تونس الصباح حروق، التهابات، احمرار، وغيرها... هي ليست أعراض مرض وعلاماته بل هي عواقب الاستحمام في مياه مسابح لم تحترم أبسط شروط الصحة الاساسية. هي عواقب خبرها من امتهنوا اختصاص طب الجلدة، وعرفها من عانى، أو هو بصدد ذلك، جراء ويلات أمراض باتت متزامنة إلى حد التلازم مع قدوم فصل الصيف: فصل الاستجمام والابحار والغوص والسباحة، وفصل معاناة البعض أيضا، زاد في حدتها ارتفاع درجات الحرارة. ما من شيء نغص المتعة التي كان ينعم بها من اتخذ من المسبح والاحمرار تحت أشعة الشمس "البرنزية" ملاذا له ولعائلته في عطلة مؤقتة أو فترة استراحة، تشوق إليها الموظف والعامل والاجير وغيرهم منذ أمد ليس بقريب، سوى تلك الامراض الجلدية التي أصابت من استباح السباحة في مسبح لم يراع صاحبه أبسط القواعد الصحية المشترط وجودها. أضرار جلدية كارثية نتجت أغلبها عن عدم اكتراث أصحاب المسابح والنزل عموما وبدرجة أقل وطأة في حدتها المواطن الذي لا حول له ولا قوة سوى الرغبة في الظفر بسويعات في مسبح، أو حتى بركة، يبلل فيها جلده الذي طالته أضرار الالتهابات والاحمرار. ممارسات نالت من أوكد الحقوق الشرعية التي نصت عليها منظمة الدفاع عن المستهلك، ومن قبلها المنظمة الدولية للمستهلكين، فباتت تهدد " ضمان حمايته من... الخدمات التي تشكل خطورة على صحته أو حياته" بارتياده المسابح العمومية ومسابح المؤسسات السياحية التي شملتها دوريات مراقبة مستمرة وحملات تأكد من مدى ضرر مياهها. حذار.. فتحت المياه اللهيب حملتها بين ذراعيها ثم أجلستها إلى جانبها، وأخذت تروح عنها بمنديل مبلل، قبل أن تعيد حملها من جديد في انتظار قدوم طبيبها. هي حالة تنضم إلى قائمة من طالته تجاوزات عديدة وإخلالات حطت عواقبها الصحية الوخيمة رحالها على أجساد فلذات أكبادنا. تذكر السيدة آمال أن ابنتها تعاني من حساسية مفرطة تجاه مياه المسبح التي تحتوي على نسبة عالية من مادة "الكلور". هذا ما أكده الدكتور محمد رضا كمون، رئيس قسم أمراض الجلدة بمستشفى شارل نيكول بشارع 9 أفريل بالعاصمة، فأشار إلى أن "... الماء الملوث عامة، سيما الذي يحتوي على نسبة عالية من مادة "الكالكير" من شأنه أن يسبب التهابات تتفاوت حدتها حسب درجة التعرض للمياه ومدتها...". وحذر الدكتور من خطورة الاستحمام في المسابح التي لا تراعي أبسط شروط النظافة، وأثرها في الجلدة خاصة منها جلدة الاطفال الاكثر حساسية. تشوهات تركت بصماتها واضحة على جلدة هذه الطفلة التي ما انفكت تتألم من فرط أثرها، زادتها وطأة ارتفاع حرارة الطقس، فطالت قسما من جسدها جراء ارتفاع نسبة مادة "الكلور" التي يعمد إلى وضعها أصحاب المسابح بكميات غير معقولة في المياه. وعن ذلك يتحدث مراد، أحد المنتفعين بدورة تكوينية في مجال معالجة المياه بمدينة العلوم، فيؤكد أن "... تلوث الماء مرتبط بشكل وثيق بتلوث المحيط الذي هو فيه، وهذا من شأنه أن يؤثر سلبا في مدى معالجته ونسبة المواد التي تضاف إليه لتنقيته قصد تفادي مخاطره على صحة الانسان... مما يغير في طبيعة تركيبته الفيزيوكيميائية...". أيمن طفت على جلده إلتهابات وآثار حروق كلفته علاجا أثقل كاهل نفقاته وطال أمده ليقارب 15 يوما، حتى زوال علاماتها، إثر الاستحمام في مسبح لم يحترم هذه المعطيات لينضاف إلى قائمة من طالهم أثر السباحة في مسابح تراكمت فيها جزيئات البكتيريات في غياب الصيانة. ومن جهته حذر رئيس قسم أمراض الجلدة، بمستشفى شارل نيكول، من انتشار الامراض الفيروسية جراء السباحة في مياه المسابح داعيا إلى ضرورة اتخاذ كافة تدابير الوقاية. وشدد على "... حسن تنشيف الاصابع بعد الاستحمام، قصد تفادي تكاثر الفطريات وتهرؤ الجلدة...". كما أكد أيضا ضرورة تنظيف المسابح، والتثبت من دورية تعقيم مياهها "... لتفادي انتشار الفطريات والتعفنات الميكروبية...". بالمرصاد لكل تجاوز محاولة التقليص من حدة الاصابة بالامراض الجلدية جراء السباحة في مياه المسابح، كانت ومازالت هاجس إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط ومصالحها التابعة إلى وزارة الصحة العمومية بالولايات الداخلية وببقية الجهات. فلم تغفل عن القيام بحملات مراقبة صحية طالت بالاساس مسابح المؤسسات السياحية، أو تلك الراجعة بالنظر إلى البلديات والبالغ عددها 739 مسبحا. هذه الحملات امتدت منذ بداية السنة الحالية لتسجل إلى غاية 31 جويلية 1030 تفقدية صحية تم إجراء 2006 تحليل جرثومي على مياه تلك المسابح. حملات المراقبة شهدت أشدها خلال شهر جويلية وشهر جوان من السنة الحالية لتسجل 407 تفقدية صحية، تم على اثرها رفع 328 تحليلا جرثوميا قصد التثبت من مدى سلامة مياه المسابح، وخلوها من انتشار بعض الامراض الفيروسية فيها ومصدرها وطرق معالجة مياهها. ولم تغفل إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط عن التثبت في الطرق المتوخاة لتطهيرها ومراقبة المواد الكيميائية المستعملة فيها ودورية تجديدها. لكن تفاوت كميات "الكلور" الراسب المسجلة في 739 مسبحا جعلت من المراقبة الذاتية لها وتدوين نتائجها في سجل مخصص للغرض أمرا إلزاميا، على أن يذكر فيه أيضا الرقم الهيدروجيني الذي يعادل درجة حموضة الماء المتراوحة عادة بين 6.5 مليغرام في اللتر الواحد من الماء و8.2 مليغرام، قصد تفادي آثار كارثية لا تحمد عقباها، مردها بالاساس تضارب كمية الكلور الموجود في الماء. هذه الكمية يفترض، حسب ما أشارت إليه مختصة من إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط، أن لا تتجاوز 2 مليغرام في اللتر الواحد من الماء على أن لا تقل أيضا عن 0.2 مليغرام للتر الواحد، لئلا تصبح الاثار أكثر وطأة وحدة في حال تجاوز ذلك المعدل. تلك الاثار لخصها جسم تلك الفتاة وجلدتها التي لازالت تنتظر طبيبها بجوار أمها، فماذا عن المياه التي تفلت إلى جوف أبنائنا إثر السباحة في مسابح لم يتقيد أصحابها بشروط نظافة مياهها؟