لم يعد جنون الجمهور يقف عند حدود ما ترويه الجرائد الغربية أو بعضها المصرية واللبنانية عن العلاقة الغريبة التي تربطه بالنجوم المفضلة عنده في الإذاعة والتلفزيون... بل الأمر تعدّى ذلك لتجد هذه الظاهرة طريقها إلينا وأصبحت من التقاليد المقلقة في الساحة الفنية التونسية. وسننطلق من مثال حي حدث منذ مدة للمنشطتين دنيا الشاوش بالإذاعة الدولية التونسية الناطقة بالفرنسية وسناء التومي المنشطة لعدة برامج بقناة 21 الفضائية حيث أزعج أحد المواطنين التونسيين هاتين المنشطتين عبر الهاتف ووصل به الأمر إلى «مهاتفتهما» في ساعات متأخرة من الليل حتى لا نقول في الفجر... ولم يراع هذا المحب المزعج الخصوصيات العائلية ونسي أن هاتين الزميلتين متزوجتان ولهما أبناء وأطفال في سن لا تحتمل الإزعاج ...والغريب أكثر على حد ما روته لنا الزميلة سناء التومي أن هذا المزعج يخاطبها من رقم هاتف جوال وبانتحال صفة صحفي ويود إجراء حوار معها في الساعة الثانية بعد منتصف الليل والأغرب أن الزميلة سناء التومي ولا هند الشاوش لم تبادر الواحدة منهما بتتبع هذا المزعج في مستوى الشرطة أو القضاء خاصة وهو يتصل بهما من رقم جوال معروف... ومن الوجوه الأخرى التي حدثنا عنه البعض من الجمهور أو من الممثلين والفنانين بشكل عام هو تلقيهم لمكالمات هاتفية مجهولة في أوقات مختلفة جلها لا «تحترم موعد العاشرة احترام الجار» ويميل البعض باسم حق المعجب إلى الحصول على أرقام النجوم للتحدث إليهم ولو كان ذلك بمقابل ويدفع البعض العشرات من الدنانير قد تصل إلى المئات في سبيل الظفر برقم هاتف نجمه المفضل على حد ما رواه لنا البعض... وذكر لنا أحدهم - له اهتمام على ما يبدو بهذه الظاهرة - أن السوق السوداء لبيع أرقام الهاتف الجوال والقار للممثلين والفنانين بشكل عام حددت هذه السنة تفاضليا كما يلي، الممثل ظافر العابدين المعروف في مسلسل مكتوب بدالي الأغلى سعرا في الممثلين ومريم مامي (شاهيناز) الأغلى سعرا في الممثلات ...وبسبب إزعاج الهاتف يلجأ الفنانون إلى تغيير أرقامهم كلما ازداد انزعاجهم من المكالمات المزعجة .ولسائل أن يسأل كيف يحصل المعجبون على أرقام الفنانين والممثلين والنجوم بشكل عام في الإذاعة والتلفزيون؟ وإذا كانت هذه الأرقام تباع فمن هو المتهم الأول بترويجها؟ ويرجح البعض أن تسريب أرقام هؤلاء النجوم لا يمكن أن يخرج عن مبنى الإذاعات والتلفزيونات الخاصة والعامة وبالتحديد الاشخاص الذين تتوفر لديهم أرقام الهاتف كما أن افتراضات أخرى لا تستبعد على غرار الصداقات العابرة التي قد تكون الخيط الرابط في هذه الحلقة المحبوكة بين الفنان والمعجب كما أن المنطق يحيلنا على افتراض آخر يتعلق بنا نحن الصحافيون وخاصة أؤلئك الذين يملكون أرقام هواتف النجوم... وحتى ننظر للموضوع من كل جوانبه تحدثنا إلى الأستاذ أحمد بن حسانة المحامي عن الجانب القانوني الذي أطلعنا في البداية عن المجلة الاتصالات المشرعة لهذه الظاهرة ثم أوضح لنا أنه «قبل سنة 2001 كان القانون العام المتمثل في المجلة الجنائية هو المنطبق مع ما يثيره ذلك من إشكاليات في التطبيق القضائي انطلاقا من مسألة تكييف الفعل (هل هو قذف أو اعتداء على الأخلاق الحميدة أو تجاهر بما ينافي الحياء)... مرورا بالتالي من مطب الوقوع في عدم اتحاد أركان الجريمة، ونكون عندها إزاء فراغ تشريعي، انتهاء إلى احتمال تفصّي المعتدي من العقاب على أساس مبدإ (لا جريمة دون نص) فكان تدخل المشرع التونسي سنة 2001 صلب القانون عدد 1 لسنة 2001 المؤرخ في 15 جانفي 2001 والمتعلق بإصدار مجلة الاتصالات، قصد تلافي مختلف هذه المصاعب القانونية وبهدف حماية الأشخاص الذين يكونون عرضة لاعتداءات الغير عبر رسائل الكترونية مشينة أو مكالمات متكررة غير مرغوب فيها أو عبر التفوه بألفاظ منافية للحياء إلى غير ذلك من الصور فكان أن نصّ صلب الفصل 86 من مجلة الاتصالات على أنه «يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من 100 إلى 1000 دينار كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات». وبذلك يكون المشرع قد حسم الأمر بسد ما يمكن أن نسميه فراغا تشريعيا وتدخل ليجرّم صراحة كل صور الإساءة للغير وإزعاجهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات ومن صورها الإساءة عبر الهاتف... وأشار الأستاذ أحمد بن حسانة بأن قضايا من هذا النوع قد سجلت في المحاكم التونسية وصدرت في شأنها أحكام بالعقاب الرادع. وحيد عبد الله للتعليق على هذا الموضوع: