رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة «الدائمة» إلى الحليب
الحقيقة والوهم: أكذوبة الكالسيوم
نشر في الشعب يوم 28 - 08 - 2010

من مفارقات هذا العصر أنّه في ذات الوقت الذي ارتفع فيه استهلاك المواد الغذائية فى العالم من لحوم وحبوب وحليب ومشتقاته فإن ذلك وقع على حساب الجودة والتنوّع حتى تقلّصت مصادر الغذاء وبدأنا نعيش عهدا يتّسم بتطابق العادات الغذائية وتراجع العادات الغذائية المفيدة, كذلك فرغم أنّ مؤمّن الحياة قد عرف ارتفاعا بفضل تطوّر العلوم والتقنيات الطبّية والمضادّات الحيويّة إلاّ أنّ ذلك لم يمنع من تعرّض أجيال للتلوّث وللإصابة بما أصبح يعرف بأمراض العصر من سمنة وتسمم وأمراض الشّرايين وتراجع الخصوبة,,, فمن التعبيرات الشائعة اليوم والمعبّرة عن هذا الواقع الجديد والمثير للحيرة تلك التى تشير إلى عدم قدرة الجيل الجديد على تحمّل المصاعب والصّمود أمام الأوضاع المعقّدة نذكر منها »جيل الصّودا« و»جيل الياغرط«,
فهذا الجيل تربّى على تناول الغذاء الصناعي والسريع والاستهلاك المشطّ للحوم والدّهون كما تدلّ على ذلك الأرقام العالميّة لاستهلاك هذه المواد, في هذا الإطار أصبح الحليب ومشتقاته مادّة غذائية أساسيّة لا فقط في البلدان المصنّعة ولكن أيضا في بلدان الجنوب التي تخلّت عن مصادر عديدة للغذاء ومتوفّرة محلّيا علما بأنّ بلدان الجنوب تحتوى على 80% من التّنوع البيولوجي من نبات وحيوانات وطحالب قادرة على تأمين غذاء سليم لشعوبها, الحليب مشروب أبيض كامد تنتجه الثدييات وتفرزه غدد الأثداء ويسمّى الحليب التى تفرزه فى الأيام الأولى بعد الولادة باللّبأ Clostrum. يغذّى الحليب الذريّة الخاصّة بكلّ نوع من الحيوانات إلى أن تصبح قادرة على هضم موادّ غذائية أخرى, منذ أن أصبح الإنسان قادرا على تدجين الحيوانات تمكّن من استهلاك حليبها كحليب البقر والماعز والشّاه ثمّ تمكّن من تحويله إلى جبن وزبدة, يختلف تكوين الحليب نسبيا من جنس حيوانى لآخر ومن فصيل ونوع لآخر كما أنّ تركيبته تتغيّر حسب فترات الرّضاعة وأثناء فترات الحلب, يحتوى الحليب على موادّ دهنيّة وبروتينيات الكازيين أو الجبنين و بروتين مصلىséroproteine وسكريات اللّكتوز وفيتامينات وأملاح وأنزيمات, حليب الحمار والفرس يحتوى أقلّ نسبة من الدّهون بينما يحتوى حليب الفقمة أو أسد البحر أكبر كمية من الدّهون, الحليب غذاء مدّة صلوحيته محدودة, فإذا تركناه فى درجة حرارة المنزل تضاعفت عدد البكتيريا التي يحتويها كلّ 20 دقيقة, فهو معرّض للتعفّن بالمكوّنات الصّغيرة والأنزيمات والموادّ العفنة والخمائر والبكتيريا التي تتكاثر بسرعة خصوصا إذا تعرّض الحليب أو الجبن للرّطوبة, من المعلوم أنّ بعض الخمائر والعفونة يقع انتقاؤها لإنتاج بعض الأجبان من نوع Roquefort و camembert بعض البكتيريا المفيدة ترفع من درجة حموضته فيتخثّر ونتحصّل على اللّبن والرّايب لكن بعد أيّام يمكن أن تنمو في الرّايب واللّبن بكتيريا مضرّة, إذا استثنينا الحليب البيولوجي والذي يستهلك طازجا ونظرا لأنّ مدّة الحفاظ على الحليب محدودة فإنّه يخضع لعمليات معالجة متعدّدة كالبسترة والتعقيم,,, لقد أصبح الحليب غذاء أساسيّا لجزء هامّ من شعوب العالم خصوصا بعد أن مكّنت الطرق العصرية لمعالجته من المحافظة عليه لمدّة طويلة نسبيا حتى أصبح من بين الموادّ الغذائية التي تتداول في السّوق الدّولية, فمنذ الخمسينات من القرن الماضي تعوّدنا على سماع نصائح تدعو إلى استهلاك الحليب ومشتقاته للحصول على الكالسيوم وضمان نموّ متوازن للعظام, كلّنا يتذكّر تلك الأطنان من مسحوق الحليب التي كانت تقدّمها البلدان المصنّعة إلى بلدان الجنوب كغذاء للأطفال في المدارس والمطاعم المدرسيّة والمحاضن, ❊ لماذا الحديث اليوم عن الحليب؟ يظهر أنّ البشرية بحاجة لأزمات كي تكتشف أنّها عاشت على مدى عقود على أوهام وأفكار مسبقة وظلّت أسيرة لها, كلّنا يعلم أنّنا نمرّ بمرحلة تتسم بغلاء الموادّ الغذائيّة وارتفاع الأسعار العالمية لعديد الموادّ كالحبوب والحليب ومشتقاته وغيرها, أسباب ذلك عديدة منها التغيّرات المناخيّة وتراجع إنتاج بعض الموادّ الغذائية وتخصيص جزء منها للمحروقات النباتيّة لتشغيل محرّكات السيارات وحالة الجفاف التي أصابت عديد مناطق العالم كأستراليا وزيادة استهلاك البلدان الآسيوية لبعض من الموادّ الغذائية كالحليب, من بين الموادّ التي عرفت أسعارها ارتفاعا هامّا وسريعا في السوق الدولية نذكر الحليب ومشتقاته بل لقد فقد الحليب في بعض الأسواق وأدّى ذلك إلى حالة من الفوضى والحيرة خصوصا وأنّ الحليب أصبح غذاء أساسيا للأطفال والرّضع, الكلّ يتهافت على الأسواق والمساحات التجارية لاقتناء أكبر كمية من الحليب, ❊ شيء من التاريخ يعود تاريخ تربية الماشية لإنتاج الحليب إلى 10 آلاف سنة قبل المسيح وذلك في الشّرق الأوسط, في القديم كان استهلاك الإغريق والرّومان للحليب محدودا جدّا وكانوا يفضّلون عليه الخضر والغلال والبقول والحبوب والزّيوت والخمور, كان أبقراط أب الطّب يوصى بتجنّب الحليب ومشتقاته للوقاية من عديد الأمراض كالإسهال والأكزيما والرّبو وأوجاع المفاصل, فى العصر الوسيط وإلى حدّ القرن الثامن عشر كان الحليب يعتبر غذاء الفقراء بل لقد كانت الطبقات الغنيّة تحتقره وقد حذّر الأطباء آنذاك من مخاطر استهلاكه, منذ سنة 1930 أصبح بالإمكان تبريد الحليب في المزارع ونقله إلى المدن بواسطة الخزانات المحمولة على الشاحنات وكذلك وضعه في قوارير لتوزيعه على السكّان, هكذا تمكّن مواطنو مدن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من الحصول على الحليب الطّازج الذي لم يخضع في ذلك العهد لأيّ نوع من العلاج أو التحويل أو الإضافة, في سنة 1951 اخترع السويسريّون طريقة جديدة لمعالجة الحليب تسمّى الحرارة الجدّ عالية "U.H.T" وهو ما مكّن من تطوّر صناعة الحليب وبالأساس الحليب المصبّر, أعدّ هذا الابتكار ثورة خلّصت مصنعي الحليب من القيود التي فرضها تبريد الحليب وحفظه, هكذا أصبح الحليب يُعرض في الأسواق والمتاجر كما تعرض مواد التنظيف أو غيرها من المواد, برزت شركات عالمية اختصّت فى صناعة وتجارة الحليب, فى الحقيقة يعود تاريخ ظهور »لوبي الحليب« إلى سنة 1930 ويشير Thierry Souccar فى كتابه »الحليب، الأكاذيب والدّعايات« أنّ هذا اللوبي هو الذي أثّر على الدّولة الفرنسية لإقرار »الحليب في المدارس« كما ساهم المختصون في الغذاء والأطباء بالتعاون مع قطاع صناعة الحليب في نحت صورة لامعة للحليب من ذلك أنّهم وعلى سبيل المثال روّجوا بأنّ الحليب يحتوى على أستروجين يحمى المرأة بعد انقطاع الحيض وشنّوا هجوما ضدّ الأستروجين النباتي الذي يوجد مثلا فى الصويا لكن وبعد سنوات اتّضح أنّ ذلك لم يكن سوى دعاية مغلوطة للحليب الصناعي وأنّ أحسن وسيلة لحماية النسوة اللاتي انقطع عنهنّ الحيض هو تناول النباتات الحاوية للأستروجين النباتي, من بين النتائج المباشرة لتطبيق الحرارة شديدة الارتفاع القضاء على جزء هامّ من الفيتامينات »أ« و »د« و »ب12« و »ج« وغيرها من الفيتامينات ممّا استدعى إضافة فيتامينات اصطناعية للحليب الذي خضع للبسترة أو التعقيم وهكذا ظهرت علامات تجارية نذكر منها: »حليب غنيّ بالفيتامينات» «حليب غنيّ بالكالسيوم وفيتامين د»، »حليب مدعّم بالمنغيزيوم والحديد والزنك، حليب غنيّ بالأوميغا3,,,من ناحية أخرى ظهر الحليب الاصطناعي الخاصّ بالرّضع والذي أطلقت عليه صفة الإنساني أو الحليب المؤنس والحليب المعوّض لحليب الأمّ, ❊ القوانين الطبيعية وقوانين الصناعة »كلّ طفل بحاجة لحليب البقر«، »حليب البقر سليم ونافع«، »بدون استهلاك الحليب سنتعرّض لنقص فى مادّة الكالسيوم«، »الحليب يدعّم المناعة«، »الحليب ضروري للنموّ«، »الحليب يقى من تهشّش أو ترقّق العظام«,,,كلّها شعارات روّجت لها صناعة الحليب إلى درجة أنّها أصبحت أحكاما ثابتة يقرّ بها العامّ والخاصّ ويدافع عنها الأطبّاء والمختصّون في التغذية إلى أن جاءت عديد البحوث العلميّة لتشكّك في هذه الحقائق وقد ساعد ظهور أزمة الحليب على إعادة طرح هذه القضية من جديد, باستثناء الإنسان لا يستهلك الحيوان أيّ حليب لجنس آخر كما أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يستهلك الحليب بعد سنّ البلوغ بل هو يعتقد أنّ ذلك ضروريّا لضمان صحّة جيّدة, لكلّ جنس حيواني حليب يتماشى مع حاجياته الغذائية الأساسية وهو حليب أمّه ولكن هذا الغذاء لا يصلح إلاّ لأشهر معدودات بعد الولادة, الحليب الذي تفرزه الأثداء سليما ومعقّما "إذا استثنينا تلوّثه ببعض الموادّ الكيميائية المتأتية من الغذاء" ويمتصّه الرّضيع مباشرة ويمرّ إلى معدته دون التعرّض للهواء أو الضوء الذي قد يؤثّر على مكوّناته, لا يقدر أيّ حليب اصطناعي أن يعوّض حليب الأمّ, فحليب الأمّ يغذّى الرّضيع ويحميه من التعفّن كما أنّه يقي الأمّ من الأمراض خصوصا منها بعض الأمراض السرطانية, تختلف مكوّنات الحليب من جنس حيواني لآخر, فعلى سبيل المثال تمثّل بروتينيات حليب الأرنب 10.4 % من مكوّناته وهكذا تتمكّن صغارها من مضاعفة وزنها في ظرف ستّة أيّام, أمّا نسبة البروتينيات فى حليب القطّ فتبلغ 7% ممّا يمكّن صغار القطط من مضاعفة وزنها في ظرف تسعة أيّام, بالنسبة للبقر تبلغ نسبة البروتينيات فى الحليب 3.3 % ويتضاعف وزن صغار البقر فى ظرف 47 يوما, بالنسبة للإنسان تبلغ نسبة البروتينات في الحليب 1.2 % ويتضاعف وزن الرّضيع فى 180 يوما, من المعلوم أنّ وزن العجول يمكن أن يبلغ مئات الكيلوغرامات, حليب البقر يتماشى مع حاجيات العجول: نموّ سريع، عظام صلبة لكن نموّ محدود للمخّ, يعود هذا النموّ السريع إلى أنّ حليب البقر يحتوى على كمية عالية من الكالسيوم تفوق 4 أو 5 مرّات كميّة الكالسيوم فى حليب المرأة المرضع, كذلك يحتوى على كميات مضاعفة من الأملاح مقارنة مع حليب البشر, فالعجل ينمو بسرعة ودون رعاية خاصّة, أمّا الرضيع فترعاه أمّه بين ذراعيها لمدّة أشهر وهذا لا يتطلّب كميّات عالية من الكالسيوم, بالمقابل فإنّ نموّ مخّ الإنسان أسرع ويمكن تفسير ذلك بعديد العوامل منها أنّ حليب الأمّ يحتوى على كميات من النشويات أو السكريات تفوق حليب البقر, فسكّر الحليب أو اللاّكتوز ضروري لتكوين غلاف الخلايا العصبية وكلّ نقص في هذه المادّة يؤثّر سلبا على نموّ الجهاز العصبي, ❊ تصنيع إنتاج الحليب كما هو الحال بالنسبة لمختلف قطاعات الزّراعة فلقد وقع تصنيع إنتاج الحليب وتربية الأبقار المدرّة للحليب, فبعد أن كانت البقرة ترعى الكلأ وتتمتّع بسحر الطّبيعة ها هي اليوم تعامل كآلة في مصنع ويتلخّص دورها فى إنتاج الحليب بأكبر كمية, نموذج البقرة العصرية هو بقرة »هولستاين« التى تزن مئات الكيلوغرامات "650 كيلوغراما" وتأكل 24 ساعة على 24 ساعة وتنتج 150 لترا من الحليب فى اليوم وتتدلّى أثداءها إلى أن تلامس الأرض أو بالأحرى الإسمنت, فى كلّ بقاع العالم »تهلشنت« الأبقار رغم أنّ هذا النّوع من الأبقار يعرف مصاعب جمّة من ذلك أنّها لم تعد تلد أكثر من عجلين وبمرور 3 سنوات تبدأ متاعبها وأمراضها, لقد أدّى البحث عن زيادة إنتاج الحليب كما التخصّص في الإنتاج الحيواني إلى القضاء على جزء كبير من الأنواع المحلية للأبقار التي تتلاءم مع مناخ كلّ بلد ومع نوعية التربة والعشب وذلك لصالح أنواع منتقاة ومستوردة, فللرفع من إنتاج الحليب وقع اللّجوء إلى الأبقار التي يتقبّل جسمها الحلب المستمرّ وتدرّ كميات عالية من الحليب, يقع تجميع الأبقار في عنابر ضيقة وتعامل كآلات لصنع الحليب, للحصول على كميات كبيرة من الحليب وبصفة تكاد تكون مستمرّة لا بدّ من إخضاع الأبقار لحمل مبرمج كلّ سنة, يبدأ الحمل مع بلوغ البقرة سنّ العامين ويدوم تسعة أشهر, بمجرّد وضع البقرة لعجلها يقع فصله عنها فتعيش حالة من الاضطراب والحيرة وهى تبحث عن وليدها بعد ثلاثة أشهر يقع تلقيحها اصطناعيا وهى في مرحلة الرّضاعة, يقع حلب البقرة لمدّة عشرة أشهر من بينها 6 إلى 7 أشهر وهى حامل. يقدّم للبقرة الحلوب غذاء مركّز للرّفع من إنتاج الحليب, ربع البقرات تضلع وهذا ناتج عن ارتفاع كمية الحامض اليوريكى Acide urique وثلث الأبقار تعانى من التهاب الأثداء mammite الناتج عن الحلب المتكرّر, فبقرة تربّى بصفة طبيعية تنتج 500 لترا من الحليب فى السّنة, أمّا البقرة التي تربّى بطريقة صناعية فهى تنتج أكثر من 10 آلاف لترا سنويّا, بعد أن تكون البقرة قد عانت من إجهاد عميق يقع التخلّص منها وذبحها فى سنّ الرابعة أو الخامسة بينما يمكن للبقرة أن تعيش 20 سنة وأكثر, يقع تحويل لحم البقرة إلى لحم مفروم أو يباع لحمها في الأسواق وفى غالب الأحيان يقدّم للمستهلك على أنّه لحم عجل, لا يمكن فهم صناعة الحليب دون ربطها بإنتاج اللّحوم, فكما سبق وأن ذكرنا لا يمكن ضمان إنتاج الحليب بكميات وافرة وبصفة مستمرّة إلاّ متى أخضعت البقرة لحمل متواصل, إذا كان المولود بقرة يقع إعدادها لكي تصبح بقرا حلوبا, أمّا العجول الذّكور فيقع فصلها عن أمّهاتها قبل أن تذوق ولو قطرة من حليبها وتباع بالمزاد العلني لمنتجي لحم العجول، فإمّا أن تذبح أو أن يقع تسمينها, تربّى العجول في بيوت ضيقة وتحرم من الرعي ومن النوم على التبن بحيث تعجز عن الحركة بمجرّد أن تبلغ سنّ
الأسبوعين, من المعلوم أنّ أوروبا قد راجعت بعض جوانب هذه البيوت منذ سنة 2007, للحصول على لحوم بيضاء يقع تقديم غذاء للعجول يحتوى على كميات محدودة من الحديد والألياف, تعانى العجول من حالات الإسهال وتقدّم لها وجبات من المضادّات الحيويّة والمهدّئات, في ظرف ستّة أشهر يعيشها العجل دون حركة أو أضواء يكتشف الضّوء لأوّل مرّة عندما ينقل إلى المسلخة, كلّما يقع ذبح العجول في سنّ مبكّرة يقع اقتناء الرّوبة من معدتها لإنتاج الجبنأو باستعمال أنزيمات نباتية ودون اللّجوء للروبة، لكن أسعار هذه الأنزيمات عالية نسبيا, نذكّر أنّه ومنذ سنة 1996 وفى إطار السياسة الزراعية للسوق الأوروبية المشتركة تقدّم منحة خاصّة للمزارعين عن كلّ عجل لا يتعدّى سنّه عشرين يوما يذبح أو يباع ليتحوّل إلى فارينة حيوانية للكلاب والقطط وقد وضعت أوروبا هدفا من ذلك هو التخلّص من مليون عجل, ❊ يعتقد الغالبية أنّ حليب البقر ضروري لأنّه غنيّ بالكالسيوم ويسمح بنموّ الجهاز العظمى ويقي من تهشّش العظام, تقدّر حاجيات الإنسان من الكالسيوم عندما يستهلك كميات عالية من البوتاسيوم أي الغلال والخضر التي تساعد على تثبيت الكالسيوم من 500 إلى 700 ميلغرام في اليوم ويمكن أن نحصل عليها من مصادر غذاء متنوعة, نقص الكالسيوم يتسبّب فى تسوّس الأسنان وتهشّش العظام وسرطان القولون ونقص في كمية الفيتامينات من نوع »ب« التى يمتصّها الجسم, يمكن أن يؤدّى ذلك إلى اضطرابات فى دقات القلب وتشنّج العضلات, لقد أصبح تهشّش العظام أحد أمراض العصر الشائعة والتي تعرف انتشارا ممّا حدا بمنظّمة الأمم المتّحدة إلى تخصيص يوم 20 أكتوبر من كلّ سنة كيوم عالمي لتهشّش العظام وقد أقرّت منظّمة الأمم المتّحدة بالتعاون مع المنظّمة العالميّة للصحّة أنّ العشريّة 2000-2010 هي عشريّة العظام والمفاصل للفت انتباه المواطنين لخطورة هذا الوباء الجديد والوقاية منه, من جملة العوامل التي تهيئ لهذا المرض نذكر: ❊ تهرّم المجتمع وزيادة نسبة الطاعنين في السنّ, ❊ تراجع نسبة الهرمونات الأنثويّة لدى المرأة بعد انقطاع الطمث, ❊ النظام الغذائي غير المتوازن, ❊ قلّة النشاط والحياة المدنيّة, ❊ نقص في الفيتامين »د«, ❊ تناول المضادات الحيويّة ❊ عوامل وراثيّة, ❊ حموضة الأكل الغني بالنشويات واللحوم خصوصا منها الحمراء إليكم بعض المعطيات الخاصّة ببعض المعاينات أو باستنتاجات توصل لها علماء الغذاء والخاصة بالكالسيوم وسنحاول بعد ذلك استيضاح المسألة بأكثر تعمّقا: ❊ فى كندا: بالنسبة للنسوة اللاتي يفوق سنّهنّ الخمسين تتعرّض امرأة من أربعة لتهشّش العظام بينما يتعرّض رجل من 12 لهذه الإصابة, 400 ألف امرأة و125 ألف رجل من الكيبك يتعرّضون للإصابة بهشاشة العظام, ❊ عدد الوفيات الناتجة عن الكسور المرتبطة بترقق العظام تفوق عدد الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي والمبيض مجتمعة, ❊ فى كلّ سنة تسجّل 76 ألف حالة كسور ناتجة عن تهشّش العظام منها 21 ألف كسر للورك, ❊ تبلغ نسبة الوفاة الناتجة عن كسر الورك بين 10% إلى 40% بينما يتعرّض المصابون بكسر الورك لسقوط مزمن تبلغ نسبته 50% ❊ تفوق نسبة الإصابة بترقق العظام وكسر الورك نسبة الإصابة بسرطان الثدي, ❊ فى اليابان: أثبتت دراسة معاصرة دامت سنتين وشملت 10 آلاف مسنّ وصدرت عن وزارة الصحّة العموميّة أنّ مسنّا من عشرة يموت في السنة كنتيجة لكسر الورك التى تعقب هذا الحادث وتمثّل هذه الكسور السبب الأوّل في جعل المريض رهن الفراش, ❊ فى فرنسا: يتسبّب تهشّش العظام سنويّا فى 130 ألف حالة كسور منها 35 ألفا تخصّ المعصم و50 ألف تشمل الفقرات و50 ألفا للورك, ❊ امرأة من اثنين يفوق سنّها الخمسين تتعرّض لكسور ناتجة عن تهشّش العظام بينما يتعرّض 15% من الرجال لهذه الحوادث, أمّا بعد سنّ الثمانين فتتعرّض امرأتان من ثلاث لهذه الكسور, ❊ ما يقارب 20 بالمائة من المصابين بكسور للورك معرّضون للموت بينما يتعرّض البقيّة لسقوط يبلغ 50%. من الملاحظ أنّ خطورة الكسور الناتجة عن تهشّش العظام تتعاظم كلّما كان المصاب بدينا, ❊ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة: امرأة من اثنتين يفوق سنّها الخمسين تصاب بكسور ناتجة عن تهشّش العظام, ❊ تسجّل أعلى نسب لتهشّش العظام في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا وبريطانيا وفنلندا والسويد وإسرائيل, ❊ تعرف قبائل الإسكيمو التي تستهلك أعلى كمية من الكالسيوم فى العالم 2 غراما من كالسيوم السّمك أعلى نسبة من تهشّش العظام بينما تستهلك كميات كبيرة من البروتينيات الحيوانية بين 280غراما و400 غراما فى اليوم ❊ كلّما كان استهلاك الحليب ومشتقاته أرفع كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وفنلندا والسّويد إلاّ وكانت نسبة الإصابة بترقق العظام أرفع, ❊ تعرف النساء اليابانيات ونساء قبائل »البنتو« اللاتي يستهلكن ما بين 200 و300 ميلغراما من الكالسيوم يوميا، أقلّ نسبة من تهشّش العظام وهذا مقارنة مع نساء الولايات المتحدة الأمريكية اللاتي يستهلكن من 840 ميليغراما إلى 1340 ميليغراما من الكالسيوم والمتأتية أساسا من الحليب ومشتقاته ويستهلكن معدّل 270 غراما من اللحم يوميّا, ❊ يتعرّض الفنلنديون الذين يستهلكون كميات كبيرة من الحليب ومشتقاته أكثر من اليابانيين للكسور والحال أنّ الأخيرين يستهلكون كميات محدودة من الكالسيوم والحليب ويحصلون على الكالسيوم أساسا من الخضر والغلال, ❊ قامت ممرّضات هارفارد بدراسة في سنة 1997 استنتجن من خلالها أنّه كلّما تحصّلت النسوة على الكالسيوم من الحليب ومشتقاته إلاّ وتضاعفت نسبة الإصابة بكسر عظم الورك, ❊ أكّد الأستاذ T. colin campbell وهو باحث من جامعة cornell بنيويورك وهو مختصّ فى الغذاء أنّ الحليب ومشتقاته لا يقي من تهشّش العظام وقد أكّد ذلك الدّكتور Roland weinsnier من جامعة "ألاباما" ببرمنغهام فى مقال نشرته المجلّة الأمريكية للتغذية فى سبتمبر 2000 بمجرّد أن يقع التعرّض لموضوع الحليب تطرح العلاقة بينه وبين الكالسيوم بما أنّ حليب البقر غنيّ بهذه المادّة, إنّ هذه النّظرة الضيّقة والسّخيفة في آن واحد تركّز أساسا على الكمية وتتغاضى عن العوامل التي تكيّف امتصاص الكالسيوم وانتفاع الجسم به أو تلك التى تتسبّب في إتلافه وضياعه, فعملية تثبيت الكالسيوم في الجسم ليست عملية ميكانيكية, فلو كانت الحاجة للكالسيوم والحديد وغيرها من المعادن تتطلّب أن نقدّم غذاء غنيّا بهذه الموادّ فأولى بنا أن نقدّم ذلك من خلال قطعة من الحديد أو من الكالسيوم, لكن المسألة أعقد من ذلك بكثير, في الحقيقة لا يمثّل استهلاك الحليب أو كثرة استهلاك الكالسيوم عاملين محدّدين في الوقاية من تهشّش العظام وضمان نموّ طبيعي للجسم, فلقد أثبتت دراسة قام بها مركز الدّراسات الخاصّة بالصحة الغذائية بالولايات المتحدة الأمريكية أنّ هشاشة العظام ترتبط بعوامل شتّى ومعقّدة وأنّ نسبة الإصابة بكسور الورك الناتجة عن تهشّش العظام لا ترتبط البتّة بكمّيّة استهلاك الكالسيوم, فالمسألة تتعلّق بضمان التوازن بين الاستهلاك والامتصاص والضياع أو التلف, فلقد لوحظ ارتفاع في حالات تهشّش العظام خصوصا لدى النسوة البيض اللاتي تختصصن بنظام غذائي معيّن ونظام حياة خاصّ يهيئ لهذا المرض, فلقد أثبتت هذه الدراسة أنّ تهشّش العظام يرتبط بكمّيّة استهلاك اللّحوم الحيوانيّة والملح ومادّة الكافيين والتدخين ونقص الحركة إضافة إلى عوامل وراثيّة وهرمونيّة, فالبروتينيات الحيوانيّة تفقد العظام مادّة الكالسيوم وتتلفها فى البول كما أكّدت ذلك النصائح الغذائيّة للأمريكيّينDietery Guidline for Americans. من بين العوامل الأخرى التى تعيق امتصاص الكالسيوم نذكر التدخين واستهلاك السكّريات خصوصا السكر الدقيق والحلويات والمشروبات الغازية واستهلاك الغلال التي لم تنضج بعد واستهلاك الملح والفارينة الدقيقة والخبز الأبيض وكذلك ضيق التنفّس وحالات التشنّج العصبي والإرهاق العصبي بصفة عامّة والغذاء الفقير في الفيتامينات وزيادة حموضة الجسم والنقص فى مادّة المنغيزيوم والفسفور كذلك هي الحال بالنسبة لمادّة الكورتيزون والأدوية المدرّة للبول والمسهّلة والمضادة للحموضة والمضادات الحيويّة, فهي تتسبّب فى إتلاف فيتامين »د« في الكبد وهذا الفيتامين ضروري لهضم الكالسيوم, من المعلوم أنّ فيتامين »د« تنتجه أجسادنا تحت تأثير أشعّة الشمس, من المعلوم أنّ الاستهلاك العالمي للحوم في تصاعد مستمرّ خصوصا في المدن الكبرى وقد اقترن ذلك بتخصيص نسبة هامّة من الزراعات لعلف الماشية, فزيادة رؤوس الماشية قد فاق نسبة زيادة السكّان, من المعلوم أيضا أنّ حليب البقر يحتوى على نسبة عالية من البروتينيات تفوق 3 مرّات كمّيّة البروتينيات فى حليب الأمّ, لكن هل أنّ الإنسان رضيعا كان أم طفلا أم كهلا في حاجة لهذه الكمّيّة؟ صحيح أنّ الإنسان بحاجة إلى البروتينيات لكن هذه الأخيرة متوفّرة أيضا في الخضر والغلال الغنية أيضا بالأملاح والفيتامينات, فكلّ نبات مهما كان نوعه يحتوى على كمّيّة لا تقلّ عن 1% إلى 2% من البروتينيات, في الحقيقة تمثّل عظام الجسم مخزونا احتياطيّا للكالسيوم وهذا ما يفسّر الحفاظ على نسبة متوازنة من الكالسيوم فى الدم, لكن بم نفسّر زيادة حالات كسور العظام وتهشّشها لدى نسوة البلدان المصنّعة التي يكثر فيها استهلاك الحليب بينما لا تتعرّض نسوة أفريقيا لمثل هذه الأمراض والحوادث؟ كيف نفسّر تعرّض الفنلنديّين والأستراليّين وسكّان الولايات المتّحدة الأمريكيّة خصوصا البيض منهم والذين يستهلكون 3 أضعاف كمّية الحليب ومشتقاته ممّا يستهلكه اليابانيون لكسور عنق عظم الفخذ بنسبة تفوق 3 مرّات نسبة الكسور لدى اليابانيّين؟ لماذا لا يتعرّض المواطنون الأمريكيّون من أصل إفريقى وآسيوى لترقق العظام بنفس الدرجة مع مواطنيهم البيض المعروفين باستهلاكهم لكمّيّات كبيرة من الحليب واللّحوم الحيوانيّة؟ يقول الأستاذ Marc Hegsted المختصّ فى التغذية من جامعة هارفارد »أن نعتقد بأنّ هشاشة العظام ناتجة عن قلّة الكالسيوم فذلك كأن نعتقد أنّ التعفّن الجرثومي ناتج عن نقص فى البينيسلين«. يلاحظ Thierry Souccar فى كتابه: »الحليب، أكاذيب ودعاية« أنّه في الصين ورغم هجوم لوبى الحليب لازال الموطنون يستهلكون كمّيّات محدودة من الحليب ومشتقاته 10 كيلوغراما في السنة ونلاحظ نسبة من كسور عظم الفخذ وتهشّش العظام تقلّ 5 إلى 6 مرّات عمّا هى مسجّلة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة هناك حيث يستهلك المواطن ما يقارب 250 كيلوغراما من الحليب ومشتقاته في السنة, فبينما أصبح تهشّش العظام وما ينتج عنه من كسور وباء بالنسبة لبعض البلدان خصوصا منها المصنّعة فهو يكاد ينعدم فى بلدان كالطوغو وكمبوديا وليبيريا وجمهوريّة كونغو الدّيمقراطيّة وغينيا الجديدة, ففي نيجيريا حيث يستهلك المواطن أقلّ من عُشر كمّية البروتينيات الحيوانيّة التى يستهلكها المواطن الألماني على سبيل المثال فإنّ نسبة الإصابة بكسر عظم الفخذ تقلّ ب99% عمّا هى مسجّلة فى ألمانيا, لقد نبّه Marc Hegsted الأستاذ فى علم الغذاء بجامعة هارفارد والمختصّ العالمي في الكالسيوم إلى المشاكل الصحّيّة المرتبطة بهذه المادّة وأكّد أنّ استهلاك كمّيّات كبيرة من الحليب ومشتقاته هي السبب في ذلك, فبعكس ما يتراءى للبعض لا يتوقّف العظم على النّموّ بعد سنّ البلوغ, فحتى وإن لا تكبر العظام فهي تتجدّد بصفة دائمة, فبصفة دورية يقع القضاء على العظم القديم بفضل خلايا مختصّة فى ذلك وهى الأستيوكلاست Ostéoclastes ويقع تكوين نسيج عظمى جديد من طرف خلايا أخرى وهى الأستيوبلاست ,ostéoblastes تنشط هذه الخلايا المختلفة بصفة متكاملة في تناسق تامّ وهذه العملية يطلق عليها بإعادة تنميط العظم الذي يتجدّد كلّ عشر سنين, ينتج النّخاع العظمى خلايا »الأستيوبلاست« المكوّنة للعظم الجديد عن طريق الخلايا الجذعية محدودة العدد cellule souches. إذن لا بدّ من إدارة جديدة لهذا المخزون من الخلايا المنتجة للعظم وعدم إتلافه, لو فرضنا أنّنا قمنا بتنشيط عملية خلق هذه الخلايا في العقود الأولى من الحياة فسنستهلك كلّ الخلايا الجذعية ولن يبقى لنا من هذا المخزون سوى القليل لكن يحافظ على عملية تجديد العظام, إذن في حالة استهلاك كلّ الخلايا الجذعية
للنّخاع العظمى وبالتالي »الأستيوبلاست« ستحدث فراغات في العظم تتسبّب في هشاشته, فلو استهلكنا كميات كبيرة من الحليب ومشتقاته في فترة الطفولة والشّباب فسنحصل على عظم كثيف وقويّ في الجزء الأوّل من حياتنا ما دمنا قد استهلكنا الخلايا المكوّنة للعظم في ظرف وجيز وبسرعة فائقة تماما كما يبدأ متسابق في الماراتون بالجري السريع منذ انطلاق المسابقة, إذن من الأجدى استهلاك كميات محدودة من الكالسيوم أثناء فترة النّموّ والشّباب والحصول عليها أساسا من الخضر والغلال وذلك لضمان نموّ متوازن للعظام والوقاية من تهشّش العظام بعد سنّ الكهولة, من ناحية أخرى تنقل بروتينات حليب البقر معلومات خاصّة بالعجل وضرورية لإنتاج مادّة الأوسيين osséine التي تثبت فيها الأملاح, كلّ ذلك سيساهم في اضطراب يطال تثبيت المعادن, جزء كبير من هذه الأملاح ومنها الكالسيوم يتكدّس بصفة غير طبيعية في بعض الأنسجة والخلايا ويمكن أن يساهم في بروز الحصى والأكياس, إنّ هذه العوامل تتداخل مع أخرى خصوصا لدى النسوة لتتسبّب في هشاشة العظام, ففي البلدان المصنعة تبلغ نسبة هشاشة العظام 30% بالنسبة للنساء دون الخمسين وترتفع هذه النسبة إلى 70% بالنسبة للنساء البالغات سنّ الثمانين, من جملة العوامل الأخرى التي تساهم في هشاشة العظام لدى النسوة نذكر انقطاع الطّمث وتراجع الأستروجين في الدّم وعدم التعرّض لأشعّة الشمس وتناول أدوية مثل الكورتيزون والمضادات الحيوية وقلّة الحركة, عادة ما ينصح الأطباء النساء اللاتي انقطع لديهنّ الطّمث بتناول الحليب ومشتقاته لتجنب هشاشة العظام وهذا غير مجدي بالمرّة, بطبيعة الحال لا يمكن منع هؤلاء النسوة من تناول الحليب ومشتقاته لكن لا يوجد مبرّر وموجب لفرض هذا الغذاء على اللاتي لم يتعوّدن عليه, فالحفاظ على سلامة العظام مرتبط بتوفير نظام غذائي متوازن وغنيّ بالنباتات التي تحتوى على الموادّ القلوية "alcalinisants" وفيتامينات »ج« و »ك« والأستروجين النباتى phyto-oestrogènes كما لابدّ من توفير الفيتامينات »د« والقيام ببعض الحركات الرياضية, أمّا بالنسبة لالتهاب المفاصل وتهرّئها فإنّ الحليب يحتوى على بروتينيات يمكن أن تحدث نشاطا مناعيّا مضادّا réactions autoimmunes أي أنّ الجسم يكوّن مضادات ضدّ نفسه قد تتسبّب في التهاب المفاصل, أمّا العلاج الهرموني المعوّض فلقد أثبتت البحوث المعاصرة أنّه يتسبّب في ظهور حالات الإصابة بالسرطان, فى حالة التأكّد من هشاشة العظام من خلال دراسة كثافة العظام والأشعّة يعمد بعض الأطباء إلى استعمال مواد تعيق نشاط الخلايا التي تتسبّب في تآكل العظام ولكن هذا العلاج الجديد لا يخلو من مخاطر جمة كما أنه باهظ, عادة ما يطرح السّؤال التالي: بم نعوّض الحليب وكيف نوفّر الكميات الضروريّة من الكالسيوم؟ لقد بينت دراسة نشرت فى مجلّة American Journal of nutrition أنّ نسبة امتصاص الكالسيوم تبلغ 52% بالنسبة للبروكلي، 63% بالنسبة لملفوف بروكسل choux de Bruxelles و57% بالنسبة لأوراق الخردل و51% بالنسبة لأوراق اللّفت بينما لا تبلغ نسبة امتصاص الكالسيوم بالنسبة لحليب البقر سوى 32%. فالبقدونس والصويا والسمسم والشّعير والحمص والسردين والطّحالب والتين المجفّف واللّوز والفستق والسّبانخ والكرفس وبعض الخضر ذات الأوراق الخضراء والفاصوليا البيضاء وجنين القمح والصليبيات كلّها تحتوى على كميات هامّة من الكالسيوم, لا يعود تهشّش العظام كما يروّج لذلك البعض إلى نقص في مادّة الكالسيوم وقلّة استهلاك الحليب ومشتقاته ولكنها مسألة معقّدة مرتبطة باختلال التوازن بين الامتصاص والتثبيت والضياع كما أنّه يرتبط بعوامل عديدة, لعل أهمها حموضة الطعام الغني بالسكريات واللحوم خصوصا منها الحمراء مما يضطر الجسم إلى مقاومتها عبر امتصاص أملاح العظم, فكلما كان الغذاء مسببا في حموضة الجسم تزايد امتصاص الجسم لأملاح العظم للقيام بعملية تعديل فيزيولوجية, لماذا تتوفّر لدى العجول عظام قويّة وهى التي لم تتغذّى سوى من حليب أمّها ولمدّة محدودة؟ سؤال يفنّد النظرية التي تربط النّموّ بكميّة استهلاك حليب البقر خصوصا منه الاصطناعي ومشتقاته والحال أنّه توجد مصادر غذائية أخرى غنية بالكالسيوم ولا تتسبّب في الاضطرابات الناتجة عن استهلاك الحليب ومشتقاته, إنّ هشاشة العظام مرتبطة أساسا بتراجع مصادر الغذاء من ناحية و بعوامل أخرى ترتبط بنمط الحياة العصرية : قلّة النشاط الجسمي، التدخين، التشنّج العصبي الاستهلاك المشطّ للبروتينيات الحيوانية والدّهون والتخلي عن العادات الغذائية السليمة,


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.