمتها الاصلية وهي مراقبة الشخص المعني بالامر 24 ساعة على 24 و7 ايام على 7 . وبمجرد انتهاء مدة المراقبة تعاد هذه الاجهزة الى إدارة السجون. ماذا يحدث في هذه الحالات؟ السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل يحاول الشخص المراقب الكترونيا الهروب أو التخلص من اجهزة المراقبة أو عدم التقيد بالتعليمات الصادرة في الحكم؟ نعم قد يحدث هذا (حدث في فرنسا على سبيل المثال في 20 مناسبة من جملة حوالي 3500 شخص خضعوا الى المراقبة) لكن الاجهزة الالكترونية المتطّورة الموضوعة على ذمة مركز المراقبة تسمح بتسجيل كل المخالفات فورا وتحذير صاحبها اولا ثم اعلام السلطة القضائية التي تأذن فورا بتحرك الشرطة وذلك حسب خطورة المخالفة ويمكن للسلطة القضائية أن تتخذ اجراءات اخرى ضد الشخص المراقب بعد نهاية فترة المراقبة. من هم الاشخاص المعنيون؟ في بداية التجربة أقرت السلط القضائية في البلدان المذكورة أن يتمتع بالمراقبة الالكترونية كل شخص (يطلب ذلك طبعا أو بقرار قضائي) يرتكب جنحة تستوجب عقوبة سالبة للحرية لا تتجاوز سنة أو كل مرتكب جناية ولم يبق له أكثر من سنة في السجن. أما الآن فقد شملت هذه التجربة محكوما عليهم «خطرين» تتجاوز احكامهم 7 سنوات وذلك بعد أن أثبتت الدراسات أن المراقبة الالكترونية تساعدهم على الاندماج مجددا في المجتمع وتمنعهم من العودة الى ارتكاب الجنح أو الجنايات. كما يتمتع بهذا الاجراء الاشخاص الذين يسمح لهم القضاء بالسراح الشرطي أو بالمراقبة الادارية او الاقامة الجبرية. وفي فرنسا على سبيل المثال لا تطبق المراقبة الالكترونية المتحركة الا على الاشخاص المحكوم عليهم باكثر من سبع سنوات والمتمتعين بالسراح الشرطي أو بالنسبة الى المحكوم عليهم باكثر من عشر سنوات موجبة للمتابعة الاجتماعية والقضائية. ما هي المدة ومن يقرّرها؟ تدوم مدة المراقبة الالكترونية المتحركة سنتين قابلتين للتجديد مرة واحدة بالنسبة الى الجنح وسنتين قابلتين للتجديد مرتين بالنسبة الى الجنايات. ولا يمكن منح هذا «الامتياز» الا بعد اجراء اختبار يمكّن المختصين من قياس درجة خطورة الشخص ومعرفة مدى قابليته للتوبة أو للعودة. اما من يقرر هذا الاجراء فهو قاضي تنفيذ العقوبات بعد إعداد ملف كامل للغرض. وبعد القرار يكّلف هذا القاضي إدارة السجون بتنفيذه. حبس منزلي يمنع الحبس! بنت البلدان التي تطبق المراقبة الالكترونية فلسفتها على عدة معطيات أهمها أن المراقبة هي في حد ذاتها حبس رغم انه في المنزل وأن بعض من زلت بهم القدم قادرون على التوبة والاندماج مجددا في مجتمعهم دون التعرض الى «العائق الاكبر» وهو السوابق العدلية. كما أن المراقبة الالكترونية تمّكن بعض المحكوم عليهم من الاستمرار في عملهم وعدم الانقطاع عن عائلاتهم. ومن جهة أخرى تكون المراقبة الالكترونية المتحركة اداة إضافية من أدوات التحقيق. فإذا اقترف احد المراقبين جريمة في مكان ما فإنها ستسجل عليه ويكون ذلك دليلا ضده لدى قلم التحقيق. أسباب أخرى هامة واضافة الى هذه المعطيات هناك سبب آخر هام جدا جعل هذه البلدان تلجأ الى هذه «العقوبة البديلة» ان صحّ التعبير. فالسجون في هذه البلدان ما فتئت تشهد اكتظاظا رهيبا بسبب ارتفاع نسبة الجريمة. والسجين الفرنسي الواحد على سبيل المثال، يكلف الدولة 60 أورو في اليوم والدولة لا تضمن بل ربما لا تأمل في توبته بعد قضاء مدة العقاب. اما بطريقة المراقبة الالكترونية فإن التكلفة تنزل الى النصف (30 أورو) حسب وزارة العدل الفرنسية بينما يقول خبراء فرنسيون انها لا تتجاوز ثلث تكلفة السجن. كما أن هذه العقوبة ستخفف الضغط كذلك عن مراكز الاحتفاظ. فعندما يرتكب شخص ما جنحة أو جناية يمكن للقضاء ألا يصدر بطاقة ايداع بالسجن ضده في انتظار محاكمته وقد تكون مدة الانتظار أطول من الحكم. وفي هذه الحالة يأمر القضاء بوضع الشخص تحت المراقبة الالكترونية الى حين مثوله أمام العدالة. تحقيق: جمال المالكي