الوسط الجبلي الريفي وصوت أمي أثّرا في ثقافتي الموسيقية تعتبر الفنانة زهرة الأجنف من العلامات الموسيقية الهامة، بدأت مسيرتها منذ فترة عملت وثابرت واختارت نمطا مغايرا للمتداول ورغم صعوبة الدّروب التي سارت فيها إلا أنها حافظت على نهجها، وإذا قلنا زهرة الأجنف فإننا نقول الأغنية التراثيّة التي قدّمتها وفي رؤية مخصوصة فيها الكثير من البحث والإبحار بطريقة علمية في واقع الموسيقى مع هذا الصوت كان لنا هذا اللقاء. * هل يمكن أن تقدّمي مشروعك الفني؟ - لقد انطلقت في الإعداد إلى هذا المشروع مباشرة بعد إنهاء دروسي بالمعهد العالي للموسيقى ويرتكز أساسا على تقديم طرح جديد للتراث الغنائي التونسي واعتمدت في ذلك على سجلاّت غنائية وصوتيّة لم يقع التطرّق إليها مثل القوالب الارتجاليّة من ملاليّة وطرق وأغاني المحفل والنّجع. * لو نتحدّث عن تكوينك الموسيقي؟ - أثّرت في أسماء هامّة وأثرت تجربتي ويمكن أن أذكر لك بعض الأسماء التي صقلت مواهبي وجعلتني أخطو بثقة في الميدان على غرار المرحوم محمد سعادة والدكتور سمير الشيشتي والدكتور زهير قوجة إذ تعلّمت منهم الكثير هذا إضافة إلى أساتذة آخرين مثل الأستاذ حمادي بن عثمان، فتحي زغندة، أحمد عاشور والأستاذة ميكائيلا مامي. * اخترت نمطا موسيقيا قليل التداول وربما لا يقبل عليه الجمهور ما سبب ذلك؟ - تحرّكت وفق دافعين الاول علمي والثاني عاطفي وغذّيتهما ببعد آخر مركزي وأعني به الجانب الوطني بالمعنى الحقيقي للكلمة. * هل يمكن أن تفصّلي الحديث في عموم هذه الدّوافع؟ - أثناء قيامي بالبحث الميداني لرسالة ختم الدروس وموضوعها «من مظاهر الأغنية التراثيّة بأرياف قفصة» اكتشفت عالما ثريّا بالكنوز المعمورة والمنسيّة ولاحظت أنه يقع الاقتصار في الارتجال لدى كل الفنانين على عروبيّات صليحة وإذا ما رجعنا إلى موسيقانا الأصليّة سنجد كل ما يجعل الأغنية التونسية تعبّر عن نفسها وتصل إلى الناس بسهولة وأضفت إلى هذا العنصر دلالة نشأتي في وسط جبلي ريفي في الجنوب التونسي فأنا لديّ ارتباط عاطفي وثيق بالمخزون التراثي وأضيف هنا نقطة هامّة إذ صاحبني صوت أمي في كل مراحل حياتي وانطبع بوجداني الفني وبما أقدمه للجمهور. * على ماذا تربّت زهرة الأجنف؟ - نشأت وكبرت على أصوات فيروز، عبد الحليم حافظ وكلّ خصوصيات الموسيقى الشرقية وتفطّنت في فترة ما إلى أهميّة تاريخنا وجذورنا وسعيت إلى محاربة الانبتات وفهمت أنه يمكن الانفتاح على كل موسيقات العالم دون الانصهار فيها وتبنّيها فأنا تونسية افريقية، عربية مسلمة وأحبّ تونسيّتي. * هل ترين أشياء أضرّت بالأغنية التونسية؟ - لقد توسّعت الهوّة بين الموسيقى التونسية والمتلقّي وأعتقد أن السبب هو الوجود الكثير من النظريّات وتعمّق هذا العنصر انطلاقا من الفصل الذي دام طويلا بين ما سميّ بالموسيقى المتقنة والموسيقى الشعبيّة. * وماهو دورك كفنّانة في هذا الخضم؟ - سعيت قدر جهدي إلى فكّ الحصار المفروض على الأغاني التراثية المحنّطة وآمنت بامكانية التعامل معها والاستفادة منها. * زهرة نتحدث عن الساحة الفنية التونسية عادة أو غالبا بتشاؤم هل ترين من موقعك بصيص نور فيها؟ - بالتأكيد لماذا كلّ هذه النّظرات السوداويّة هناك نقطة مضيئة هامّة وتتمثل في هذه المصالحة مع الجذور والعودة إلى الأصل ثمّ إن واقعنا الموسيقي يعيش على إيقاع ابداع لا بأس به إذ تعدّدت التجارب وهذا ما أثرى البناء الموسيقي. * ماذا ينقص إذن؟ - وجود حركة نقدية موازية وأقصد النّقد الموضوعي لا الانطباعي وهذا الجانب الثاني هو السّائد مع الأسف. * ماهي آخر أعمال زهرة الأجنف؟ - هو عرض صليحة هذه المرأة أعتبرها مدرسة تأثّرت بها منذ البداية وغنّيت لها فأعددت عرضا غنائيّا يبين علاقتي بهذا الصّرح. * يعتبرك البعض مقصّرة في التعريف برصيدك الفنّي؟ - لا... لا إنّني ببساطة لا أحبّ الطّرق المعبّدة. * زهرة والعالميّة؟ - تضحك ثم تجيب. وجّهت إليّ الدعوة من طرف الفنان الإيطالي "Mario incudine" للمشاركة في حفل "La vie della setta" في بالارمو وقد سبق وأن غنّينا معا في مهرجان «ديما جاز» في قسنطينة وقد كان معنا عازف "Gayta" الإسباني الشهير José Hevia وسألتقي بهذا الفنان قريبا في مدريد. * ماذا يعني عرض العبدليّة بالنسبة إليك؟ - سألتقي بجمهور قصر العبدليّة يوم 15 أوت الجاري بعمل اخترت له من الأسماء «شامة»، هذا الحضور هو خطوة مهمّة في مسيرتي الفنيّة وأنا أفضّل عادة المهرجانات ذات خصوصية معيّنة. * ماذا يمثّل الانفتاح على موسيقات أخرى؟ - هو أمر هام جدّا يمكّن من التحاور بين الثقافات والاستفادة في الاتجاهين ثم هناك عنصر آخر هام وأعني به اكتشاف الفنان لنفسه دون الخوف من الانصهار وأنا بطبعي ميّالة إلى الاكتشاف والانفتاح والتّجديد وهذا ما جعلني أنفتح على الموسيقات الكلاسيكية والجاز والفلامنكو وموسيقى الشعوب ولطالما آمنت ب«الموسيقى الإنسانيّة». * علاقة زهرة الأجنف بالكليبات؟ - في رصيدي كليب واحد لأغنية «ردّ النّبأ» من ألبوم رقراق والذي صوّرته في المغاور البربريّة بالسّند وقد صوّره صبري العربي وأخرجه عبد الله يحيى وأنا الآن بصدد إعداد الكليب الثاني لأغنية من ألبومي الجديد «شامة». * الأصوات التي ترنّ في أذن زهرة الأجنف؟ - أول صوت أثّر فيّ منذ الصغر إلى الآن صوت فيروز وأعمال الرّحابنة أما في تونس فصوت أمي ثم صوت صليحة والهادي الجويني، إضافة إلى أصوات عالمية هامة مثل Dalida, Edith piaph, Pavarotti ثم نصرت علي خان، فضل شاكر، وأمل جسّار، شيرين، الشاب مامي، عبد الوهاب الدوكالي كذلك ديمي بنت أبّا من موريطانيا. * ماذا تستحضرين الآن؟ - ذات مرّة قال لي الصديق الشاعر والصحفي حكمت الحاج إن أخطأ أحد في حقّك أو ظلمك فراجعي نفسك أين ومتى أخطأت في حقّ نفسك. * وبماذا نختم؟ - شكرا على الاستضافة. جالسها: نبيل الباسطي للتعليق على هذا الموضوع: