تونس - الصّباح: الحليب الذي نشربه... يحتوي على رواسب أدوية مضرة بصحة الإنسان وكثيرا ما تتسبب له في أمراض عصية العلاج على غرار الاصابات بالحساسية. هذا ما كشف عنه الدكتور خالد زروق البيطري المتفقد المركزي للصحة العمومية ونائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك بأريانة المكلف بالصحة والخبير بالمعهد الوطني للتغذية. وذكر الدكتور زروق ل«الصّباح» أنه طيلة 27 سنة التي عمل بها في مخبر مخصص لتحليل الأغذية حيوانية المصدر.. كان يعثر ومازال الى اليوم... على رواسب للأدوية الحيوانية في الحليب المعد للاستهلاك. وفسّر معنى الرواسب بالقول ان الدواء الذي يعطى للبقرة يعطي مفعوله ويشفيها ولكنه ينقسم الى جزئيات تتسرب الى الدورة الدموية.. وبما أن الحليب يتكون من جسم البقرة ودمها.. وبما أن الدم ملوث برواسب الدواء فان الحليب الذي تنتجه سيحتوي آليا على رواسب تلك الأدوية. وبين الدكتور زروق أن تغلية الحليب لا تقتل تلك الرواسب... وان «البينيسلين» لا يمحي من الحليب حتى وان ظل يغلي في القدر يوما كاملا. ولاحظ البيطري أن العديد من الفلاحين يقتنون أدوية لعلاج أبقارهم دون استشارة البياطرة.. ويقومون بحلبها مباشرة بعد المداواة وقبل انقضاء المدة الضرورية لانتهاء مفعول الدواء.. فتتسرب ترسبات الادوية الى الحليب.. وتنجم عن ذلك آثارا سلبية على المستوى الاقتصادي والتقني والصحي. وأضاف أن المعهد الوطني للتغذية والتقنيات الغذائية، قام منذ 1975 بدراسات تبين من خلالها تلوث الحليب الذي نشربه بالأدوية.. ففي سنة 1975 كشفت الدراسة أن لترا من الحليب على لترين ملوثة برواسب المضادات الحيوية والطفيليات. وفي دراسة ثانية أجريت سنة 1981 تم الحصول على نفس النتيجة.. واجري تحقيق آخر سنة 1989 تبين من خلاله ان 40 بالمائة من كميات الحليب التي خضعت للتحاليل المخبرية ملوثة بالادوية وتقلصت هذه النسبة الى 30 بالمائة خلال سنة 1999 والى 25 بالمائة سنة 2006 ومازال المعهد يسجل الى اليوم وجود رواسب أدوية في الحليب. صلابة جرثومية! ولدى حديثه عن الخسائر الاقتصادية، بين الدكتور خالد زروق أن الحليب الذي يحتوي مضادات حيوية لا يتحول الى ياغرت أو أجبان.. وذكر أن العديد من المصنعين في هذا القطاع سجلوا خسائر مادية فادحة بسبب اقتنائهم كميات من الحليب المحتوية على رواسب مضادات حيوية ولم تتحول بسبب ذلك الى ياغرت وأجبان. وفي نفس الصدد قال الأستاذ محمد علي ضو من المدرسة الوطنية للطب البيطري أنه يصعب تحويل الحليب إلى ياغرت وأجبان عندما تكون فيه مضادات حيوية،.. وبين ان الحليب السليم ينتج كمية أكبر من الأجبان من الحليب الحاوي مضادات حيوية. أما الخسائر التقنية فتتلخص في تسجيل أخطاء في التحاليل المخبرية.. وفي ما يتعلق بالخسائر الصحية، فهي على حد قول الدكتور زروق لا تقدر بمال.. وقال في هذا الصدد: «اذا أعطينا طفلا صغيرا كل يوم ربع لتر من الحليب... فهو كل يوم يتناول مضادات حيوية.. فتحدث له صلابة جرثومية.. وتفسر منظمة الصحة العالمية سبب بروز الصلابة الجرثومية بتواجد رواسب الأدوية والمضادات الحيوية في الأغذية ذات الأصل الحيواني. وجراء هذه الصلابة الجرثومية لا يؤدي الدواء الذي يتناوله الطفل عندما يمرض الى نتيجة. يؤثر الحليب الحاوي للأدوية على صحة المرأة الحامل وعلى جنينها فبالنسبة للحامل فانه يؤدي الى اصابتها بنقص الكالسيوم في الجسم لأن المضادات الحيوية تستحوذ على الكالسيوم الموجود.. أما الجنين فانه عندما يولد ويكبر تبرز له أسنان معوجّة، وأكد البيطري على أهمية ترشيد استهلاك الادوية البيطرية من قبل مربي الأبقار. ولكن لئن كان الحليب المحتوي على رواسب ادوية كل هذه السلبيات الصحية.. فان المختصين في التغذية يعتبرونه الغذاء الذي لا يعوض نظرا لاحتوائه على عناصر تحفظ مناعة الجسم وتؤمن نموه. ويعتبر الحليب ومشتقاته على حد قول الاستاذ محمد علي ضو من المدرسة الوطنية للطب البيطري مصدرا هاما للكلسيوم والبروتينيات والمواد الدسمة والأملاح وهذا يؤكد أهميته في تغذية الانسان طيلة مراحل نموّه. مسؤولية الفلاح والبيطري يمر الحليب عبر مسلك يمتد من المنتج الى المستهلك مرورا بالتجميع والتصنيع والتوزيع ويتم تداوله من عدة اطراف قبل استهلاكه مما يؤثر حتما على جودته. ودعا الدكتور زروق مربيي الابقار الى احترام توصيات الطبيب البيطري في ما يتعلق بجلب الابقار التي هي بصدد العلاج وخاصة بالمضادات الحيوية والى عدم تسويق الحليب المتأثر من أبقار حقنت حديثا بالادوية الا بعد انتهاء مدة مفعول الدواء وبعد استشارة الطبيب البيطري وعدم خلطه مع حليب الابقار السليمة. وهذا ما أكد عليه الدكتور عبد الحميد الصقلي المدير العام للمجمع المهني المشترك للحوم الحمراء والالبان... اذ قال ل«الصّباح»: «ان الحد من رواسب الادوية بالحليب يستوجب تكثيف مراقبة القطيع من جهة وامتثال الفلاح لنصائح الطبيب البيطري من جهة أخرى... فالطبيب البيطري على حد قوله هو الذي يعرف متى يمكن جلب البقرة بعد المداواة ومتي يكون الحصول على حليب سليم ومتى تنتهي مدة مفعول الدواء. وأضاف: «يجب على الفلاح الا يعطي الدواء الى بقراته بنفسه ودون استشارة طبيب بيطري». وللحد من رواسب المضادات الحيوية وغيرها من الادوية في الحليب يعمل المجمع على حد قوله على حث مراكز تجميع الالبان والمركزيات على القيام بالتحاليل الضروروية قبل قبول الحليب ويدعوهم الى رفض الحليب الذي يلاحظ عند تحليل عينات منه انه يحتوي كميات كبيرة من رواسب الادوية. ويذكر ان رواسب الادوية لا توجد في الالبان فقط.. بل في عدة منتوجات أخرى من اصل حيواني مثل اللحوم وهو ما اكده السيد نور الدين بن شهيدة رئيس مجلس عمادة الاطباء البياطرية مؤكدا على اهمية الدور الذي يلعبه الطبيب البيطري في توفير منتوجات استهلاكية ذات اصل حيواني خالية من رواسب الأدوية.