رغم النسبة الكبيرة من امتلاك الأراضي على الشياع فإن الأسعار تبقى في ارتفاع مشط تونس - الصّباح: يعتبر المسكن أحد أبرز اهتمامات التونسي... ولعل النتائج التي تحققت لحد الآن على مستوى نسبة امتلاك المحل السكني والتي بلغت أكثر من 80% دليل واضح على مستوى هذا الجانب في تونس، غير أن هذا التطور الذي يصاحبه توسع عمراني سريع وكثيف في كل جهات البلاد بات خلال العشرية الأخيرة يتعقد على جملة من المستويات منها على وجه الخصوص التوسع على حساب الأراضي الفلاحية، الارتفاع المشط لأسعار الأراضي المعدة للبناء، تدخل القطاع الخاص ومالكي الأراضي وغيرها من الاشكاليات الكثيرة والمتنوعة التي أفرزها هذا التطور. مجمل هذه الاشكاليات بات يمثل ملفا ضخما يتطلب تدخل الدولة لإعادة التوازنات حول أسعار الأراضي والمحل السكني وتسوية الوضعيات العقارية القائمة. ولعل أبرز ما يلفت الانتباه هو التطور الكبير في أسعار الأراضي المعدة للبناء رغم تدخل الدولة عبر مؤسساتها العقارية وتوفير المقاسم الخاصة بالسكن الاجتماعي. فكيف تسير الأمور الآن؟ ومن المتسبب في بلوغ أسعار الأراضي هذا المستوى؟ وما هو دور الوكلاء في تحديد أسعار الأراضي؟ المشهد العام لأسعار الأراضي المعدّة للبناء أبرز المسح العقاري الجاري حاليا في كل جهات البلاد أن نسبة امتلاك الأراضي على الشياع مازالت مرتفعة جدا وتبلغ زهاء 80% في بعض الجهات... لكن مقابل هذا فإن ارتفاع أسعار الأراضي وخاصة المعدة منها للبناء ما انفك يتصاعد بشكل سريع، وذلك في كل جهات البلاد. ويشار أيضا إلى أن قطاع الشؤون العقارية وتدخلات الخواص والوكالات الخاصة العاملة داخله فرضت سيطرة على مجال الأراضي المعدة للبناء وحولتها إلى بورصة تتحكم فيها وترفع في الأسعار، خاصة على قاعدة الطلب المتزايد في كل سنة على مقاسم البناء والتوسع العمراني الجاري بنسق سريع. ولعل كل هذا يدعونا إلى طرح هذا الملف بانتظار إيجاد الحلول له والعمل على ترشيد أسعار مقاسم البناء. الوكالات العقارية العمومية وتوفير مقاسم البناء إن التوازنات التي تسعى سياسة الدولة إلى ارسائها على الدوام في هذا المجال لتوفير السكن إلى كافة الفئات الاجتماعية تتجلى في النشاط الذي تقوم به الوكالات العقارية العمومية على غرار «سبرولس» و«سنيت» وبنك الإسكان... ولعل تدخل هذه المؤسسات ونشاطها الدؤوب في كل جهات البلاد قد مثل على الدوام ملجأ المواطنين في الحصول على المقاسم والمساكن على اعتبار التسهيلات والحوافز التي تقدمها هذه المؤسسات... هذا المجهود يبقى واضحا ويدعمه تدخل أعلى هرم في السلطة على مستوى مزيد توفير المقاسم واقتطاعها من املاك الدولة، ولعل أكبر دليل على ذلك الاجراءات التي تم اتخاذها بخصوص توفير أكثر من 1300 هك لبناء المساكن الاجتماعية خلال السنة قبل الفارطة بتونس الكبرى، وكذلك مساعدة الباعثين العقاريين الخواص في توفير السكن والأراضي، ودعمهم لتجاوز الصعوبات الخاصة بتوفير المقاسم والأراضي المعدة للبناء... لكن مقابل هذا المجهود الذي تبذله الدولة، وتوفره الوكالات العقارية العمومية على اختلاف أنواعها هناك صورة أخرى مخالفة تماما لهذا البعد الاجتماعي الذي تكرسه الدولة، وهو يتمثل في ما يقوم به القطاع الخاص والمتدخلون عبره من أفراد ووكالات خاصة وسماسرة من إلهاب لأسعار الأراضي المعدة للبناء. ولعلنا لو قمنا بمسح بسيط لهذه الظاهرة وتتبع الأسعار التي أصبحت عليها مقاسم البناء في كل جهات البلاد دون استثناء للاحظنا تطورها وشططها حتى أن أقل متر مربع في أية جهة بات لا يقل عن 20 دينارا. أما بخصوص المناطق الحساسة والسياحية أو المناطق الصناعية المتطورة فإن الأمور لم تعد تقدر بسعر المتر، إنما أبسط حيز من هذه الأراضي بات يقدر بمئات الملايين. إن هذه الصورة التي تشكلت بخصوص أسعار المقاسم والأراضي المعدة للبناء لم يفرضها واقع التطور العمراني ولا أيضا قلة الأراضي المعدة للبناء، بل كرستها أساليب الضغوطات التي يمارسها البعض من الوكالات الخاصة والسماسرة الذين باتوا يمارسون أبشع الطرق في الاستيلاء على الأراضي وتجفيف المناطق منها ثم بيعها مهيأة أو دون تهيئة بأسعار تبلغ في العديد من الأحيان عشرات أضعاف ما بيعت به في درجة أولى. ولعل الأنكى من كل هذا أن البعض من هذه المقاسم والأراضي قد تم الاستيلاء عليها بدون وجه قانوني، حيث مارس عليها البعض عمليات حوز ثم تصرفوا فيها بالبيع، فظهرت بعد سنوات من بنائها جملة من الاشكاليات العويصة والمعقدة التي لا تنتهي وتكاثرت من أجلها القضايا العدلية القائمة منذ عشرات السنين دون التوصل الى حل بشأنها. رغم الملكية على الشياع تبقى أسعار أراضي البناء مرتفعة صورة أخرى بقيت ملازمة لنسبة هامة من الأراضي المعدة للبناء في كامل جهات البلاد تقريبا، وهي تتمثل في عدم وضوح ملكية هذه الأراضي والتفويت في بيعها على الشياع... هذا الاشكال على الرغم من أنه قائم فإنه لم يحل دون ارتفاع أسعار الأراضي حيث بات يعمد البائع والمشتري إلى تعمّد الامتلاك أو البيع عبر هذا الأسلوب دون تفكير في امتلاك رسم حقيقي للأرض أو حتى ما شيد عليها من بناء... ولعل مجمل القضايا المطروحة سواء في المحكمة العقارية أو المحاكم الأخرى يبرز آلاف القضايا والملفات الخاصة بهذا الجانب، وذلك على الرغم مما وفرته الدولة من تشريعات وتسهيلات بخصوص المسح العقاري، وما يبذل من مجهود من خلال لجان جهوية خصصت لتسوية الملفات العقارية. إن هذا الواقع يتطلب في الحقيقة فتح ملف في الغرض واتخاذ اجراءات حازمة لا فقط لتوفير الأراضي المعدة للبناء والضغط على أسعارها بل لترسيم هذه الأراضي بالسجلات العقارية، وذلك في ظل التطورات والاستثمارات الجارية والتي لا تساوي أراض بدون رسوم داخلها أية قيمة. فهل تشهد السنوات القادمة فتح هذا الملف بشكل واسع واتخاذ ما يلزم اتخاذه بخصوص موجة أسعار الأراضي التي حلقت عاليا وتسوية وضعياتها بالكامل؟