الابتكار المناسباتي ...تمش خاطئ نحن لا نزال نعيش داخل دائرة ضيّقة لا تتجاوز حدود البرنس والشاشية لا بد من وجود دراسات للأسواق العالمية ومعرفة الأذواق السائدة بها لمجابهة تهديدات العولمة تونس - الاسبوعي ينتمي عزوز الخراز الى السلالة العاشرة من الخزافين الذين قدموا الى تونس من الأندلس في بداية القرن 17.. وهو مهندس في صناعات الخزف تخرّج من فرنسا سنة 1977 ومارس النشاط الحرفي لمدّة 25 سنة وقام بتقديم إنتاج في مستوى رفيع من حيث الجودة والإتقان لكنه توقّف مؤقّتا عن ذلك لأسباب يقول أنها مرتبطة بالوضع العام في القطاع.. وهو بالاضافة لكل ذلك مؤلف كتاب تقني حول صناعة الخزف وقد قام قبل سنوات بإنجاز «مثْرد نابل» وهو معلم من المعالم الوطنية قرب المستشفى الجهوي بنابل . ويؤكد رئيس الغرفة الذي نحاوره في مصافحة اليوم أنه مسكون برغبة لا حدود لها لتطوير وتجديد المنتجات الحرفية وتشجيع الحرفيين على الابتكار وتجديد الانتاج. * الى متى سيظلّ البعد التجاري غائبا عن ذهن الحرفي التونسي الذي لم يعمل على أن تكون أسعار منتوجاته في متناول جميع الشرائح.. وبقي منتوجه حكرا على بعض الفئات والمناسبات القليلة وبأسعار مرتفعة. فهل أن مكننة نظم الإنتاج أمر صعب المنال؟ - ذلك لن يتم إلا بالاستئناس بالافكار الاجنبية في إطار السعي للتجديد.. لأن التطور الاقتصادي الذي حصل بالبلاد وفي كل القطاعات ساهمت فيه أفكار ومنظومات ووسائل إنتاج أجنبية مثل الكمبيوتر والآلات والنظم المعلوماتية ونظم التشغيل وتونستها.. وما المانع من الاستفادة من كل ذلك في ميدان الصناعات التقليدية خاصة ونحن نعيش في إطار فضاء معولم.. والسوق العالمية لم تعد تقوم على العاطفة أو مجرد الافتخار بالتراث وهذه المسألة تهم مستقبل المهنة وتنمية التراث.. ومن أبسط مستلزمات المحافظة على التراث العمل على تطويره وعلى أن يكون متماشيا مع جل الأذواق في جهات اخرى من العالم باعتبار وأن السائح الذي يأتينا يقصدنا من شتى أصقاع الدنيا مثل اليابان وروسيا والصين الشعبية التي لم تكن من ضمن حرفائنا سابقا. * وما هي متطلبات ذلك من وجهة نظرك كمختص في الميدان؟ - ينبغي أن تكون لنا دراسات في هذا المضمار تقوم على دراسة الاسواق العالمية ومعرفة الاذواق السائدة والمتغيرة بصورة دائمة لمجابهة تهديدات العولمة.. ويجب أن نعيش واقعنا ونكون ملمين به وأن نفرّ الى الأمام أو نعيش في أبراج عاجية او نبقى أسرى للأوهام والاحلام..ويكفي أسواقنا غزوا من قبل المنتجات الاجنبية لأن منتجيها فكروا في إنتاج منتوج موجه للشعوب العربية المسلمة ويستجيب لأذواقنا ومستنسخ من تراثنا... وعيا منهم بأن استهداف الاسواق يتم وفقا لخصوصية كل منها.. ونحن لا نزال نعيش داخل أحلامنا ومنغلقين داخل دائرة ضيقة لا تتجاوز حدود البرنس والشاشية. * أنت رئيس غرفة وطنية تنتمي للقطاع.. ما الذي قدمته الغرفة للمهنة؟ - شخصيا قمت بإعداد دراسة بوصفي خبيرا في الميدان بتكليف من ديوان الصناعات التقليدية حول صناعة الخزف الحرفي بالبلاد التونسية وشملت سبع جهات مشهورة بإنتاجها الخزفي ولكن لم يقع استغلالها جهويا حتى اليوم. * وما هي الاسباب؟ - تلك هي المشكلة..فالديوان يكلف أناسا يقومون بإنجاز دراسات مكلفة ثم توضع على الرفوف رغم احتوائها على عدة مقترحات وتوصيات هامة لمعالجة وضع الحرفيين في اختصاص ومنتوج ما..ورغم أن بعض الاختصاصات من هذه الصنعة أو تلك مهددة بالانقراض في بعض الجهات والقرى.. وبالنسبة للدراسة التي قمت بها فهي تتألف من 300 صفحة والى الآن لا تعلم بأمرها عدة جهات من الجمهورية رغم مرور حوالي 3 سنوات على الانتهاء منها ورغم النقاط الهامة الواردة بها. * وما الذي أضافه صالون الابتكار الذي ينظمه ديوان الصناعات التقليدية للقطاع على مستوى التجديد؟ - الجوانب المتصلة بالتجديد وتطوير المنتوج غير موضوعة ضمن أولويات الديوان رغم أنه ينظم سنويا معرضا خاصا للابتكار أطلق عليه «صالون الابتكار». * ما المقصود بذلك؟! - كرئيس لغرفة وطنية يؤسفني أن أقول أن الابتكار لا يقع تذكره إلا ليلة الصالون مقابل غياب العمل المتواصل والجاد على مدار السنة ولذلك لم تتم الاستفادة من النتائج المحققة على مستوى الابتكارات التي وقع الاختيار عليها والتي أسندت لها جوائز.. والمقصود طبعا الفائدة التجارية لأنها لم تنتشر بعد ذلك.. وكل عام ونحن نتساءل: ما الهدف من تنظيم مثل هذا الصالون؟ إذا لم يف بتطلعات الدولة والحرفيين التجارية سواء في تحسين الاوضاع أو في تطوير الانتاج والترويج والمحافظة على البقاء وممارسة النشاط وتقديم إنتاج يليق بالمجهودات المبذولة من قبل المجموعة الوطنية وفي تحقيق التنمية الشاملة. * وهل غاب ذلك عن أذهان مسؤولي الديوان؟ - التجديد لا يلقى أهمية في أنشطة الديوان وما يعرض خلال الصالون لا يرقى الى مستوى التطلعات طالما أنه لا يلقى الترويج المطلوب فهو ابتكار مناسباتي يحدث فقط من أجل الصالون ومن أجل الحصول على الجائزة الوطنية للابتكار.. وهذا تمشّ خاطئ ويقوم على مفهوم خاطئ خاصة اذا علمنا أن هذه الجائزة يشارك فيها الحرفيون والتلاميذ والطلبة والهواة والفنانون التشكيليون وهي مسابقة مفتوحة للعموم.. وأعتقد أن ذلك تحديدا هو سبب عدم نجاحها لأنه لن يحقق أية نتيجة إيجابية.. لأن المسابقة يجب أن تخصص فقط للحرفي الذي يملك وسائل انتاج وينتصب بالسوق وله معارف ومهارات.. لا أن يكون جزءا من مجموعة متسابقين ونتغافل عن دور هؤلاء الحرفيين تنمويا واقتصاديا واجتماعيا. * ألا يمكن اعتبار المطالبة بتخصيص مسابقة وطنية في الابتكار للحرفيين فقط ضربا من ضروب المبالغة؟ - المناظرة أصبحت ذات طابع ثقافي.. والحرفيون فقط هم من لهم دراية بأحوال السوق وبمشاكله ووعي بالظروف المعاشة بداخله.. وأغرب ما سجل في احدى دورات المسابقة هو دعوة احد مصنعي اللباس في تونس للعب دور ما في حفل الخمسة الذهبية بدعوى تعهده بتبني انتاج الابتكارات على المستوى الصناعي.. والسؤال المطروح اليوم أين ذلك التعهد بعد مرور فترة هامة على تنظيم تلك الدورة.. رغم أن الصناعي الذي وقعت دعوته معروف بجديته ومع ذلك فقد انقطعت علاقته بالقطاع منذ ذلك التاريخ وقد يكون ذلك لأنه لم يجد ما ينفع وكذلك لانه لم يأت لمشاركتنا أضغاث أحلامنا وبالتالي لا يمكن لومه على أي شيء. شخصيا تمنيت لو اقترح المشرفون على الصناعي الذي تمت دعوته استغلال الاقمشة المصنوعة حرفيا لأن لديهم أناس كثر ينسجون الاقمشة وهكذا نضمن الاستمرارية لهذه المهنة المهددة بالانقراض علما وأن عددا من الحرفيين الممارسين لنشاط النسيج في تراجع كبير جدا. * كغرفة وطنية للحرفيين المبتكرين ما هو تصوركم لصالون الابتكار؟ - الغرفة الوطنية لم تجد آذانا صاغية منذ سنوات من طرف الديوان الوطني للصناعات التقليدية ولم يتم الاخذ بجدية بالمقترحات التي وقع عرضها في عدة مناسبات والتي مللنا من تكرارها. * وما هي تلك المطالب؟ - نحن لا نرغب في خدمة الابتكار بصفة مجانية ومجردة بل نريد من الابتكار أن يكون بمثابة العربة التي تجر قاطرة الحرف الصغرى.. ولذلك لابد من السهر على الابتكار في كامل الجهات ومتابعته على مدار العام خاصة بالجهات التي تمر بصعوبات اقتصادية بسبب البعد عن الأسواق. * الصناعات التقليدية نالت اهتماما خاصا في برنامج رئيس الدولة الانتخابي من خلال الاعلان عن مشروع بعث مدينة تونس للحرف؟ - تناول سيادة الرئيس خلال خطابه بمناسبة افتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية لموضوع الصناعات التقليدية هو دليل واضح على مدى اهتمامه بالقطاع وعزمه الراسخ على مزيد النهوض به.. وسيكون إنشاء مدينة الحرف حافزا لعموم الحرفيين على الاستمرار في العطاء وبذل الجهد سعيا منهم لتحقيق التنمية الشاملة من خلال دمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية معا.. وسيكون كذلك فرصة متجددة لابراز خصوصيات كل جهة والتعريف بها لدى الجمهور على مستوى نوعية المنتجات المحلية والطابع التراثي وأساليب الانتاج ونوع المواد الاولية المستخدمة وستعود هذه المدينة بالنفع والخير العميم على الحرفيين نظرا لتواجد مختلف الجهات بها وستغرس روح التنافس وتفتح المجال أمام أكبر عدد من الجهات للبروز والتعريف بمنتجاتها. للتعليق على هذا الموضوع: