ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي العوائق التي تحدّ من انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود..؟
ملفّات الصباح
نشر في الصباح يوم 25 - 04 - 2009

محمّد اليعلاوي: ثلاثة أطراف لإنعاش التأليف والنّشر والترويج
آمال موسى: النشر على النفقة الخاصة أثّر سلبا على ترويج الكتاب التونسي
الطيّب مبروك: تحقيق الانتشار المحلي أوّلا...
محمّد كمال السخيري: انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود بين أحقية التواجد والحق في الوجود
تونس الصباح: اذا كان معرض تونس الدولي للكتاب يعد مناسبة سنوية للالتقاء مع احدث الابداعات في شتى فنون الادب والثقافة والعلوم واحدث التقنيات في مجال النشر والتوزيع.. فانه يمثل في ذات الوقت مناسبة للوقوف عند عديد الاشكاليات التي يضج بها الابداع الورقي بشكل كبير في عصر يمور بالمتغيرات المتسارعة على اكثر من موقع وصعيد.
**
الانتاج الورقي في عصرنا اليوم.. هل لازال الفاعل والمؤثر في مسيرة الكلمة والتعابير والمواقف بشتى انواعها..
لقد تعددت وسائل الانتاج الابداعي.. وبقي الكتاب صامدا.. بجذوته المتقدة.. وتأثيره السحري في الانسان..
**
احببنا الكتاب ولازلنا نعشقه ونستكين اليه.. وننزوي به في لحظات نسرقها من عمر الزمن.. لحظات نهرب فيها من لهيب ضغوط الحياة اليومية لنغوص في مآثر وذكريات واحداث ومواقف متعددة في شؤون الحياة واحلام وطموحات الانسان..
**
الكتاب اليوم لازال شامخا.. صامدا في وجه الاعاصير.. مدافعا عن حضوره الكبير والمتألق في المشهد الفكري والثقافي والانساني..
الكتاب لا يزال يقول لك ويؤكد: ها أنا هنا.. لازلت موجودا..
الكتاب يؤكد: لا مجال للاستغناء عني ولا فائدة من كل محاولات تهميشي..
**
قدر الكتاب اليوم البقاء والدفاع بكل قوة عن حياضه..
لكن.. هناك سؤال يطفو على السطح حارقا.. ملتهبا..
سؤال يخرج من بين طيات الابداع في تونس..
لماذا بقي ابداعنا في اطار ضيق.. اطار محلي.. في الوقت الذي حلقت فيه مختلف الابداعات في كامل ارجاء المعمورة.. اي سر وراء اكتفاء ابداعنا الوطني بحدود الوطن.. رغم بعض الاستثناءات النادرة جدا.. جدا..
هل يعود ذلك الى تقصير من اصحاب هذه الابداعات؟ ام ان هناك عوائق اخرى «حكمت» على الابداع التونسي بعدم الخروج من اطار المحلية نحو افاق رحبة اخرى..
ما هي العوائق التي حالت دون انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود..؟ ويتوالى ويتعدد السؤال في سياقات عديدة.
وكان لابد من البحث عن اجوبة لهذا السؤال الجوهري الكبير..
**
في هذا الملف سعينا الى تشريك عدد من المختصين والمهتمين بشأن الكتاب في «تشخيص» الاسباب التي جعلت من الكتاب في تونس لا يحلق عاليا ويكسب احقية الوجود والتواجد في كل الفضاءات العالمية..
فهل يتحقق المنشود
محمّد اليعلاوي: ثلاثة أطراف لإنعاش التأليف والنّشر والترويج
بمناسبة إقامة معرض الكتاب يوم 24 أفريل 2009، يحقّ للمرءِ أن يتساءل عن حال الكتاب بتونس حسنة هي أم رديئة من حيث انتشاره بين القرّاء ودوره في التثقيف للجمهور وصيته في خارج البلاد شرقًا ومغربا.
والأطراف العاملة في هذا الميدان، ميدان التأليف والنشر والتشجيع والمساعدة والإنعاش ثلاثة : الدولة، والنقّاد والمؤلّفون .
- الدولة: يمكنها بمؤسّساتها وقوانينها أن توسّع دائرة النشر، وذلك ب:
1-إرجاع الدارَين للنشر والتوزيع اللّتين قضتا نحبهُما في هذه السنوات الأخيرة فبقيت الدار العربيّة للكتاب المشتركة بين القطرين متعثّرة في مشاكل تمويل الطباعة ومكافأة المؤلّفين.
فنظرًا لقلّة عدد الناشرين الخواصّ لابدّ من إحداث مؤسّسات نشر رسميّة مسؤولة عن مصير الكتاب التونسيّ.
2-تخفيض الضرائب التي تثقل كاهل المطبعيّين والناشرين : سعر الورق ولوازم الطبع.
3-تحوير سياسة الشراءات بل توسيعها إلى وزارات التربية والتكوين والشباب علاوة على وزارة الثقافة، فإذا زوّدنا كلّ مكتبة مدرسيّة أو جامعيّة، وكلّ دار ثقافة أو شباب وكلّ فضاء ثقافيّ بخمس نسخ من كلّ عنوان، ظفرنا بكمّيّة محترمة من المبيعات التي تفتح الباب لإخراج عناوين أخرى.
4-بإقامة معارض جهويّة وحتى محليّة للكتاب، فإيصال الكتاب إلى القارئ لا يُعتمَدُ فيه على الناشر وهو في الغالب لا يوزّع الكتاب ولا له رغبة في التوزيع خصوصا إذا كان الكتاب مطبوعًا على نفقة صاحبه المغبون المسكين، ولا يعتمد فيه على المكتبة المتجوّلة وإن كانت فائدتُها مشهودًا بها في المناطق النائية المعزولة .
فإذا عجزت الدوائر الرسميّة على إقامة هذه المعارض الفرعيّة، فإنّ الأمر يوكل إلى الخواصّ شريطة أن يقع تشجيعهم المادّيّ والأدبيّ في هذه المهمّة المرجوّة.
5-تشجيع وسائل الإعلام الرسميّة للتعريف بالكتاب، بتنظيم اللقاءات بين المؤلّفين والنقّاد، وأيضا الجمهور في حوار مفتوح يبيّن مزايا الكتاب المتحدّث عنه وفوائد المطالعة بوجه عامّ ومسؤوليّة المواطن في تشجيع الكتاب في بلاده وخارج بلاده. ونذكّر هنا بالبرنامج الذي ابتكره رشاد الحمزاوي في بدايات التلفزة عندنا بعنوان "أدبنا في عصره".
6-تخصيص كرّاساتٍ أدبيّة ثقافيّة ملحقة بالصحف اليوميّة كالتي تصلنا من أوروبا مع كبرى الجرائد كلّ أسبوع، على أن تزوّدَ قاعات الانتظار عند الأطبّاء مثلا وفي المؤسّسات العموميّة بهذه الملاحق التعريفيّة المفيدة عوضا عن الجرائد القديمة المصفرّة أو النشريّات المصوّرة الخاصّة بلاعبي الكرة أو المطربين أو نجوم المسلسلات، وبهذا الصدد أذكر أنّ المرحوم الدكتور علي بوجناح كان يعرض في قاعة الانتظار العدد الأخير من مجلّة الفكر إلى جانب الصحف السيّارة.
7-تزويد السفارات والقنصليّات التونسيّة بالخارج بهذه النشريات والملحقات وبنسخ من الكتب الصادرة ببلادنا حتى يتعرّف عليها الزائر : مواطن في الخارج أو أجنبيّ متطلّع إلى بلادنا. وبالطّبع ينبغي أن يكون بالسفارة ملحقٌ ثقافيّ عارفٌ بحركة النشر متمرّس بالأوساط الثقافيّة حتى يعرّف لديها بمنتوج بلاده.
8-إلغاء الرقابة المسبقة على المكتوب أو تخفيفها حتى لا تتّهم بلادنا بالتضييق على الحرّيّات العامّة ومنها حرّية التعبير والنشر.
هذه مسؤوليّات الطرف الأوّل وهو الدولة.
أمّا الطرف الثاني فهو المؤلّف:
ينبغي له أن يبتكرَ ويُبدعَ ويُحدِث الطريفَ الظريفَ الحصيفَ فيما يكتب ولا ينساق مع الأهواء السائدة في المعتقدات والأحاسيس والتيّارات العابِرة. وعليه بالخصوص أن يُتقن اللغة والعبارة ليوصلَ قصده إلى القارئ العربيّ الذي لا يفهم لغتنا الدّارجة، فإن نحن نفهم اللّهجة المصريّة بسهولة فلطغيان الأغنية المصريّة على آذاننا والأفلام المصريّة والمسلسلات المصريّة، أمّا القارئ المصري فلا يفهم لهجة الجريد بالضّرورة ولا عامّيّتنا المختلطة الهجينة التي تصدمنا على اللافتات الإشهاريّة.
الطرف الثالث هو الناقد : إليه يوكل التعريف بالكتاب، لا بذكر عدد صفحاته ومكان طبعه وسعره، ولكن بتحليل محاسنه وإظهار أوجه الإبداع فيه وقيمته التثقيفيّة الإنسانيّة دونما إفراط في المدح ولا مبالغة في الانتقاص. وليفهم الناقدُ أنّ المطلوب منه هو أن يحمِل القارئ على اشتراء الكتاب والتنبيه إليه عند أصدقائه وأقاربه، هكذا تنتعش حركة النشر وتزدهر الثقافة ويجدُ المبدعون المؤلّفون معَاشَهم إن شاء اللّه.
آمال موسى: النشر على النفقة الخاصة أثّر سلبا على ترويج الكتاب التونسي
من الصعب الإلمام بكافة المعوقات التي تقف دون انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود. وتتأتى هذه الصعوبة بالخصوص من تشابك مجموعات من المعوقات إلى حدّ التعقيد الشيء الذي يستدعي القيام بدراسة علميّة، تقارب مسألة أسباب عدم انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود وما يَحولُ دون تحليقه عاليا كما هو شأن الكتاب اللبناني والمصري إذا ما حصرنا مدار المقارنة في الفضاء الثقافي العربي. ولكن رغم الإقرار بصعوبة تفكيك معوقات انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود، فإني ككاتبة أصدرت مجموعات شعرية وبحث سوسيولوجي إضافة إلى عملي لسنوات طويلة في ميدان الصحافة المكتوبة بإمكاني محاولة تحديد بعض هذه المعوقات وهي كما يلي:
- إن تفشي ظاهرة النشر على النفقة الخاصة قد حال دون انتشار الكتاب التونسي لا فقط خارج الحدود بل وفي داخلها وأقصى ما يقوم به الكُتاب التونسيون الذي ينشرون على نفقتهم الخاصة الترشح إلى لجنة الشراءات في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث واستثمار بعض العلاقات لبيع بعض النسخ إلى دور الثقافة والمندوبيات وفي أحسن الحالات إيداع نسخ قليلة في مكتبة أو مكتبتين وكما نرى فإن هذه الطريقة أبعد ما يكون عن التحليق بالكتاب التونسي. لذلك فإن ظاهرة النشر على النفقة الخاصة من الخطورة ما يجعلها ذات مردود عكسي على الكتاب التونسي. فالكاتب قد يتمكن من طباعة كتابه ولكن يستحيل عليه توزيعه بشكل يُؤمن له الانتشار وأن يكون في متناول القراء أينما كانوا.
- بالنسبة إلى دور النشر التونسيّة التي يتوفر فيها الحد الأدنى من مواصفات دار النشر، فإن أغلبيتها ضعيفة المشاركة في معارض الكتاب العربيّة الدولية حيث عادة ما يتم الاقتصار على جناح لاتحاد الناشرين التونسيين لا أكثر ولا أقل وكما نعرف يمثل أي معرض من معارض الكتاب فرصة للتعرف إلى أحدث الإصدارات وهي الفرصة الأهم لتسويق الكتاب التونسي ولكنه محروم منها مع الأسف بسبب اعتقاد الناشر التونسي بأن المشاركة في المعارض آلية غير مُربحة.
- هناك مشكلة كبيرة تتعلق بتوزيع الكتاب وهي مشكلة تحتاج إلى وضع تصور علمي ومجدي يقوم به مختصون خصوصا وأن مسألة انتشار الكتاب التونسي تحتكم بالأساس إلى التوزيع ومدى تطور آلياته ونحن في الحقيقة نفتقر إلى خطة توزيع تُشيع أدنى الطموحات.
إن قلة مشاركة الناشرين التونسيين في معارض الكتاب الدولية وأيضا مشكلة التوزيع الكبيرة قد شكلا حاجزا حقيقيا ضد انتشار الكتاب التونسي بوصفه أحد أهم مجالات الإنتاج الثقافي الشيء الذي أثر سلبا على تحقق شهرة الكُتاب التونسيين وبالتالي فإن عددًا لا بأس به من الكُتاب المهمين لم يتحولوا إلى حاجة إعلامية في وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية الموجودة خارج الحدود.
وبالنظر في جملة هذه المعوقات وغيرها من المهم الإشارة إلى أنها معوقات جدية وكل واحد منها يمثل ملفا في حد ذاته ولكنها مع ذلك تبقى فرضيات بحاجة إلى دراسات تُؤكدها بالمعطيات وبالتحليل العلمي الدقيق. وكي نتوصل إلى معالجة حقيقية للأسباب المانعة لتحليق الكتاب التونسي عاليا وفي أكثر عدد ممكن من الفضاءات الثقافة العربية والأجنبية لا بد من عملية سبر أراء الكتاب والناشرين والموزعين وذلك وفق استمارات مدروسة بدقة.
الطيّب مبروك: تحقيق الانتشار المحلي أوّلا...
عندما تفضلت جريدة «الصباح» بطرح هذا الموضوع للنقاش سرعان ما قفز الى ذهني السؤال التالي: ما هو اهم كتاب انتجه تونسي استطاع ان يحقق الانتشار على المستوى العالمي؟
وكان الجواب: تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر) وخاصة مقدمته.. اما ديوان اغاني الحياة لشاعر تونس الاكبر ابو القاسم الشابي فقد تحقق له من الانتشار عربيا ما لم يتحقق لديوان شعري تونسي اخر على الاطلاق.. فهل تحقق الانتشار لهذين الكتابين لان الدولة كانت تدعم طبع ونشر وتصدير الكتاب زمن ابن خلدون.. وزمن الشابي.. الجواب.. قطعا: لا!! اليوم.. يحضى الكتاب التونسي بتشجيعات لا مثيل لها في كثير من البلدان العربية.. وما ترسانة القوانين والتراتيب والقرارات التي وضعتها الدولة لخدمة الكتاب الا اكبر دليل على ما يحضى به هذا المنتج الثقافي لدى مراكز القرار في الحكومة ومن لدن رئيس الجمهورية الذي ما فتئ يدفع باتجاه العمل على تكريس وتطوير هذه التشجيعات باستمرار..
اذن.. فان الكتاب التونسي، في مستوى الانتاج، لا يعاني مشاكل.. وكذلك في مراحل التصدير.. لان قضية «العالمية» بالنسبة لهذا المنتوج الثقافي تمر عبر قنوات التصدير.. والمشاركة في المعارض الدولية في المستوى العربي.. وكذلك في المستوى الاوروبي..
فلماذا ينجح منتجو الملابس الجاهزة.. وقطع الغيار والقطع الالكترونية الدقيقة والمعقدة.. ومنتجو البرمجيات والوسائط المعلوماتية والحاسوبية في تصدير بضائعهم، وفيها ما يدخل ضمن دائرة الابداع والذكاء الفاعل.. ولا ينجح منتجو (ناشرو) الكتاب في فتح اسواق «العالم!»
جوابي على ذلك بسيط وواضح..
ان النجاح في العملية كلها يستند الى سوقنا نحن هنا في تونس.. متى نجح الكتاب التونسي في تونس.. في بيئته. في موطن انتاجه، فانه حتما سينجح في اختراق الافاق.. وسوف يطلب من جمهور القراء في شتى انحاء الدنيا.. اذكر، مثالا، على ما اقول كتاب «عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الاسواني.. هذا الكتاب لاقى من النجاح ما لم يلقه كتاب اخر، وطلب عربيا، بحيث تصدر قائمة اكثر الكتب مبيعا، قبل ان يتحول الى فيلم سينمائي، وترجم الى عدة لغات اهمها الانكليزية والفرنسية، ولاقى ترحيبا من النقاد في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.. ثم لحقه كتاب اخر لنفس الكاتب بعنوان «شيكاغو» ولقي نفس الكتاب ما لقيه كتاب «عمارة يعقوبيان» نجاحا كبيرا وساحقا، عربيا وعالميا، والكتابان، طبعهما من الاعمال الروائية، لقد دعي صاحب الروايتين الى ندوات في كل من الولايات المتحدة وفرنسا.. واصبح من الوجوه الروائية المعروفة لدى جمهور القراء.. وجمهور المثقفين.. وجمهور النقاد. فهل ليس لدينا كتاب من هذا الطراز.. طراز علاء الاسواني؟ لا.. ان في تونس روائيين كبارا، ولدينا حراك ثقافي وفكري كبير.. ولدينا طاقات ابداعية متنوعة في شتى مجالات المعرفة الانسانية.. لدينا الذكاء المبدع.. الذكاء الخلاق.. ولكن ينقصنا فقط وسيلة «توصيل» المنتج الفكري الى جمهور القراء في تونس اولا.. ثم اولا.. والى الجمهور العربي ثانيا.. ثم الى جمهور القراء في شتى انحاء العالم وذلك من خلال بوابة الاتفاقات بين الناشرين التونسيين والناشرين الاجانب على ترشيح اعمال التونسيين الى لغات رئيسية في العالم.. واولها اللغة الانكليزية ثم الفرنسية.
اما كيف يتم ذلك.. فهذا امر متروك لاصحاب دور النشر الذين برز منهم في السنين الاخيرة مجموعة طيبة يتضح من اختياراتها، وعيا كبيرا، وفهما عميقا لوظيفة النشر ولدور الكتاب.
محمّد كمال السخيري: انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود بين أحقية التواجد والحق في الوجود
إنّ الكِتاب التونسي ورغم جودته من حيث الإخراج الفني وطريقة الطباعة ونوعية الورق المستعمل لإنجازه مازال عاجزا عن اكتساح الأسواق الخارجية وخاصة العربية منها. ولكنّ الأسئلة المطروحة والتي تبقى دوما ملازمة لأذهان المهتمّين بهذا الموضوع وخاصّة المؤلفين وأصحاب دور النشر والتوزيع منهم هي: ما عسى تكون العوائق والنقائص التي تحدّ من انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود؟؟. وما هي السبل الكفيلة كي يصبح هذا الكتاب محطّ أنظار القراء الآخرين خارج تونس و"بضاعة" إبداعية تحمل علامة تونسية مميزة تلقى الرواج السريع وتجلب الاهتمام المتزايد؟؟. ولكنّ التساؤل الأهمّ على الإطلاق هو هل لدينا "بضاعة" صالحة للتصدير أي كتابا تونسيا قادرا على منافسة الكتب الأخرى من مختلف الدول العربية مثلا وفي معاقل الإنتاج المكثف والمتميز والمتنوّع؟!!.
قد يحتار أو بالأحرى يعجز عن إقناع نفسه بالحقيقة قبل الآخرين البعض من المشككين وخاصة غير المتابعين لما يصدر بتونس سنويا من كتب وخاصة الإبداعية منها وما تنفقه الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والمحافظة على التراث من أموال طائلة لتشجيع إنتاج الكتاب التونسي وترويجه ، ولكن دعنا نعترف بوجودنا قبل أن يعترف بنا الآخر..!!. الحقيقة التي يجهلها البعض أو يتجاهلها أو يصمّم على نكرانها أنّ الرواية التونسية على وجه الخصوص تحتلّ حاليا في المجال الأدبي العربي مرتبة متميزة ومشرّفة جدّا من خلال بعض الكتابات الروائية التي استطاعت أن تتجاوز السائد فغزت المنابر الأدبية المختصة والمتنوعة في الكثير من الدول العربية ، وبما أنّ أكثرنا يجهل ما لدينا فلمَ نلوم الآخر إذن؟؟. وما سبق ذكره عن الرواية التونسية كشكل من أشكال الإبداع الأدبي يمكن أن ينسحب أيضا وبدرجة أقلّ نسبيا على الإنتاج الشعري التونسي على أنّه لا بدّ من الاعتراف في هذا المجال بعجز القصة التونسية حسب تقديري على اختراق الحدود والتجاوز إبداعا وإنتاجا وتلك قضية أخرى لا يتسع المجال لذكر أسباب ذلك. أمّا عن النقائص والعوائق التي تحول دون قدرة الكتاب التونسي على الانتشار خارج الحدود فهي تعود أساسا إلى تقاليد بالية وغير مجدية تعتمد على التواكل على الآخر وانتظار اعترافه بنا كبلد يمكنه أن ينتج إبداعا متميزا حتّى يمنحنا تأشيرة وصاية ويتكفّل بالتعريف بمبدعينا من الكتُاب وكتبهم، زيادة على تداخل الأدوار بين المنتج (الكاتب) والموزّع حيث نجد وفي أغلب الأحيان أنّ الكاتب - وهو مبدع الأثر الأدبي - سرعان ما يتحوّل إلى موزّع وتاجر متجوّل يجوب المدن والمندوبيات الجهوية للثقافة والمعاهد وغيرها من الأماكن حتّى يسترجع ولو جزء بسيط ممّا أنفقه من قوت عياله. إن كان هذا يحدث داخل الوطن فكيف الحال خارجه؟؟ لذلك يستوجب الوضع إعادة ترتيب الأدوار حتّى نضمن تفرّغ الكاتب للإبداع فقط ونوفّر للموزّع كلّ الفرص المتاحة لترويج الكتاب مع ضمان المحافظة على حقوق المؤلّف التي كثيرا ما أثارت الشكوك والريبة وهي لعمرى من أهمّ العوائق التي تكبّل إشعاع الكتاب التونسي وتوفره في الداخل والخارج. ونظرا لضيق مجالات التعريف بالكتاب التونسي وترويجه وخاصّة في الخارج يستوجب الأمر التفكير مليا في خطّة وطنية محكمة انطلاقا من الاستشارة الوطنية حول الكتاب والتي شرع في تنفيذها منذ اليوم الأوّل من افتتاح معرض تونس للكتاب في دورته الحالية هذه السنة أي يوم الجمعة 24 أفريل 2009 والتي تستهدف النجاح في ترويج الكتاب التونسي والتعريف به في الخارج.
والمؤكّد أنّ إشعاع الكتاب التونسي بالخارج يكاد يكون مفقودا وحتّى وإن وجد فهو لا يعكس مطلقا حقيقة إنتاجنا الأدبي من حيث الكيف والنّوع ، وحتّى نضمن تحقيق هذا الحلم المشروع فإنّي أقترح ما يلي:
- مزيد تحسين طريقة تقديم الكتاب التونسي من حيث نوعية الورق والطرق الفنية المستعملة حاليا في الطباعة والتصفيف والإخراج الفنّي حتّى يتسنّى له إبهار المتلقي منذ الوهلة الأولى لمحاولة اكتشاف أسرار محتواه.
- قيام الهياكل المكلّفة بالتنشيط الثقافي بالسفارات والقنصليات التونسية ومكاتب الإعلام بالخارج بالدور الموكول إليها والعمل على التعريف أكثر فأكثر بالإنتاج الثقافي الوطني وخاصّة الأدبي منه وعدم الاقتصار على أن يكون عرض الكتاب التونسي وتقديمه للآخر ضمن فعاليات " مناسبتية " كالأسابيع الثقافية التي تنظمها الهياكل المختصة بالخارج والتي تحتوي برامجها عادة على أنشطة مختلفة من الفنون والآداب بغاية التعريف بمخزوننا الثقافي بمفهومه الشامل وذلك لأنّ الكتاب هو المرآة الحقيقية التي تنعكس من خلالها لغة الخلق والإبداع وتشعّ منها ألوان الفكر النير والإضافة الإنسانية للصّراع الأزليّ بين الوجود والعدم..!!. إنّها باختصار لغة الرّوح وانصهار الجسد..!!. إنّه ذاك التقاطع الفكريّ الصامت في سكون الحيرة الهاربة من أيقونة المبدع إلى أسارير المتلقّي وهو القارئ الذي لن ينعم بمثل هذه التماهيات الوجودية وانتظارات إجابات مقنعة عن تساؤلات تمزّقه الوجداني الداخلي العنيف أحيانا إلاّ إذا ما عانق الكتاب وكم نحلم أن يكون ذلك محبّرا على صفحات كتاب تونسي مضيف ومتفرّد مهما كان لونه الأدبي..!!؟. لذلك لا بدّ من التفكير مستقبلا في إقامة أسابيع ثقافية دورية (سنوية مثلا) تختصّ في تقديم الكتاب التونسي وتعرّف به وتمهّد له كلّ سبل الترويج من خلال حملات مكثفة عبر الوسائل الإعلامية المختلفة على أن ينتقل هذا النشاط من دولة إلى أخرى وخاصة العربية منها على امتداد أشهر السنة. إلاّ أنّ ما يجدر التأكيد عليه أنّ مثل هذه الحملات التعريفية الترويجية لا يمكن أن تناط بعهدة وزارة الثقافة والمحافظة على التراث لوحدها وإنّما بمساعدة أطراف وهياكل أخرى منها على سبيل الذكر لا الحصر وزارة الشؤون الخارجية واتحاد الناشرين التونسيين واتحاد الكتاب التونسيين وغيرها من الأطراف المتدخّلة في هذا المجال.
- إحداث موقع إلكتروني خاصّ يعرّف بالكتاب التونسي الجيّد والجدير بالترويج والتعريف به في الخارج حتّى يحيل بدوره إلى أحسن صورة تبرز جليا ما وصل إليه الإبداع الأدبي والفكري في تونس وذلك لأنّ بصمة الإبداع الوطني تحيل بدورها مباشرة إلى تاريخ تونس الممتدّ والضارب في أعماق التاريخ الحافل بالإبداعات والإضافات الإنسانية.
- الاستثمار في مجال إنتاج الكتاب التونسي وترويجه في الداخل والخارج من قبل الخواص ولكنّ الإشكالية المطروحة في هذه المسألة بالذات تعود أساسا إلى أنّ مفهوم الاستثمار عموما هو مفهوم اقتصادي لا يعتمد إلاّ على الرّبح المادي ولا يؤمن مطلقا بالفشل ، لذلك يشهد ميدان الاستثمار في مجال توزيع وترويج الكتاب التونسي بتونس وخاصّة في الخارج انحسارا كبيرا له مبرّراته وأولاها ندرة الإنتاج المتميّز القابل للتصدير والخوف من الفشل عند الترويج وذلك نظرا لضيق السوق الوطنية من حيث عدد القرّاء ولجهل القرّاء بالخارج - إن وجدوا فرضا- بمستوى ما وصلت إليه الكتابة الإبداعية عندنا على وجه الخصوص ما عدا معرفتهم ببعض الأسماء المتداولة منذ عقود من الزمن. وحيث أنّ الاستثمار في أيّ مجال يرتكز أساسا على:
* دراسة فنية للمشروع.
* دراسة لجدوى ومردودية المشروع.
* الوسائل المتاحة للنّجاح وخاصة ترويج المنتوج.
فإنّ الاستثمار في مجال إنتاج الكتاب وترويجه مغامرة مجهولة العواقب تستوجب بعث ورشات للبحث والانتقاء والإنتاج والترويج وذلك اعتمادا على خلايا إنتاج تتكوّن أساسا من المستثمرين من رؤوس الأموال المولعين بعالم الثقافة والفكر وخيرة ما يوجد من الكتّاب والمبدعين والمثقفين ومختصين بارعين في مجالي الإشهار والتسويق والترويج والدافع الوحيد لهم في هذا المجال هو إبراز الفكر التونسي الخلاّق والتعريف به في الخارج لا غير وما يعنيه ذلك من قوّة الاعتراف بالوجود والدّفاع عن الحقّ في التواجد، وذلك لأنّ الإبداع الأدبي على وجه الخصوص والمنشور على صفحات الكتب إنّما هو في الحقيقة جزء من الهوية لا بدّ من تشجيعه والمساهمة في التعريف به وإقناع الآخر خارج الوطن بقدرة المبدع التونسي على الإضافة والتميّز وتجاوز الآخر (هذا الشبح المخيف الذي مازال يسكن مع الأسف مخيال الكثيرين منّا) في كثير من الأحيان كما هو الشأن في مجالات أخرى من الإبداع. هذه بعض المقترحات العمليّة للنهوض بقطاع الكتاب التونسي وخاصة كيفية قدرته على تجاوز الحدود ، هذا القطاع الذي بات في أشدّ الحاجة للمراجعة وإعادة النّظر بتفكير استشرافيّ واع يؤسّس لمستقبل أكثر إنتاجا من الكتب الإبداعية المتميزة والمضيفة حتّى يحقّق الكتاب التونسي الإشعاع والانتشار المنشودين داخل تونس وخارجها .وإذا كانت تونس على الدّوام بطبعها ولادة معطاء فكيف يعجز المبدعون والغيورون من أبنائها عن إيجاد حلول ناجعة لتلميع صورتها وترويج ما أفرزته من إبداع بالخارج..؟؟!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.