تونس - الصّباح: تمرّ اليوم الذكرى الواحدة والخمسون لأحداث ساقية سيدي يوسف وقد خصص نادي كتب وقضايا الذي يشرف عليه الأستاذ رضا الملولي عضو مجلس المستشارين لقاء مساء أمس الأول للحديث عن هذه الأحداث من خلال محاضرة قيمة ألقاها السيد الهادي البكوش الوزير الأول السابق وعضو مجلس المستشارين. شهد هذا اللقاء حضورا لعدد كبير من السياسيين ومن أعضاء مجلس المستشارين ومجلس النواب إلى جانب جمهور غفير من المثقفين. وأشار السيد الهادي البكوش في بداية مداخلته أن «أحداث ساقية سيدي يوسف تمثل ذكرى هامة لمعركة حاسمة تتعلق بجلاء الجندي الفرنسي عن تونس... وهي ذكرى هامة لحدث حاسم من أحداث الجهاد المشترك التونسيالجزائري ضد الاحتلال الاستعماري». اعتداءات قبل الساقية وبيّن السيد الهادي البكوش أن الاعتداء الغاشم على ساقية سيدي يوسف لم يكن حدثا فجئيا ولا منفردا أومعزولا عن أحداث أخرى مثل التي سبقته كما لم يكن مستقلا عنها، وهذه الاعتداءات التي لا يقل عددها عن الأربعة والعشرين توقف المحاضر عند البعض منها مثل اعتداء فج حسين وحيدرة (أكتوبر 1956) أولاد مسلم والخمائرية (ماي 1957) الكريب (سبتمبر 1957)... وخلص إلى أن تونس لم تسكت عن هذه الاعتداءات، فقاومتها بردود فعل قوية حسب استراتيجية محكمة، حيث خلقت من كل اعتداء أزمة واجتهتها بشجاعة ووعي. الاعتداء على الساقية وبعد أن استعرض المحاضر الموقف التونسي حيث تم الاعلان عن حالة الطوارئ في الولايات الحدودية الخمس وعبأت المواطنين واستنجدت بالأمم المتحدة أشار الى التحرك الفرنسي وملاحقته المجاهدين الجزائريين داخل الأراضي التونسية... ليأتي القرار من باريس القاضي بالهجوم على ساقية سيدي يوسف. كان الاعتداء على ساقية سيدي يوسف - والكلام للسيد الهادي البكوش «جريمة شنعاء شبهها بعض الفرنسيين بجريمة «أورادور» حيث أباد الجيش الألماني يوم 10 جوان 1944 بقساوة بالغة أهلها عن بكرة أبيهم... وقال المحاضر «هي غزّة قبل غزّة، وما أشبه اليوم بالبارحة فالبطش الفرنسي في الساقية لم يكن أقل ضراوة من البطش الاسرائيلي في فلسطين». لقد أقدم قادة الجيش الفرنسي في الجزائر على مهاجمة ساقية سيدي يوسف لأنهم فشلوا في القضاء على ثورة الشعب الجزائري ولأنهم خشوا أن تعرف الجزائر على أيديهم مصير الهند الصينية وأن يخرجوا منها مغلوبين مقهورين مهزومين. * * وتوقف المحاضر كثيرا عند الوقفة الحازمة لتونس ومناصرتها الجزائر على أكثر من صعيد ضد الاحتلال الفرنسي ليحصل الاتفاق التونسي الفرنسي الذي أنهى أزمة الساقية وقد كان لهذا الاتفاق انعكاسات هامة على مسيرة الثورة الجزائرية. انعكاسات الساقية وخصص المحاضر الجزء الأخير من مداخلته التاريخية للحديث عن انعكاسات أحداث الساقية على أكثر من صعيد فالتضامن الشمال الافريقي عرف تقدما كبيرا بعد الساقية وأصبح من المؤكد مواجهة التهديدات التي توجه ضد استقلال تونس والمغرب والتزام أكبر لمساعدة مسيرة الجزائر التحريرية. وبالنسبة لفرنسا فقد كان الجلاء العسكري عن تونس وتواصل الثورة الجزائرية بامكانيات أكثر وحظوظ أوفر والرجوع الى التضامن المغاربي هي النتائج الكبيرة للاعتداء على الساقية تضاف اليها نتيجة اخرى مباشرة وحاسمة وهي ثورة 13 ماي وما ترتب عنها من نهاية الجمهورية الرابعة وعودة الجنرال ديغول الى الحكم لم تحقق أهداف زعماء الفرنسيين بالجزائر وكان ان تغيرت علاقة فرنسا ببلدان الشمال الافريقي تغيرا جذريا وأخذ التاريخ منعرجا جديدا. وختم المحاضر بالقول: «هو انتصار للشعوب المولى عليها في المغرب الكبير وكان لتونس في هذا الانتصار دور طلائعي حاسم، فهي الاولى في افريقيا بعد الهند الصينية في آسيا التي بالضغوط السياسية وبالمعارضة المسلحة زعزعت الاستعمار الفرنسي وفتحت باب المقاومة ضده وعبدت الطريق للقضاء عليه.» وقال السيد الهادي البكوش «الشعب التونسي مسالم، لا يحب العنف، لكنه اول شعب في افريقيا حمل السلاح ضد فرنسا في صورة عارمة بدأها يوم 18 جانفي 1952 ووفر لها أسباب النجاح وحقق لها النصر. وأضاف «يدعون أن القيادة التونسية معتدلة تهادن الدول الكبرى وينسون أن تونس هي من البلدان القلائل التي رفضت دوما قيودا لاستقلالها ولم تسمح لأي بلد بإقامة قواعد فوق ترابها»...