تونس الصباح تعتبر النسبة التي يدفعها المواطن من مصاريف العلاج بصفة مباشرة مرتفعة نسبيا مما يجعل نفقات التونسي على صحته تحتل حيزا كبيرا في ميزانيته رغم تمتعه بالتغطية الاجتماعية. وتساهم عوامل عديدة في الرفع من نسبة نفقات التونسي المباشرة على صحته ويتصل عدد كبير منها بالتأخر في تأهيل منظومة الصحة العمومية ومحدودية سقف استرجاع مصاريف التداوي في إطار الاصلاح الجديد لمنظومة التأمين على المرض.. المقصود هنا بمصاريف التداوي المباشرة هي النسبة التي يضطر المريض إلى دفعها خارج نطاق التغطية الاجتماعية والصحية المتوفرة له.بمعني أن الكثير من المرضى وبعد الحصول على الفحص في العيادات الطبية بالمستشفيات يتصلون بصيدلية المستشفى للتزود بالادوية التي دونها الطبيب في الوصفة الطبية فلا يجدون أغلب الادوية متوفرة مما يدفعهم إلى التزود بالادوية المطلوبة من الصيدليات الخاصة وبالتالي دفع معاليم إضافية. ونجد أيضا أن الضغط الذي تعرفه المستشفيات لا سيما المستشفيات الجامعية ونقص طب الاختصاص في بعض الجهات رغم التشجيعات المرصودة للاطباء للانتصاب في المناطق الداخلية والتباعد أحيانا بين مواعيد العيادات التي تحدد للمريض للحصول على الخدمات العلاجية اللازمة والتي قد تصل أحيانا إلى 3 أشهر.. كلها عوامل تدفع من لا تحتمل حالته الصحية الانتظار إلى اللجوء إلى التكفل الكلي والمباشر بمصاريف العلاج.وبالتالي اثقال كاهل المواطن بمصاريف للتداوي إضافية.. حجم النفقات المباشرة ووفقا لنتائج آخر مسح حول الاستهلاك أنجزه المعهد الوطني للاحصاء سنة 2005 تشير الاحصائيات المتعلقة بنفقات التونسي المباشرة في المجال الصحي إلى أن نسبة المساهمة المباشرة في هذه النفقات من جيب المواطن تناهز ال50 بالمائة.وتشير الاحصائيات الى أن النسبة الاكبر من هذه المصاريف (حوالي 43 بالمائة) يتم انفاقها على المواد الصيدلية وخاصة الادوية.وتأتي في المرتبة الثانية العلاجات الطبية الاستثنائية (بنسبة 27 بالمائة) تليها العلاجات الطبية العادية (حوالي 28 بالمائة) ثم اقتناء الالات الطبية.. ورغم أن منظمة الدفاع على المستهلك وللاسف لم يسبق لها تناول موضوع النفقات العلاجية في بحوثها الميدانية ودراساتها التي تجريها، يقول الحبيب العجيمي عن منظمة الدفاع على المستهلك معلقا على حجم النفقات العلاجية للتونسي أنها مرتفعة وتثقل كاهل المستهلك جراء ارتفاع أسعار الادوية. ويؤكد أن حجم النفقات الصحية يرتفع كلما ارتفع عدد أفراد العائلة وكلما كان هناك مسنون في كفالة العائلة. وتبلغ نسبة المساهمة المباشرة في مصاريف العلاج في البلدان المتقدمة حوالي 15 بالمائة فقط ويقول بهذا الشأن شكري عرفة دكتور في الاقتصاد وشارك في إجراء بحوث إحصائية في المجال الصحي أن المشرفين على القطاع الصحي في تونس مهتمون بموضوع النفقات المباشرة للمواطن على الصحة والتي تعد مرتفعة مقارنة ببقية البلدان لا سيما المتقدمة منها. ويضيف محدثنا أن هذه الاطراف تسعى للتخفيض من نسبة هذه النفقات ولعل الشروع في تطبيق منظومة التأمين على المرض والانطلاق في تأهيل منظومة الصحة العمومية خير دليل على هذا السعي. مشيرا في هذا الاطار الى أنه من غير المنطقي مثلا فيما يتعلق بنفقات الادوية وعدم توفر الادوية اللازمة في المستشفيات.. "أن تحتضن المنظومة العمومية المرضى للتداوي في حين تذهب "الفلوس" للقطاع الخاص جراء عدم توفر الادوية في المستشفيات.. ". دور التأمين على المرض من جهته يشير الدكتور نور الدين عاشور مدير المعهد الوطني للصحة العمومية الى أن مشكل نفقات المواطن المباشرة والمرتفعة نسبيا كان يطرح بحدة قبل الشروع في تطبيق نظام التأمين على المرض بسبب ضعف نسب استرجاع المصاريف في القطاع الخاص والنقص المسجل في الادوية في المستشفيات.. إلخ من الاشكاليات التي ينتظر الحد منها عبر منظومة التأمين على المرض ومن خلال تأهيل المستشفيات وكذلك من خلال القرارات الرئاسية الاخيرة في المجال الصحي ولا سيما تلك المتصلة بدعم صيدليات المستشفيات.. في المقابل هناك من يعتبر قيمة السقف الحالي المرصود من صندوق التأمين على المرض لاسترجاع المصاريف قد لا يساهم في التخفيض من نسبة نفقات المواطن الصحية على العكس قد يجد من تجاوز السقف نفسه مضطرا إلى العلاج على نفقته الخاصة. يجيب الدكتور عاشور عن هذه الملاحظة مبينا أنه على المواطن أن يفهم أن السقف الحالي الذي حدده "الكنام" لا يشمل نفقات الامراض المزمنة التي يتم التكفل بها بنسبة 100 بالمائة. في المقابل أشارمحدثنا إلى أن السقف الحالي قابل للمراجعة لكن لن يكون ذلك في الوقت الحاضر لانه يجب الانتظار بعض الوقت لاجراء عمليات التقييم للمنظومة. كما بين مدير المعهد الوطني للصحة العمومية أن تقييم مدى مساهمة منظومة التأمين على المرض في التقليص في حجم النفقات المباشرة للتونسي سيتم بعد الانتهاء من اجراء المسح الوطني حول الاستهلاك المقرر الشروع في انجازه خلال السنة المقبلة.