تونس الصباح: يبدو أن ملف التكوين، سيكون على رأس أجندة الحكومة خلال المرحلة المقبلة.. فبعد الملاحظات النقدية التي ساقها أكثر من طرف خلال الندوة الوطنية للتشغيل التي التأمت في غضون الصائفة المنقضية، بخصوص منظومة التكوين وعلاقتها بالتشغيل، ومسؤوليتها في توفير يد عاملة نشيطة وفاعلة تستجيب لحاجيات الشركات والمستثمرين الأجانب، وحاجيات اقتصاد البلاد ومشاريع التنمية من اليد العاملة الماهرة، بهدف دعم الطاقة التشغيلية لهذا القطاع، بعد هذه الملاحظات، بدأت "عجلة" هذا الملف تدور بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ما يدلل على أن التكوين المهني، سيكون في مقدمة أولويات الحكومة خلال الفترة المقبلة.. حراك جديد وكان وزير التربية والتكوين، السيد حاتم بن سالم، أوضح في وقت سابق خلال يوم دراسي نظمته منظمة الأعراف، حول تفعيل دور التكوين المهني في قطاعات مواد البناء والأشغال العامة، أن الوزارة شرعت في وضع البرامج والآليات المطلوبة لملاءمة التكوين مع سوق الشغل، عبر العمل على استيعاب التقنيات الجديدة، ومن خلال تشريك المهنيين، وذلك تحت مظلة واضحة عنوانها الأساسي، "جعل التكوين حسب الطلب".. ويهدف هذا الحراك الجديد في قطاع التكوين المهني إلى تعزيز قدرات القطاع التكويني وإمكانياته في ضوء التنافس الشديد من قبل البلدان الآسيوية، وبخاصة العملاق الصيني وعديد الدول الأوروبية، فضلا عن بعض الدول العربية ممن تمتلك يد عاملة ماهرة وبأسعار مقبولة، حتى لا نقول بخسة للغاية، خصوصا في القطاعات التي عليها طلب كبير من الداخل والخارج (البناء والأشغال العامة ومواد البناء والكهرباء والخشب واللحام والإلكترونيك وتقنيات الألمنيوم وغيرها..).. ويجري الحديث في هذا السياق أيضا، عن ضرورة القيام بائتلاف بين بعض القطاعات لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة، وبخاصة بين المقاولات بهدف دخول الصفقات الكبرى في هذه المشاريع، التي من المتوقع أن تشهد زخما كبيرا خلال العشرية المقبلة، على خلفية المشروعات الضخمة التي أعلن عنها مستثمرون ورجال أعمال عرب وأوروبيون وتونسيون.. توجهات أساسية ومن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة، التركيز على تأهيل مراكز التكوين المهني وتدعيم تكوين المكونين، بالإضافة إلى تعزيز التكوين بالتداول داخل المؤسسات، وذلك بغاية تمكين القطاع من الأدوات الجديدة المتوفرة في السوق التكوينية الدولية.. ويرى عديد الخبراء في هذا السياق، أن هذه الحلقات المهمة في ملف التكوين بشكل عام، تحتاج إلى تفعيل من منظور جديد، سيما وأنها موجودة منذ مدة، غير أن توظيفها لم يكن على ما يبدو بالشكل المطلوب، فضلا عن أن الملف بدوره شهد الكثير من التطورات على الصعيد العالمي، بحيث أصبح يحتاج إلى مقاربة جديدة تضعه على سكّة ما هو مطلوب دوليا في المرحلة المقبلة.. ويأتي في هذا الإطار، السياق الجديد للتعاون التونسي الفرنسي، كما عكسته زيارة وزير التربية الفرنسي إلى تونس قبل نحو أسبوعين، حيث كان موضوع التكوين المهني على رأس أولويات المحادثات مع وزير التربية والتكوين.. وكشف الوزير الفرنسي، إكسافيي داركوس، عن اتجاه الاستثمار الفرنسي في تونس خلال الفترة المقبلة، الذي سيرتكز على دفع برامج التكوين المهني ودفع طاقتها التشغيلية "حتى تحصل تونس على زادها من الكفاءات، وبخاصة من اليد العاملة المختصة استعدادا لانطلاق المشاريع الكبرى" المزمع إنجازها، على حدّ تعبيره.. وسيشمل التعاون بين البلدين في هذا الموضوع، تبادل الخبرات والبرامج بين مراكز التكوين المهني في كل من تونس وفرنسا، والمصادقة والاعتراف بالشهائد، إلى جانب تكوين المكونين في المراكز القطاعية وتنمية التعاون في مجالات التكنولوجيا والإعلامية وبخاصة إعطاء الأولوية للقطاعات الواعدة (تكنولوجيات الاتصال تحديدا).. وكان السفير الفرنسي بتونس، سارج ديقالي، أوضح في ندوة صحفية سابقة، أن أجندة التعاون بين البلدين خلال العام الجاري، ستولي أهمية متقدمة للتعاون في مجال التكوين المهني، ما يعني أن هذا الملف قد اتخذ سياقه العملي الذي هو بحاجة إليه خلال المرحلة المقبلة.. مرصد لمهن المستقبل وفي سياق هذه التوجهات الجديدة أيضا، علمت "الصباح" من مصادر مطلعة، أن وزارة التربية والتكوين تدرس منذ فترة، إنشاء مرصد من المتوقع أن يخصص لاستشراف مهن المستقبل.. لكن هذا المرصد، سيتولى القيام بمهمات على درجة كبيرة من الأهمية، وهي : تقييم مردودية برامج التكوين الأساسي والمستمر ومدى نجاعة آلياتها، وتقديم المقترحات لتطويرها وتعديل ما استقدم منها.. متابعة اندماج خريجي التكوين المهني بهدف تنشيط هذا الجهاز وجعله قاطرة فعلية باتجاه سوق الشغل.. إنجاز الدراسات الكفيلة بتحديد حاجيات اقتصاد البلاد من الكفاءات والاختصاصات التكوينية الجديدة، بهدف المساعدة على وضع البرامج والسياسات لتأهيل القطاع المهني.. ويجري التفكير في ذات السياق، في تغيير عبارة "التكوين المهني" بمصطلح آخر يعكس التوجهات الجديدة في القطاع ويتماهى معها.. تساؤلات حول التكوين المهني الخاص على أن الملف الذي يفترض أن تفتحه وزارة الإشراف في غضون المدة القليلة المقبلة، هو التكوين المهني الخاص، الذي بات يعاني من مشكلات عديدة، نتيجة عدم تأهيله بالقدر الذي تم به تأهيل التكوين في القطاع العمومي.. وكانت مؤسسات تكوينية عديدة، أغلقت أبوابها مؤخرا لأسباب مختلفة، بينها إفلاس أصحابها نتيجة تنافسية القطاع التكويني العمومي، واتجاه الراغبين في التكوين نحو المؤسسات التكوينية العمومية، فيما يتهدد البعض الآخر السجن على خلفية ديون متخلدة بذمتهم بعد أن اضطروا للتداين لتجديد التجهيزات في محاولة لاستقطاب المتكونين من الشباب، غير أن الإقبال كان في مستوى ضعيف جدا، ما جعل المردودية المالية لهؤلاء محدودة للغاية وهو ما تسبب في قضايا في المحاكم قد تكون من بين تبعاتها سجن البعض منهم.. ولا شك أن مسؤولية وزارة التربية والتكوين كبيرة في انتشال هذا القطاع، عبر تأهيله لكي يكون قادرا على القيام بدور معاضدة القطاع العمومي، لا سيما أن هذا القطاع له من التقاليد والخبرة اللازمة للإضطلاع بهذا الدور.. ورشة التكوين المهني فتحت على مصراعيها حينئذ، فهل يكون التكوين الخاص أحد روافدها، أم يترك (بضم الياء) في حالة تخبط، يصفها بعضهم ب "النازعات غرقا"..