تونس الأسبوعي: لئن تطوّرت برامج مكافحة ومنع التدخين بتونس منذ عدّة سنوات فإنها لم تفلح بالقدر الكافي في معالجة هذه الظاهرة المتفشيّة في أوساط عمرية دينا منذرة بأسوإ العواقب في المستقبل إذا ما وضعنا في الإعتبار بأن التدخين وراء كل الأمراض المزمنة سواء من قريب أو من بعيد ويتسبب في أكثر من نصف الأمراض السرطانية. أهداف متحركة وفي لقاء جمعنا بمنسق الحملة الوطنية لمكافحة التدخين السيد هيثم مقنم علمنا أن الهدف المعلن في البداية، هو التقليص في عدد المدخنين بنسبة 10% من عدد سكان البلاد على مدى خمس سنوات والعمل على حماية الفئات غير المدخّنة وفرض قانون منع التدخين داخل جميع الفضاءات العمومية في إطار عمليات وقائية أوّلية موجهة وتستهدف بعض الفئات.. ومن الجديد أيضا في هذا السياق تسليط بعض العقوبات الإدارية الى جانب تحرير المحاضر بحق المخالفين.. من ذلك طرد التلميذ الذي يدخن بقاعة الدروس من المؤسسة التربوية وإحالة الأستاذ الذي يدخن أثناء إلقاء الدروس على مجلس التأديب ويرى الدكتور هيثم مقنم أن مزيد تفعيل القوانين والحزم في تطبيقها سيؤدي بالضرورة الى تحقيق نتائج ملموسة لأن التطبيق هو ما كان ينقصنا في السابق.. وذهب الى أنه إذا لم يؤد تفعيل القوانين بجميع فصولها وجوانبها لتحقيق النتائج المرجوة فستمر حينها السلط المختصة الى السرعة القصوى وتغليب المنحى الزجري.. وسيتم التركيز بالخصوص في المرحلة الحالية على الجانب الإتصالي من حيث التوعية والتحسيس فالإجراءات في صيغتها الحالية تقنع وتفسر أكثر مما تضرب على أيدي المخالفين.. ولكن ما الذي تحقق في هذ الصدد لحدّ الآن؟ نسق تصاعدي عدد المحاضر المحررة في السابق بحق المخالفين لقانون منع التدخين بالأماكن العموميّة لم يكن يستحق الذكر بالنظر لضآلته ولكنه وصل في ظرف وجيز بداية من نوفمبر 2008 الى حد الشهر الثاني من سنة 2009 قرابة 2320 محضرا وقد أحيلت كل هذه المحاضر على أنظار العدالة.. وفي المقابل ونظرا للنقص المسجل في عدد الأعوان المؤهلين للقيام بمثل هذه المهام والذين كان عددهم لا يتعدى 146 عونا في السابق.. فقد وصل عددهم حاليا الى 1730 عونا بمعدّل 72 عونا بكل جهة.. بعد أن تم تأهيلهم وإحالتهم الى وزارة العدل لأداء القسم الخاص بهذه المهمّة وتمكينهم من شارات تدلّ على إختصاصاتهم. شراكة وتدخلات وزارة الصحة العمومية وبحكم أنها تقف في مقدمة المدافعين عن حق الجميع في فضاءات عمومية خالية من التدخين عمل حاليا على إعلان قطاعات عمومية بدون تبغ ومنها المؤسسات الصحيّة الراجعة لها بالنظر وكذلك المؤسسات التربويّة بالشراكة مع وزارة التربية والتكوين والقاعات والملاعب الرياضية بالتعاون مع وزارة الرياضة إضافة لبعض المبادرات التلقائية مثل مبادرة الستاغ وديوان البريد والشيمينو.. وسيتم في خطوة أولى إعلان دفعة من المؤسسات الصحية مؤسسات بدون تبغ مع تركيز فرق للمتابعة وقد يكون من ضمنها مستشفيات الأمراض الصدرية بأريانة وصالح عزيز ومستشفى الأطفال بباب سعدون إضافة لعدد آخر من المؤسسات الصحيّة.. وفي إنتظار تعميم التجربة على كل المستشفيات ستعمل جميع الأطراف المكوّنة للمؤسسة على تفعيل هذه التجربة وإنجاحها.. علما وأن الجدل لا يزال دائرا حول إمكانية تخصيص فضاء للمدخنين بداخل هذه المؤسسات أو العكس. عيادات المساعدة على الإقلاع يبلغ عدد عيادات المساعدة على الإقلاع عن التدخين اليوم حوالي 17 عيادة بأغلب جهات الجمهورية وتوفر وزارة الصحة العمومية داخل هذه الفضاءات الإحتياجات الأوليّة لمتابعة العلاج.. وعن النتائج يقول منسق الحملة الوطنية لمحاربة التدخين، هيثم مقنم «وصلنا الآن لتغيير المواقف في أوساط المدخنين ولم نصل بعد الى تغيير هام في السلوكيات.. لأن المدخن أصبح مقتنعا اليوم بحجم المضار الناجمة عن التدخين ويشعر بالضيق من ذلك ويرغب فعلا في الإقلاع ولكن قرار التوقف يتطلب الكثير من الصبر والشجاعة».. أما بالنسبة لصغار المدخنين فقد أشار الى وجود دراسة نفسية تنجز حاليا بالتعاون مع أخصائيين في علم النفس لم تتضح معالمها بعد ولكنها ستحمل الجديد بالتأكيد في هذا الإتجاه.. علما وأنه يجري حاليا تكوين الأطباء والممرضين والأخصائيين النفسانيين في خدمات عيادات الإقلاع لإحداث المزيد منها في باقي جهات البلاد كما أن طلبيات قدمت من قبل وزارة الصحة للتزود بالمزيد من الملصقات المعوضة للتدخين والأقراص وبعض الأدوية الجديدة لضمان التنوع. جديد قديم مكافحة التدخين مسألة قديمة جدا في تونس وإنطلقت مع الدكتور إبراهيم الغربي.. ثم وضع لها برنامج وطني منذ ما يفوق 15 سنة بعد صدور قانون 1992 ذلك القانون الذي تبلورت معه الخطة الوطنية لمكافحة التدخين ولكن النتائج لاتزال هزيلة لحد الآن.. ويرى الكثير من المهتمين بأن السبب الرئيسي الكامن وراء تلك النتائج هو غياب الإمكانيات القادرة على إيجاد التوازن المفقود للمعركة القائمة مع منتجي التبغ.. ونتساءل اليوم لماذا لا نستعيض عن تحرير المحاضر وإحالتها للعدالة بمخالفات حينيّة على غرار ما هو معمول به في المخالفات المرورية وإحالتها للقباضات المالية وعندها سنرى أية إمكانيات سيوفرها ذلك لدعم المجهود الوطني لمكافحة التدخين. خير الدين العماري للتعليق على هذا الموضوع: